كتبت صحيفة “اللواء” تقول: لم تكن تداعيات صفقة القرن في اليوم التالي لاعلانها من البيت الابيض، أقل حضوراً من الإرادة المستجدة عند الطبقة السياسية و”حكومة الاخصائيين” للخروج من ورطة تلاحق الازمات المالية والنقدية، وسط حصار قد يكون مرشحاً للتفاقم، مع احتدام دورات المواجهة في الشرق الاوسط، المعاد تشكيله على إيقاع تمزيق خارطة فلسطين إرباً إرباً، لضمان كيانية دولة إسرائيل المتوسعة بالهوية اليهودية المدموغة بالبصمة الاميركية – البريطانية المعادية.
ومع المعلومات التي ترجح إنجاز البيان الوزاري في غضون الايام القليلة المقبلة، واقراره في جلسة فورية لمجلس الوزراء، تمّ احالته على وجه السرعة إلى مجلس النواب لتحديد جلسة خاطفة لمناقشته واقراره، كان الرؤساء الثلاثة، يبحثون عن “منشطات معنوية” لاحتواء الازمة، التي تعكس “صورة سوداوية” لم يرَ فيها الرئيس حسان دياب، لا صحة ولا دقة، لكنه اعترف ان الحلول ليست سهلة، فيما ذهب رئيس المجلس إلى إبلاغ النواب “المداومين” في لقاء الاربعاء ان “عملية الانقاذ غير مستحيلة”، مانحاً الحكومة فرصة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر.. في وقت ذهب فيه رئيس الجمهورية إلى ان هناك في الافق، “خطوات إصلاحية قد تتضمن إجراءات صعبة أو قاسية، لكنها ستساعد على النهوض الاقتصادي (معلومات “اللواء”).
وفي نقاشات السراي بين عناصر النظام النقدي والمالي: وزارة المال، حاكم المركزي، جمعية المصارف، الصرافين، وتحت مرأى البنك الدولي ومسمعه ان المهم الآن كيفية تأمين خمسة مليارات دولار أميركي لـ”تهدئة الازمة” والانصراف إلى المعالجات المطلوبة، من زاوية القدرة على موازنة عملية، واقعية، ووفرة بسيولة لاستعادة الثقة والاسواق الدولية والثقة بالاسواق الداخلية، فضلاً عن الحفاظ على أموال المودعين.
“صفقة القرن”
في هذا الوقت، بقي لبنان تحت وطأة تداعيات صفقة القرن، على اعتبار انه المعني بنصف مليون فلسطيني على أرضه يترقبون حق العودة، بما تعني معنوياً لهم وفعلياً للبنان الذي ينوء تحت اثقال نزوح جيرانه إليه، وأدت المشاورات التي جرت بين كبار المسؤولين، إلى توافق على ان وزير الخارجية ناصيف حتي سيسجل الموقف الرسمي خلال مشاركته السبت المقبل في مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية الذي سيعقد في القاهرة بدعوة من الجامعة العربية، ويوم الاثنين في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي يعقد في جدّة في المملكة العربية السعودية للبحث في تفاصيل الصفقة وانعكاساتها.
وأوضحت مصادر دبلوماسية رسمية لـ”اللواء” ان لبنان الذي واجه صفقة القرن بالموقف منذ بداية الحديث عنها وفي كل المحافل والمنتديات، سواء في الامم المتحدة او الجامعة العربية او المؤتمرات الاخرى الاوروبية والاسلامية، سيعيد التذكير بثوابته الرافضة لتضييع حق العودة ولتوطين الفلسطينيين على ارضه أو في دول الشتات والانتشار، ويؤكد التمسك بمقررات الشرعية الدولية وبقرارات إعلان بيروت التي صدرت في قمة بيروت العربية عام 2002.
وقالت المصادر: ان لبنان ابلغ مواقفه هذه للاميركيين ولغير الاميركيين، “وان عملية السلام في الشرق الاوسط لايمكن حلها بسمسرة عقارات او بحوافزمالية، وان حقوق الشعوب لا تُشترى بالمال”، ولكن المصادر أكدت ان المواجهة لهذا المشروع لن تكون بمواجهة مباشرة ميدانية ولاعسكرية مع الاميركي، “فنحن لن نحارب اميركا ولا هي بصدد شن حرب في الشرق الاوسط من اجل تمرير الصفقة المرفوضة كرمى لعيون اسرائيل”.
