في مطلع القرن العشرين، فكر الصحافيون قبل شيوع النقابات في لبنان بتأليف لجنة تجمع شملهم وتيسر لهم التعاون في خدمة الصحافة وإعلاء شأنها والتخفيف من عبء قيودها وكان ذلك بتاريخ 10/7/1911 في العهد العثماني إذ اجتمع فريق منهم في فندق بسول، بدعوة من الدكتور فارس نمر وهو أحد أصحاب “المقتطف” و”المقطم” وعضو مجلس الشيوخ في مصر يومذاك. حضر الإجتماع جميع الصحفيين في بيروت للمذاكرة بشأن الصحافة. ويقول البيان الذي أذاعوه بعد الإجتماع أنهم بحثوا الأمور المؤدية الى تعزيز الصحافة وجعلها قوة عظيمة عاملة على خدمة الدولة والوطن، وانتخبوا بالإجماع السادة: خليل سركيس والشيخ أحمد طبارة والشيخ عبد الرحمن سلام وبولس الخولي “لجنة صحفية” تسعى للوصول الى الغاية المذكورة، ومدتها سنة، وعهد برئاستها الى الأستاذ خليل سركيس، وبنيابة الرئاسة الى الشيخ أحمد طبارة، وبأمانة الصندوق الى الشيخ عبد الرحمن سلام، وبأمانة السر الى الأستاذ بولس الخولي. وفي اليوم الثاني إجتمعت اللجنة وباشرت وضع قانونها الأساسي فأقرت منه 18 مادة ووقفت عند هذا الحد.
وفي 1918، تأسست في بيروت جمعية الصحافة كفرع لجمعية الصحافة العثمانية في إسطنبول وتابعة لها مباشرة، وتولى رئاستها جورج حرفوش صاحب جريدة “جورنال من بيروت”، ونيابة رئاستها محمد باقر صاحب البلاغ.
أما نقابة الصحافة الأولى بهذا الإسم، فقد وُلدت في منزل خليل سركيس عام 1919، وتولى رئاستها يومذاك، رامز سركيس ثم جُدد إنتخابه في إجتماع دعا اليه حبيب سليم البستاني في فندق “رويال” إثر خلاف على تحديد صلاحيات الرئاسة بين أعضاء اللجنة التي تألفت برئاسة بولس الخوري لوضع نظام النقابة التأسيسي.
وفي عام 1924، تولى رئاسة النقابة وديع عقل وجُدد له عام 1928، وفي عهده أسست النقابة ناديها في قصر البلدية، وقد توالى على رئاستها بعده: بشارة عبد الله الخوري المعروف بالأخطل الصغير وجبران التويني، وخليل كسيب، ومن ثم توقف نشاط النقابة من سنة 1938 الى 1942، إذ نشأت نقابة أصحاب الصحف وتولى وظائف في عمدتها: ميشال زكور، خير الدين الأحدب، جبرائيل خباز، ومحمد الباقر، وكرم ملحم كرم، ونجيب اليان، وكميل يوسف شمعون، ومحي الدين النصولي، وزيدان ضاهر زيدان. إلا أن تقدم الصناعة الصحفية وتطورها جعل من اللازم المضي في المزيد من التنظيم بالنسبة لما طرأ عليها من تطور فني وتقني. وكان أول مظهر لهذا التنظيم، إنفصال المحررين والمراسلين وإستقلالهم في تأليف نقابتين خاصتين بكل منهما.
وفي عام 1935، شُكلت لجنة برئاسة المرحوم ميشال زكور فوضعت مشروعات لتنظيم المطبوعات. كما أن النقابة وضعت قانونها الأول على يد لجنة ترأسها وديع عقل، ثم وضع القانون الثاني لجنة برئاسة الأب روبرت شدياق اليسوعي. وأخيراً وضعت مشروع قانون للنقابة، لجنة برئاسة المرحوم جبران تويني عام 1942.
نقابة صحافة الشمال
في عام 1932 وجّه ياسر الأدهمي، صاحب جريدة الأخبار التي كانت تصدر في طرابلس يومياً، دعوة الى زملائه في عاصمة الشمال، لتأليف نقابة الصحافة في المحافظة فلبى دعوته عديدون وعقدوا عدة إجتماعات في دار صاحب جريدة “الرقيب” يوسف نصر أسفرت نتائجها عن مطالبة الحكومة بالسماح لرجال صحافة شمالي لبنان بتأسيس نقابة لهم، فعارضت السلطة في ذلك وبعد مراجعات كثيرة إستمرت حتى عام 1938 أجيز لصحفيي الشمال إنشاء نقابة لهم، توالى على رئاستها عدد من أصحاب صحف الشمال.
اما نقابة محرري الصحافة اللبنانية وُلدت في نادي المهاجرين بيروت بعد أربع جلسات متوالية عُقدت بمساعي المونسنيور لويس خليل وبعض رجال الصحافة. ففي إجتماع عقده المحررون يوم الجمعة في 29 آب 1941 قرروا مبدأ إنشاء نقابة لهم مستقلة عن بقية الصحافيين. وفي 8 أيلول من العام نفسه صدّقوا قانون نقابتهم الأساسي، وفي 9 تشرين الأول عام 1941 إنتخبوا مجلسهم الأول. وبعد مرور أسبوع، أي في 19 منه إنتخب المجلس عمدته، فتولى رئاسة النقابة بعد تأسيسها روبير أبيلا وكان محرراً في جريدة “البشير” .قرارا نشــاء نقابـة محـرري الصحف اللبنـانيـة، نص عليهـا المرسـوم الإشتراعي رقم 72 تاريخ 11/4/1953 ومن ثـم قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 14/9/1962 ومركزها بيروت، كنقابة ذات سيادة مطلقة وكيان مميز مستقل على مستوى سلك مهني (Ordre) تصدر قرارات لها فعـل الأحكام وتستأنف أمـام القضاء عـلى مرتبة الدرجة الثانية مـن المراجعة، وتشكل هـيئة معنوية عالمية هي الممثلة لكل المحررين والناطقة الوحيدة بأسمهم (المادة الأولى من النظام الداخلي).