وإضافة الى ذلك، تقول مصادر سياسية متابعة للموضوع منذ بدء البحث فيه، انه طالما الفلسطيني رافض للصفقة ما من قوة يمكنها ان تمررها، وطالما لبنان رافض للتوطين ما من قوة قادرة على فرضه عليه.
والمفيد في هذا المجال، ان الموقف الرسمي من التوطين هو ذاته موقف كل القوى السياسية اللبنانية على اختلافها، بين يمين ويسار ووسط وقوميين وعروبيين وهيئات.
ولوحظ في هذا السياق، ان الحراك الشعبي تضامن مع المخيمات الفلسطينية التي انتفضت ضد الصفقة، بسلسلة تحركات احتجاجية في بيروت وصيدا وطرابلس، حيث رفع المحتجون الإعلام الفلسطينية، مع علم فلسطين كبير في ساحة الشهداء، تنديداً لـ”صفقة القرن”، ورددوا هتافات رافضة لها، مؤكدين ان القدس ستبقى عاصمة لدولة فلسطين، واضاء المحتجون في ساحة ايليا في صيدا الشعلة في رسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني.
وكانت المسيرات الرافضة للصفقة قد عمت مختلف المناطق اللبنانية، مروراً بالمخيمات التي نفذت اضراباً شاملاً.
وسجل رسمياً اتصال اجراه الرئيس ميشال عون بنظيره الفلسطيني محمود عباس، معرباً عن تضامن لبنان رئيساً وشعباً مع الفلسطينيين في مواجهة التطورات التي نشأت عمّا بات يعرف “صفقة القرن”، وأكد لعباس ان “لبنان متمسك بالمبادرة العربية للسلام التي أقرّت في قمّة بيروت عام 2002″، خصوصاً لجهة حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.
اما الرئيس نبيه برّي فقد اعتبر في بيان ان “صفقة القرن تجهض آخر ما تبقى من الحلم الفلسطيني، بإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي رشوة لبيع الحقوق والسيادة والكرامة والارض العربية الفلسطينية بمال عربي، في حين غرد رئيس الحكومة حسان دياب على “تويتر” كاتباً: “ستبقى القدس هي البوصلة وستبقى فلسطين هي القضية”.
“ورشة” السراي
إلى ذلك، أوضحت مصادر السراي الحكومي ان “الورشة الاقتصادية – المالية، التي انعقدت في السراي على مدى نهار كامل، كانت تهدف بشكل أساسي إلى تبادل الآراء والمقترحات ووجهات النظر من أجل الوصول إلى “رؤية انقاذ” مشتركة بين جميع الاطراف للخروج من الازمة الراهنة وإيجاد الحلول المرجوة لها بأسرع وقت ممكن”. وكشفت ان الرئيس حسان دياب كان مستمعاً للعروض المفصلة التي قدمت خلال الورشة، سواء من جمعية المصارف أو من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أم من وفد البنك الدولي، إضافة إلى وزراء المال: غازي وزني والاقتصاد راوول نعمة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، أو الصناعة عماد حب الله، بتمعن ودقة من أجل الانطلاق بخطة العمل الاقتصادية والمالية فور نيل حكومته ثقة المجلس النيابي.
ولفتت المصادر إلى ان كافة الاقتراحات والدراسات ووجهات النظر لكافة القطاعات المالية والمصرفية التي تمّ الاستماع لها سيتم دراستها وتقاطعها بين بعضها البعض للوصول إلى ورقة إصلاحية واقعية ومنطقية لتضمينها البيان الوزاري، الذي يؤمل الانتهاء من صياغته نهاية الاسبوع الحالي.
وأشارت المصدر إلى ان الجميع يعلم ان وضعنا ليس بخير وهو يمر بحالة استثنائية ولكنه في نفس الوقت، غير مأساوي للدرجة التي تشاع في بعض الاوساط الرسمية والشعبية، ولم تستبعد ان يشهد سعر صرف الدولار هبوطاً غير متوقع بأي لحظة في حال تمّ اتخاذ الإجراءات المنوي اتخاذها من قبل الحكومة فور انطلاق عملها، مثلما ارتفع سعر الدولار بشكل كبير من دون سابق إنذار.