ويعتبر عضوا فـي نقابة محرري الصحف اللبنانية كـل “محرري الصحف المطبوعات (الصحافية) التي تصدر في لبنـان “شـرط أن يكونـوا من غير مالكيها، ومن المسجلين في الجـدول النقابي للصحافة وفقا للمادة 10 من قانون المطبوعات.
وتـركـز المـادة الثانيـة من النظام الداخلي للنقابة على انه “يشترط أساسا بالمحرر أن يكون التحرير مهنته الأساسية فعلا دون أي دخـل آخـر. ويحق له أن يظل عاطلا عن العمل مـدة أقصاها سنتان يفقد بعدها الصفة الصحافية”. غير أنه يبقى متمتعا ، متى بلغ مرحلة التقاعد، كالسابق، بحـق الإقتراع في الجمعيات العمومية والتصويت في الإنتخابات النقابية الدورية والإستثنائية. أما الأجنبي فقد أجـاز له القانـون أن يمارس مهنة محرر في لبنان دون الإنتساب للنقابـة ضمن شروط معينة وقـد أعطي، في هـذه الحـال، حـق حمـل بطاقـة محـرر صحافي منحى عـن الجـدول، أي غيـر منتسب للنقابة .
ويؤلـف هـؤلاء الأعضاء الجمعيـة العموميـة التي تعقـد دورة عادية مـرة في كـل عام فـي شهر تشرين الثاني بدعـوة من مجلس النقابـة، دورة إنتخابية مـرة كـل ثلاث سنوات خلال شهـر كانـون الأول ودورات إستثنائية عاديـة وإنتخابيـة تعقـد كـلمـا دعـت الحاجـة وفقـا لشروط محـددة في النظـام الداخـلي. وتصدر القرارات عنها بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الحاضرين، وذلك بهدف المصادقة على الموازنة السنوية وتحديد بدل الإشتراك ورسم القبول المفروضين على الأعضاء، مراجعة حسابات السنة المنقضية وتصديقها وانتخاب مجلس النقابة وإتمامه إذا إنخفض عدد أعضائه … ألخ.
مـن جهتـه، يضم مجـلس النقابـة محرري الصحافـة اللبنانيـة إثنـي عشـر عضواً تنتخبهم الجمعيـة العمومية من المحررين المسجلين الذين سددوا بدلات إشتراكهم، وفقـاً لشروط منصوص عنها في النظام الداخلي. وبعد إنقضاء ثلاثة أيـام على إنتخابه يعقـد إجتماعا لإنتخاب هـيئة المكتب المؤلفة من نقيب (يتولى هذا المنصب النقيب ملحم كرم منذ سنـة 1960)، نائب نقيب، أمين سـر وأمين صندوق، بالإضافة الى تكليف أحد الأعضاء الباقين بمهمة مدير العلاقات العامة للنقابة.
وتوالى على رئاسة النقابة كل من:
نسيب المتني 1944 – 1945
سليم أبو جمرة 1945 – 1956
ممتاز الخطيب 1946 – 1948
فريد الطيارة 1948 – 1949
كميل يوسف شمعون 1950 – 1951 (كان نقيباً للصحافة مع دمج النقابتين)
فريد طيارة 1951
جودت هاشم 1953 – 1954
وفيق الطيبي 1954 – 1958
إسحق منصور 1958 – 1960
ملحم كرم من 14 كانون الأول 1960 لغاية 22 أيار 2010
نقابة أصحاب الصحف اللبنانية
على أثر قيام نقابة محرري الصحافة اللبنانية من جهة، وفشل المساعي المتعددة لإنشاء نقابة صحافة جديدة تضم جميع الصحفيين من أصحاب صحف ومحررين ومراسلين إثر إنفراط عقدهم في نهاية آخر نقابة صحافية ظهرت، تنادى أصحاب الصحف الى إجتماع إنتخابي في العام 1942 أسفرت نتيجته عن إيجاد نقابة رأسها جبران تويني، والتبس في تسميتها بين نقابة صحافة ونقابة أصحاب صحف حتى إستقر الرأي على اللقب الثاني إسماً لها إعتباراً لملاحظات نقابة محرري الصحافة اللبنانية التي وجدت من الحيف أن يُطلق إسم نقابة صحافة على هيئة صحفية لا تمثل أعضاءها أصلاً، وانتصبت عراقيل في وجه أصحاب الصحف على أثر إنتخابها فلم تعترف الحكومة بها رسمياً مما آل في نهاية الأمر الى تلاشيها. إجتمع أصحاب الصحف في مكتب جريدة “بيروت” في أول آب 1944 وتداولوا في أمر إنشاء جمعية لهم تدعى رسمياً ونهائياً “جمعية أصحاب الصحف اللبنانية” وبعد أن أقروا هذا المبدأ، باشروا تلاوة مشروع قانون لجمعيتهم فصادقوا على مواده العشر وفي ما يلي نصه:
1- إجتمع في بيروت فريق من أصحاب الصحف اليومية والدورية وألّفوا جمعية سموها: “جمعية أصحاب الصحف اللبنانية”.