وكان الرئيس دياب استهل الورشة بالاشارة الى ان هدفها “وضع اليد على الجرح أو الجروح المالية والاقتصادية”، مشدداً على ان “هذه الورشة هي جزء مكمل لصوغ البيان الوزاري، لأن هذا الجانب يجب ان يكون هو الاساس في البيان، بل في الجزء الطاغي، لافتاً إلى ان “الوضع لا يحتمل نظريات وتجارب، لذلك يجب ان تكون لدينا رؤية علمية وواقعية”.
وأوضح ان الانطباعات الاولى التي سمعها من مختلف الاطراف، من حاكم البنك المركزي ومن رئيس جمعية المصارف سليم صفير وغيرهما توحي بأن الافق غير مقفل على المخارج، وان الصورة غير سوداوية، لكن هذا لا يعني ان الحلول سهلة، لكن الانطباعات الموجودة في البلد أدّت إلى فقدان الثقة بالدولة ومصرف لبنان وكل القطاع المصرفي.
وقال انه “لذلك طلب اعداد خطة بالتعاون بين الحكومة والبنك المركزي وجمعية المصارف بهدف استعادة الحد الادنى من الثقة التي هي حجر الزاوية في معالجة الازمة”.
ومن ناحيتها، جزمت مصادر السراي ان لجنة صياغة البيان الوزاري التي ارجأت اجتماعها الذي كان مقرراً أمس إلى اليوم، لم تتطرق بعد إلى الشق السياسي، وهي تنكب على المواضيع المالية والاقتصادية التي تشكّل أولوية لدى الحكومة، ولفتت إلى ان “رئيس الحكومة تعامل مع مشروع الموازنة كأمر واقع لأنه لم تكن لديه خيارات أخرى في ظل حكومة لم تنل بعد ثقة المجلس النيابي، كاشفة عن إمكانية كبيرة لتعديل بعض بنود هذه الموازنة بعد جلسة الثقة من خلال إرسال مشاريع قوانين في حال ارتأت ذلك”.
وعلى الخط ذاته، اعتبر الرئيس نبيه برّي خلال لقاء الاربعاء النيابي، انه “بعد إقرار الموازنة سيستكمل الإطار المؤسساتي مساره عبر مثول الحكومة امام مجلس النواب لنيل الثقة”، مؤكداً “حرص وجدية ودور وتعاون المجلس النيابي تشريعاً ورقابة ومحاسبة ومساءلة لحسن سير تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية”، مشدداً على ان “التأثير الوحيد عليها سيكون مصلحة الوطن والمواطن”.
ورأى برّي ان “عملية الانقاذ ليست مستحيلة وليست ايضاً في منتهى الصعوبة”، مشيراً إلى انه “امام الحكومة فرصة من 3 أو 4 أشهر بعد نيلها الثقة، شرط الابتعاد عن النزاعات والتوترات، خصوصاً وان لبنان لا يمكن ان يتقدّم من خلال الممارسة الطائفية بل من خلال المحافظة على المؤسسات”.
غير ان الجرعات التفاؤلية التي حاول كل من الرئيسين برّي ودياب ضخها، أمس، خالفها الرئيس عون خلال استقباله وفداً من الرابطة المارونية، حيث كشف بأن الإجراءات التي ستتخذ على صعيد الازمة الاقتصادية والمالية ستكون قاسية وربما موجعة، الامر الذي يتطلب تفهم المواطنين، ووصف الازمة الراهنة بأنها الاخطر حيث لا الإنتاج ولا المال متوفران بعد اعتماد لبنان لسنوات خلت على الاقتصاد الريعي.
وشدّد على انه سيتحمل المسؤولية من موقعه، وهناك إجراءات مالية واصلاحات بنيوية ستتم كما ستتم معالجة الإهمال الذي تعاني منه المؤسسات ولا سيما المختلطة منها، حيث الكثير من التجاوزات فضلاً عن المصالح التي سيتم وضعها تحت الرقابة المالية.