2- مهمة هذه الجمعية الدفاع عن حقوق أصحاب الصحف وتأمين مصالحهم الحرفية من مادية ومعنوية.
3- لا يُعتبر عضواً في الجمعية إلا صاحب الجريدة المعروف بوزارة الداخلية الذي يطلب الإنتساب اليها ويوقع على تعهد بإحترام قراراتها القانونية.
4- يتولى أعمال الجمعية مجلس إدارة مؤلف من 12 عضواً تختارهم الجمعية العمومية بالإقتراع السري، وبحسب أصول الإنتخاب المعروفة، وهم ينتخبون منهم رئيساً ووكيلاً وسكرتيراً وأمين صندوق. ويمثل الرئيس الجمعية لدى الحكومة.
5- لا يحق لأحد موظفي مجلس الإدارة أن يتكلم بإسم الجمعية إلا بتفويض من المجلس، وفي حال الإستعجال، بتفويض من الهيئة التنفيذية.
6- تتألف هيئة تنفيذية من الرئيس والسكرتير وأمين الصندوق لتنفيذ مقررات مجلس الإدارة والجمعية العمومية عند الإقتضاء. ومدة الرئيس سنة واحدة قابلة للتجديد.
7- تنعقد الجمعية العمومية مرة في السنة لإنتخاب مجلس الإدارة وتصديق الحسابات وذلك أول ثلاثاء من كانون الأول.
يرأس جلسة الإنتخاب أكبر الأعضاء سناً وتُعلن نتائج الإنتخاب بغالبية الحضور المطلقة.
تنعقد الجمعية العمومية بدعوة من مجلس الإدارة، وبطلب خطي يوقعه خمسة عشر من الأعضاء يبينون فيه الأساليب الموجبة، وعلى مجلس الإدارة أن يلبي الطلب.
8- مدة مجلس الإدارة سنة واحدة ويجوز إعادة إنتخاب أعضائه الخارجين.
9- يُشطب العضو من الجمعية إذا صدر عليه حكم قضائي بتهمة شائنة.
10- تتألف موارد الجمعية من الإشتراكات ومن التبرعات وإيراد الحفلات.
وبعد الإنتهاء من تصديق القانون جرى إنتخاب أعضاء المجلس. ويوم 3/8/1944 إجتمع أعضاء المجلس الجديد في جريدة بيروت وانتخبوا عمدة الجمعية. ففاز كل من محي الدين النصولي بالرئاسة، والياس حرفوش بنيابة الرئاسة، وميشال أبو شهلا بأمانة السر، ومحمد الباقر بأمانة الصندوق..
وقد حدث فيما بعد إختلاف بين أعضاء جمعية أصحاب الصحف اللبنانية إنتهى بإستقالة مجلس الجمعية التي ظلت تنتظر قرار لجنة عُيّنت على أثر الإستقالة للبحث في كيفية إجراء الإنتخابات وأصحاب الحق بها، غير أن قرار اللجنة لم يصدر، وجرت إنتخابات جديدة في 5-3-1946، فازت بها عمدة جديدة برئاسة جبران تويني، محمد الباقر لنيابة الرئاسة، فؤاد قاسم لأمانة السر، وسمعان فرح سيف لأمانة الصندوق، وإعترفت بها الحكومة رسمياً بتاريخ 14 آذار 1946 بموجب تحرير موقّع من وزير الداخلية إميل لحود تحت الرقم 598.
نتائج محاولات التنظيم الصحافي في لبنان كان من جراء محاولات عدة التي بها الجسم الصحفي في لبنان منذ مطلع القرن العشرين وساهم فيها أصحاب الصحف السياسية وغير السياسية وهيئة المحررين ومراسلي وكالات الأخبار والصحف الكبرى في الخارج، لتنظيم مهنة الصحافة ورفع مستواها وتأمين الحريات الأساسية لها لتكون بمنأى عن أي ضغط أو تهديد بالتعطيل أو التوقيف الإحتياطي، إن أدت هذه الجهود، الى تأسيس هيئات مهنية عدة تبلورت في نهاية المطاف عن تشكيل عدة نقابات صحافية في لبنان، منها نقابتان للصحافة إحداها في بيروت والأخرى في طرابلس وثالثة للمحررين، وأخرى لمراسلي الصحف ووكالات الأخبار في الخارج.
وقد راحت كل من هذه النقابات تعمل على تنظيم أمورها من الداخل وذلك بسن قانون خاص ينص على تكوينها وقيامها هيئة معترفاً بها تنعم بدستور وقانون داخلي وهيئة إدارية تنفيذية يكفل لها التطور نحو الأفضل والتكامل المهني والتقني. وقد تولى إدارة كل من هذه النقابات عمدة أو هيئة إدارية تأتي بالإقتراع السري يتولى أعضاؤها أعمال النقابة ونيابة النقابة وأمانة السر، وأمانة الصندوق وغير ذلك من الوظائف التي ينص عليها قانونها الأساسي.
وفي سنة 1918 دعا إسماعيل حقي بك والي بيروت مجموعة من الصحافيين الى ديوانه ورغب اليهم في أنتخاب جمعية صحفية للإهتمام بالصحافة تكون بمثابة فرع للجمعية الصحافية المؤلفة في عاصمة الدولة، ولكن هذه الجمعية لم تعش طويلا لأنها حلت عند نهاية الحرب.
وفي العهدين الانتدابي والجمهوري شاع في لبنان نظام النقابات و تألف منها للصحافة اللبنانية عدة هيئات متوالية، بعضها لأصحاب الصحف، وغيرها للمحررين وأخرى لمراسلي الصحف الأجنبية، ولكل منها مساع حسنة في الذود عن حياض الصحافة ورفع مكانتها وتحريرها من القيود والترفيه عن الصحفيين.
تـاريـخ نـقابـة الصحافـة
أنشئت نقابـة الصحافة الحاليـة (السلك) فـي أواخـر العـام 1950 وقبـل هـذا التاريخ كـان للصحافـة هـيئات مهنيـة نطاقهـا القانوني فـي حدود الجمعيـة، أي ان الإنتمـاء إليها والخضوع لمقررات مجالسها وحمايتها من المتطفلين لـم يكن ليمت الـى الإلتزام بشيء بل يعـود الى تفاهم وتـراضي الأعضاء الـذين يؤلفون المهنية وفقا لأنظمة يصنعونها بموافقة السلطة المختصة .
مع تطورها، إتخذت نقابة الصحافة اللبنانية تسميات وأشكالاً مختلفة وعرفت تبديلات في أنظمتها تبعـا لتـطور العمـل الصحافي والظـروف السيـاسيـة الـتي واكبتهـا، وكثيرا ما اعترضتهـا، غـير انهـا حرصت من خلال اللجنة ثـم الجمعية ثـم النقابـة والأوردر (السلك) أخيرا، عـلى أن تكون جبهة الدفاع عـن حـرية إبـداء الـرأي قـولا وكتابة ، وتنظيما، رغم تباين أفـكار نقبائها وأعضاء مجالسها، وسياسيا وفكريا، وأحيانا كثيرة حزبياً.
وقـد شكـل إعـادة تأسيس نقـابـة للصحافـة محور لقاءات شتى شملت محررين وأصحاب صحف، فانبثقت عنها لجنة تنفيذية إجتمعت فـي مكتب وكالـة الأنـباء العـربية وأنتهت الـى وضع تقريـر يتناول مشروع قانون المطبوعات في أيلول 1946وضعت الحكومة مشروعا ينص على إنشاء نقابة واحدة للجسم الصحافي، عـلى ان لا يمنع المحررون ومراسلو الصحف الأجنبيـة مـن إنشاء جمعيات لهـم فـي إطـار النقابـة المذكورة. وكانت قـد تأسست فـي أول آذار نقابة الصحافة اللبنانية وأنتخب جبران تويني نقـيبا لها .
وبعد إنتخاب مجلس النقابة بمدة وجيـزة، عين جبران تويني وزيرا مفوضا للبنان فـي أحـد بلـدان أميركا اللاتينية، فأسند مركز النقيب الـى نائب النقيب محمد الباقـر. واستمر النقيب في رئاسة النقابة، التي انتخبت مجلسا جديدا يرأسه تـقي الديـن الصلح. ثم خلفه إسكندر الرياشي إثـر إنتخابات جرت فـي شهر كانون الأول عام 1947، إذ كانت مدة ولاية مجلس النقابة سنة واحدة.
ركزت نقابـة الصحافة اللبنانية نضالها في الأربعينيات على إعـادة تنظيمها من جهة، وعلى إلغـاء التعطيل الإداري من جهة أخرى، كما ركزت على إقـرار قانـون المطبوعات، وقـد صدر سنة 1948وألغـى بأحكامـه التعـطيل الإداري، فشكـل ذلك إنـجـازا حققتـه الصحافـة بفضل جهـود مجلس نقابتهــا وتضامن الشعب معها.
حتى مطلع الخمسينات، كان الجسـم الصحافي من أصحاب الصحف ومحررين ومـراسلين شـكل نقابـة واحـدة هـي نقابـة الصحافة. وفـي مطلع الخمسينيات، بنــاء على إلحـاح مـن المحرريـن قـررت وزارة العـدل فصل النقابتين ، لـكـل مـن أصحاب الصحف والمحررين نقابـة مستقلة. فـتم ذلك بموجب قانون الصحافة الأساسي الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 72 تاريـخ 11/4/1953مع الحفـاظ على رابط بينهما تمثل بإتحاد يضم أعضاء مكتبي النقابتين يرأسه نقيب الصحافة.
ونشأت نقابة الصحافة الحالية في أواخر العام 1950 تنفيذا للقانون الصادر بتاريخ 10/9/ 1948 والمعدل بقانون 22/6/ 1955.
وبموجب قانون سنة 1948أصبحت النقابة سلكاً، على غرار نقابة المحامين وسواها من نقابات المهن الحـرة، فباتت لا ترتبط بوزارة العمل بـل بوزارة الإرشاد والأنباء والسياحة آنذاك، وذلك في كـل مـا يتعلق بشأنهـا المهني، الأمـر الـذي يلزمهـا بإطلاع هـذه الوزارة عـلى كـل ما يقـرره مجلس النقابـة أو الجمعيـة العموميـة وإن لمجرد أخـذ العلـم. كذلك نص هـذا القانون عـلى إلـزام أصحاب المهنة الواحدة بالإنضواء في هـذا السلك والتقيـد بمقررات مجلسه، وحظـر على المتتطفلين على المهنة إنتحال الصفة الصحافية تحت طائلة المعاقبة بالسجن حتى ستة أشهر بموجب المادة 393 من قانون العقوبات العام.