ولاحقاً، افيد ان ما اشار اليه الرئيس عون امام وفد الرابطة المارونية بشأن الاصلاحات والاجراءات البنيوية ورد في الورقة الاصلاحية وتلك التي تدرسها الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري، وهناك قسم ورد في الموازنة وهناك ما قد يتخذ في المستقبل ضمن الخطة المعمولة للنهوض الاقتصادي لمواجهة التحديات الناجمة عن الوضع الاقتصادي والمالي الصعب.
وعلمت “اللواء” ان ما من شيء محدد بعد قبل ان تقره الحكومة لكن هناك خطوات إصلاحية قد تتضمن اجراءات صعبة او قاسية لكنها ستساعد على النهوض الاقتصادي.
الحراك ينشط
وفيما أكّد الرئيس عون امام الوفد نفسه بأنه “لن يسمح بعد اليوم بأي تخريب للاملاك العامة أو الخاصة، وسيعمل كل من الجيش والقوى الامنية على المحافظة على الاستقرار، خاصة بعدما اخذنا مطالب المتظاهرين على عاتقنا”، أفيد عن تجمعات سجلت أمس لعدد من المتظاهرين امام مدخل وزارة الداخلية في الصنايع احتجاجاً على محاولات القوى الامنية فتح الطرقات في ساحة الشهداء، بالإضافة إلى محاولة إزالة خيم الاعتصام، مؤكدين بقاءهم في الساحة، طالما الانتفاضة قائمة.
كذلك، افيد ان عدداً من المتظاهرين بدأ قرابة التاسعة ليلاً بالتجمع على جسر “الرينغ” احتجاجاً على توقيف الناشط ربيع الزين ونشطاء آخرين في الحراك، وتأكيداً على استمرار الحراك ورفضاً للتعرض للحريات.
وتزامن هذا التجمع مع قطع المسلك الغربي لاوتوستراد جبيل لبعض الوقت رفضاً لتوقيف الزين، على خلفية إحراق الصرّاف الآلي لبنك الاعتماد في الذوق ورمي قنبلة مولوتوف على مكتب “التيار الوطني الحر” في جونية، حيث سبق وأوقف في القضية ذاتها كل من جورج القزي ومحمّد سرور منذ أكثر من أسبوع.
وفيما نقل الزين مساء أمس إلى نظارة سجن رومية وسيبقى هناك حتى يوم غد الجمعة ليمثل امام القضاء في بعبدا، اعتصم ايضا عدد من المتظاهرين امام سراي طرابلس رفضاً للتوقيف بموجب مذكرة توقيف وجاهية، وطالب هؤلاء باخلاء سبيله فوراً، بعدما كانوا قطعوا الطريق في محلة البحصاص.
وخارج هذه القضية، نفذت مجموعة من المحتجين اعتصاماً امام مبنى السفارة السويسرية بالقرب من جسر “الرينغ” لمطالبة الدولة السويسرية باجراء تحقيقات شفافة لكشف الاموال المنهوبة وتجميد أموال سياسيين لبنانيين متهمين بتهريب اموالهم إلى سويسرا بعد 17 تشرين الاوّل الماضي.
وأكّد المحتجون ان تلك الاموال المنهوبة هي ملك الشعب اللبناني ولا بدّ من استعادتها، وانه لن يتم السكوت عنها.
يُشار في هذا السياق، إلى ان رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود كشف عن حصول اللجنة على كامل المعلومات حول الاموال المحولة من لبنان إلى الخارج واسماء أصحابها، وان اللجنة تعد كتاباً لرفعه إلى النائب العام التمييزي غسّان عويدات لمتابعة الملف قضائياً.
وأوضح حمود الذي شارك إلى جانب سلامة في حضور الورشة الاقتصادية في السراي، ان المجتمعين توافقوا على “وضع تسهيلات مصرفية كبيرة للحصول على الدولار الاميركي كما على الليرة، وكذلك على تسهيل التحويلات إلى الخارج، ولا نقول بطريقة مفتوحة وإنما بارتياح، إذ ان هدفنا الذهاب أبعد في اتجاه تخفيف حدة الخوف والازمة لدى الناس”.