ومع السلك (الأوردر) دشنت الصحافة اللبنـانيـة عـهـد العصرنة، معتمـدة الأسـس الحديثة فـي معالجـة شؤونهـا الصحافيـة، فوضعت القوانيـن والأنظمـة المتطورة والدراسـات والبيانـات بالأوضاع والمطالب، كما حققت العديـد مـن المنجزات المهنيـة والفكريـة والوطنيـة والاجتماعيـة … الـخ. كـذلك سعت النقابة وجاهدت كثيرا للمحافظ على تعددية الصحافة اللبنانية وعلى حريتها، فاعتبر نقيب الصحافة محمد البعلبكي انه عندما تتحـول الصحافة الى فكـرة جديـدة واحـدة موجهة فمعنى ذلك نهايـة لبنـان. وهناك محاولات إحتكارية لسوق الإعلام في لبنـان وهـذا يشكل وقف المورد الرئيسي للصحافة على خط الصحيفة لصالح جهة سياسية معينة، مما يعطل مبـدأ الحريـة التي نعتبرها الـركيزة الأساسية للصحيفة وللوطن.
أصبح موضوع الصحافة فـي عهد الإستقلال موضع إهتمام الدولـة و تم تنظيمه بموجب قوانين ومراسيم إشتراعية متلاحقة هدفت الى تطويـر مهنة الصحافة ، و الى ضبط هذه الصحافة والحـد من حريتها كما هو الحـال مع قانون 28/4/1948 والمرسومين الإشتراعيين رقم 1/77 ورقم 121/83 اللذين ألغيا الأول عام 1986 والثاني عام 1985 دون ان يطبقا.
و في إطـار البحث في التنظيم القانوني للنقابـة والصحافـة أن هـذه النقابـة قـد عمدت الى وضع مشروع قانون للصحافة يتلاءم بأحكامـه مـع التطورات السريعة في هـذا المجـال، وسعت لـدى المراجـع المختصة لإصداره دون أن تنجح بذلك.
ان الغاية من إنشاء النقابات سـواء بين أرباب العمل هي حماية مصالح المهنة والدفـاع عنها والعمل على رفع مستواها وتقدمها في جميع الوجوه، الأمر الذي يوجب التكتل بين أفراد المهنة الواحدة أو أفراد المهن المتشابهة أو المتجانسة لتوحيد الجهود وبلوغ التقدم المنشود لها.
وتماشيـا مع فـكـرة تنظيم الشـؤون المهنيـة فـي لبنـان لحظ المشترع تنظيما خاصا للشؤون المتعلقـة بالعمل الصحافي ، فخص كـل من أصحاب الصحف والمحرريـن بتنظـيم مستقل، الى جانب التعاون من خـلال هـيئة عليـا مشتركـة بالنظـر لمـا لهذين الجسمين من تـلازم وثيـق فـي ممارسة المهنة ، وذلك على النحو التالي:
– نـقـابـة الصحـافـة اللبنـانيـة: تمثل أصحاب الصحف السياسية وغير السياسية.
– نقابة محرري الصحافة اللبنانية: تمثل محرري الصحف ومزوديها بالأخبار والمقالات.
– إتـحـاد الصحـافـة اللبنـانيـة: الهيئـة العليـا المشتركـة المؤلفـة مـن هاتين النقابتين وتنبثق عـن مجلس اتحاد الصحافة اللبنانية لجنتان هما: لجنـة الجـدول النقابـي للصحافـة والمجلس التأديبي، إضافة الأعلى للصحافة .
ولبنـان هو البلد الوحيد في المنطقة، الممثل صحافيا عبر نقابتين، نقابـة الصحافـة اللبنانيـة، ونقابـة المحررين. أما باقي الدول العربية، فتمثل عبر نقابة واحدة.
وينعقد هـذا المجلس مـرة كـل خمسة عشر يوما بدعوة من النقيب، كما يجتمع كلما دعت الضرورة بدعـوة مـن نقـيبه أيضا أو يطلب مـن ثـلث الأعضاء كتابـة، وهـو يتولى بشكـل عـام صلاحيات تقريريـة وتنفيذية تتناول بشكل خاص تنفيذ قرارات الجمعية العمومية وإدارة أموال النقابة وتنظيمية تتضمن وضع النظـام الداخـلي وتعديله وتعـديل النظـام المالـي عـند الإقتضـاء، تحكيـميـة وتـأديبيـة كتسويـة المنازعات والخلافات التي تـقـع بين الأعضاء، الإشراف على مسلك أعضاء النقابة المهني وملاحقة منتحلي الصفة الصحافيـة وإنتخابيـة، أي إنتخاب أو إنتـداب بعض أعضائـه لتمثيلـه فـي المجلس التأديبي، فـي المجلس الأعـلى للنقابـة وفـي مجلس إدارة صندوق تقاعـد وإسعاف الصحافيين (الذي حـل محـله صندوق ضمـان أصحاب الصحف الصحافيين).
أما مالية هـذه النقابة فتتألف من رسوم القيد التي يؤديهـا المحررون ، رسـوم الإشتراك المحـددة في المـادة الثامنـة والمنـح والمساعـدات مـن المصادر الوطنيـة وريـع الحفـلات الـتي تقيمهـا النقـابـة. وهـي مخصصة لتسديد كل نفقات النقابة العمومية “كإيجـار دار النقابة ودفـع مرتبات الموظفين وكـل مصروف عادي أو إستثنائي يقرره ويصادق عليه مجلس النقابة “.
ويتـولى أمين الصندوق (المادة27من النظام الداخلي للنقابة) الإشراف على تحصيل الإشتراكات وموارد النقابة الخاصة ودفع ديونها وإيداع أموالها في المصرف المعين من قبل المجلس.
إتحاد الصحافة اللبنانية:
الهيئـة المهنيـة المشتركـة للصحافـة “اتحـاد الصحافـة اللبنانيـة” هـي التنظيـم الــذي يجمع أصحاب الصحف و المحررين، و يتألف من كل من نقابتي الصحافة اللبنانية و محرري الصحافة اللبنانية، كهيئة عليـا لهاتين النقابتين، برئاسة نقيب المحررين فيها أمينا للسر. و يتمتع هذا الاتحـاد بالشخصية المعنويـة بموجب المـادة 78 من قانون المطبوعات. و تنبثق عنه ثلاث هيئات مهنية فرعية هـي: المجلس الأعلى للصحافة ، لجنة الجدول النقابي للصحافة والمجلس التأديبي.
1 – المجلس الأعلى للصحافة :
تضم جمعيته العمومية أعضاء كل من نقابتي الصحافة والمحررين، ويتألف من إثني عشر عضوا هـم: أعضاء مكتب نقابـة الصحافة الأربعة، أعضاء مكتب نقابـة المحررين الأربعـة وعضوان من كـل نقابة ينتخبهما مجلسها لمدة سنة واحدة.
ويكون رئيس مصلحة الصحافة والقضايا القانونية في وزارة الإعـلام مفوض الحكومة لديه، ولدى جميع اللجان والهيئات المنبثقة عنه، على أن تحدد صلاحياته بمرسوم .
إجتماعات المجلس الأعـلى للصحافة تتـم مـرة في الشهـر على الأقـل، أو عـند طلب مجلس إحـدى النقابتين، وذلك للنظر في جميع القضايا العامة المشتركة الـتي تهـم الصحافـة والصحافيين بصورة عامة ومشتركة، وتقريـر الخطوات الموحـدة الواجـب إعتمادها إزاء هذه القضايا، بإستثناء ما كان خاصا بكل نقابـة، فيقوم بالتالي بتنظيـم وتنسيـق العلاقات بين النقابتيـن فيما يتعلق بالتمثيل الخارجي وبطاقـة الهويـة وقبول الصحافيين الجدد والتأديب … ألخ .
إضافة الى ذلك فهو يتولى وضع النظام الداخـلي للإتحـاد وتعديله على ألا يصبح نافذا إلا بعد إقترانه بموافقة وزير الإعلام، العمل على إنشاء صندوق لتقاعد الصحافيين وإسعافهم على أن تساعد الدولـة في تغذيته وتعيين لجان مشتركة للتمثيل الصحافي في المناسبات الكبرى .
2 – إن الجـدول النقابي ليس جـدول محررين فحسب، بل هو جـدول نقابي للصحافة يضم أصحاب الصحف والمديرين المسؤولين فيها، الى جانب المحررين.
ومـع الهيئـة الرابعـة الـتي ألفـت بموجـب قـانـون المطبوعات لعــام 1962 المبني علـيه المرسـوم الإشتراعي رقم 71 تاريخ 21/4/1973، باتت هيئة لجنة الجدول النقابي تتألف من مكتبي كل من نقابتي الصحافة والمحررين برئاسة نقيب الصحافة، والمقـرر ممثـل وزارة الإعـلام (رئيس دائرة الصحافة في الوزارة). وهذه اللجنة هي أبرز اللجان المشتركة .
وتعقـد اللجنـة إجتماعات دورية للقيـام بمهامها التي من بينها تقصي المعلومات الوافية عن العامليـن في الحقل الصحافي بهدف النظر بطلبات الإنتساب الى الجدول والمتدرجين ومنتحلي الصفـة الصحافية ، مـنـح البطاقات الصحافية والمأذونيـات بالإنتداب الصحافـي الى الخارج ومـنـح الشـارات الصحافية على إختلافها.
هـذا لجهـة القـانـون، أما في الـواقـع، فـقـد تعثرت إجتماعات اللجنـة وتوقفت لفتـرة طويـلـة ما بين 18/4/1986(أخـر إجتماع) و1/7/1991(تاريـخ قبـول 93 طلب إنتساب من أصل مئـات الطلبات المتراكمة). ورد نقيب الصحافـة السـبب، في مقابـلـة أجريت معه، الى الظـروف الأمنيـة و الى أسباب أخرى. وكان أن تعرقـلت طلبات الإنتساب للجـدول النقابي للصحافة، قبل ذلك أيضا، بسبب تغيب نقابة المحررين المستمر عن إجتماعات اللجنـة، بغيـة تعطيل جلساتها. وللخروج من هـذا الوضع القانوني، عمد النقيب رياض طـه، رئيس اللجنة، الى عـقـد جلسـة حاسمة بتاريخ 3/10/1977تقـرر فيها قبـول إنتساب 119عضوا جديدا من حملة الشهادات الجامعية الذين كانوا قد تقدموا بطلباتهم من ثلاث أو أربع سنوات.
إنتخابات 17/12/1987 تنافس على مقاعدها السبعة عشر تسعة عشر مرشحا. وكان يتم أحيانا إنتخاب مجلس بالتزكية رغـم غياب بعض المرشحين كما حصل في إنتخابات 22/4/1976 حيـن تـم إنتخاب جورج عميرة المتغيب بسبب وعكة صحية وستـة آخريـن تغيبوا بداعي السفر أو المرض أو صعوبة الإنتقال.
وقـد عارض بعض الصحافيين المساعي التي كانت تبـذل لتأميـن فــوز بعض الأعضـاء بالتزكيـة، وطالبـوا بإنتخابات ديوقراطية تنافسية. فكتب جورج بشير حول هذا الموضوع ما يـلي: “وكأن العاملين في هذا القطاع يخافون الإختبار الحر، ويفضلون الطبخات الجاهـزة أو المعلبة، … لكن هذه العملية هي أقـرب مـا يكـون الى التمثيليـة المملـة أكثـر منها الى الإنتخابات”. ويضيف كثيـرون يـريـدون أن تـكـون الصحافة المرآة، المثـل الأعـلى للجميع، لا بـل القدوة. بعيدة عن الفوضى الواقعة فيها نقابـة الصحافة، ومعها نقابـة المحرريـن. فوضى في الجـدول النقابي. محـررون ليسوا بمحـررين إنما أدوات ومأكولات معـلبـة للإنتخابات. وأصحاب صحف بعضهم إن لـم يـكـن أكثـرهـم ليسـوا بصحافييـن، والصحف الـتي يملكون لا تصدر إلا مرة في السنة لإثبات الوجود من الناحية القانونية “.
في هذا المجال يظهر التجديد في إنتخاب أعضاء مجالس النقابة من خلال
الأشخاص الذين تناوبوا على عضوية مجالس نقابة الصحافة اللبنانية منذ العام 1950 حتى اليوم.
وبالنظر في بيانات العضرية تتكـررأسماء يإستمرار مثل رياض طه (11 مرة في مراكز مختلفة منها خمس مرات نقيب)، محمد البعلبكي (8 مرات منها 6 بمركز نقيب) محمد بديع سربيه (8 مرات) جورج عميرة (9مرات منها 7 بمركز أمين صندوق)، روبير أبيلا (11 مرة بمراكز مختلفة)، فاضل سعيد عقـل (9 مرات منها 5 بمركز نائب نقيب)، عبد الغني سـلام (9 مرات) ، يوسف خطـار الحلـو (7 مرات متتالية منذ إنتخابات21/4/1976) وغيرهم، في مقابل أسماء أخرى دخلت مجالس النقابـة لمرة واحدة أو لمرتين على الأكثر، منها: جورج إسحاق الخوري، خليل قرداحي، دياب نصر، محمد أمين دوغان، رشدي المعلوف … ألخ .
المحاكم الصالحة للنظر في قضايا المطبوعات فقد حصر قانو2/71 22/1/1971حق النظر بجرائم المطبوعات كافة بالمحاكم المنصوص عليها في المادة 67 من قانون المطبوعات لعام 1968 المحاكم العادية دون العسكرية وقانون26/74 25/9/1974تعديل القانون المتعلق
بجرائم المطبوعات.مرسوم إشتراعي 104 30/6/1977 عدل بعض أحكام قانون
المطبوعات لعام 1962.
وقـد سعــت النقابة والصحافة كثيرا لحصر أمـر النظـر في جميع القضايا المتعلقة بجرائم المطبوعات بمحكمـة الإستئناف بالدرجـة الأولـى (أي محكمـة المطبوعات)، عـلى أن تخضع أحكامهـا للمراجعـة أمـام محكمة التمييز بصفتها مرجعا إستئنافيا.
المطالبة بانشاء دار الصحافة منذ عام 1941
وتحقيقها في عهد النقيب الطيبي عام 1960
وجه نقيب محرري الصحافة اللبنانية روبير أبيلا في عام 1941 كتابا الى محافظ مدينة بيروت يطلب منه منح النقابة قطعة أرض لبناء مقر للنقابة .واستجاب مجلس الوزراء لمطلب النقابة وقرر تخصيص مساعدة بقيمة 150 ألف ليرة لانشاء مقر للنقابة .
وبذلك تكون جميع هذه الجهود التي بذلت منذ القدم لتأسيس دار الصحافة اللبنانية قد كللت بالنجاح في عهد النقيب الأستاذ عفيف الطيبي.
كما يوجد جمعيتان تعنيان بشؤون الصحافة والاعلاميين هما:
-رابطة متخرجي كلية الاعلام والتوثيق – تأسست عام 1972 ويرئسها منذ التأسيس الى اليوم عامر مشموشي
-نادي الصحافة – تأسست عام 1994 ويرئسها منذ التأسيس الى اليوم يوسف الحويك
تبنت نقابة الصحافة في جمعية عمومية عقدتها في 25/2/1974، شرعة الأخلاق التي وضعتها عمدة النقابة برئاسة النقيب المرحوم رياض طه، وكان له التأثير الأكبر في تبنيها وقد أقرها أصحاب الصحف السياسية كما أقرتها كذلك جمعية الصحف غير السياسية.
وفي ما يلي نص شرعة الأخلاق أو “شرف المهنة: ”
إعتزازاً منها بتاريخها المشرف الحافل بالنضال والإستشهاد في سبيل حرية الوطن والمواطن، بحيث إمتزج تاريخها بتاريخ الفكر الحر والنضال الوطني والشعبي، يسعد الصحافة اللبنانية أن تعلن في شرعة أخلاق المهنة هذه، مجمل مبادئ السلوك التي طالما إستعملها روادها، فكوّنوا للمهنة آدابها وأعرافها وتقاليدها، وهي المبادئ التي تلتزم بها المهنة منذ تأسيسها ولا تزال أقوى من القوانين والقرارات، وترى الآن تكرار إعلانها تلقائياً حتى تضع حداً لما يُثار من لغط حول أصول ممارسة قواعدها:
1- إن الصحيفة مؤسسة تقوم بخدمة عامة ثقافية، إجتماعية، وطنية، قومية، إنسانية، وإن كانت ذات مقومات تجارية وصناعية، وهي، إذ تمارس حريتها، ملتزمة بالدفاع عنها وعن الحريات العامة.
2- لا تقتصر المسؤولية على مراعاة القانون وحده، إنما تلتزم المطبوعة بمسؤولية أمام الضمير المهني وإزاء القارئ.
4- تلتزم الصحيفة بالصدق والأمانة والدقة وبمبدأ سرية المهنة.
5- المطبوعة منبر يملكه القراء ولهم فيها فرصة التعبير عن الرأي وحق الردّ والتصحيح.
6- للصحيفة أن تعبئ الرأي العام دفاعاً عن البلاد وعن الحق والعدل والمقاومة والعدوان والقوة الغاشمة.
7- تجتنب المطبوعة التعصب وإثارة النعرات وتتحاشى القدح والتحقير.
8- الأنباء المختلفة أو المحرّفة ليست صالحة للنشر.
9- الإفتراء أو الإتهام دونما دليل يسيء الى الصحافة.
10- تتحاشى الصحيفة نشر الأخبار غير الموثوق بصحتها، وإذا نشرتها، فعليها أن تشير الى أنها غير متأكدة.
11- تتجنب المطبوعة نشر المواد التي من شأنها تشجيع الرذيلة والجريمة.
12- الصحافة تحترم سمعة الفرد وتصون كرامته ولا تتعرض لحياته الخاصة.
13- الشتم والتهويل والإبتزاز من صفات الصحافة الصفراء التي لا تعرفها صحافة لبنان.
14- المهاترات الشخصية تحط من كرامة المهنة.
15- لا تلجأ الصحيفة الى وسائل غير مشروعة في سبيل إقتناص الأنباء والأسرار.
إن الصحافة اللبنانية، إذ تتمسك بهذه الأسس الخلقية إنما تفاخر بأنها وضعت ميثاق شرف تبناه مؤتمر الصحافيين العرب، وبأنها تشارك في تسجيل تاريخ مصيرها، وفي تكوين الرأي العام متطوعة لأداء رسالة أو القيام بدور في ممارسة الديمقراطية والذود عن المصالح العامة.
دعا فؤاد افرام البستاني في مقالة كتبها في مجلة “الصحافة اللبنانية” لمناسبة صدور عددها الأول تحت عنوان “معهد الصحافة”، معتبرا الصحافة وجه الأمة وخلاصها لذا لا بد من انشاء معهد للصحافة من ضمن مشاريع الجامعة اللبنانية لنيل طلابه الأهلية العلمية والوطنية والخلقية الضرورية للاضطلاع بهذه المهنة الخطيرة.
ولذا لا بد من اقرار الدروس التخصصية بالصحافة على أساس متين من الثقافة العامة لغة وأدبا وفنا مع الإطلاع على تاريخ الحضارات ، والحضارة اللبنانية والعربية خاصة.
ومع التمرن على النقل والترجمة وإليها وعلى الإختزال والضرب.
أما تفصيل برامج الدراسة فيتطلب فصلا بكامله ومن هنا أقتصرت المقترحات على قسمين عامين: دروساً نظرية ، وتمارين عملية وتطبيقية.
أما الدراسات النظرية فتتناول حتما تاريخ الصحافة: عالمية ولبنانية وعربية،
ويضاف الى ذلك دراسة التاريخ العام والتاريخ الدبلوماسي، ثم الجغرافية السياسية والإقتصادية متناولة البلاد العربية ومناطق الشرق الأدنى والأوسط وعلاقتها بالعالم. ولا تخفي أهمية القانون الدستوري في تنشئة الصحافيين.
وكذلك لا بد من دراسة عن مبادىء عامة في القانون الإداري والقانون المدني والقانون التجاري، توزع موادها على برامج السنتين الأوليين. وتخص السنة الثالثة بأبحاث في قانون الخبراء وقانون الصحافة وفي مبادىء علم الاجتماع وعلم النفس وسائر العلوم الانسانية ثم في تطبيقات العلوم العملية على اختلاف تشعباتها زراعة وصناعة وفنونا ولا يجوز أن تهمل في هذا القسم دراسة قوانين النقابات ولا سيما نقابة الصحافة ونقابة المحررين. وقد يكون من المفيد كذلك الالمام بتاريخ الطباعة ومنها العربية خاصة.
أما التمارين العملية فتتسع وتتفرع حتى تشمل أنواع العمل الصحفي جميعها من عمل المخبر الناشئ في تصيد الأخبار و التقاط التصريحات و عنونتها و تبويبها إلى مهمة رئيس تحرير في كتابة المقالات التوجيهية مروا بعمل المراسلين و المحررين على مختلف إختصاصاتهم.
ولا بد في ذلك من إقرار تنسيق الصفحات، و توزيع المواد و وضع العناوين و ترتيب الإعلانات و الصور و ما يتصل بذلك من شؤون الإدارة و التوزيع و المحاسبة.
وكما تفرع الدروس العملية على مختلف المواد في الصحيفة الواحدة، كذلك ينبغي أن تخص أنواع الصحف بدروس تفصيلية تتناول الجرائد اليومية و الصحف و المجلات الإسبوعية و الشهرية، والفصلية، و الدورية المطلقة، وما تمتاز به من خصائص كتابية ومظاهر مادية من ورق وحرف ولون.
وتتناول هذه التمارين إلحاق الطلاب بضعة أشهر، بإدارة الجرائد و المجلات فيقومون بإشراف محرريها، بتطبيق ما تعلموه نظريا.
تطور الصحافة
وقد تطورت الصحافة اللبنانية على مدى أكثر من قرن بشكل ملحوظ و تحولت من مجرد هواية و حرفة إلى مهنة لها تنظيمها و قوانينها و أساليب عملها المتطورة ، فدخلت مرحلة العصرية رويدا رويدا بعد العام 1960 وفي هذه المرحلة حققت الصحافة اللبنانية مكانتها و شهدت تعمق مفهوم الإعلام و الإعلان و العلاقات العامة، و هذه أهم التطورات:
1- بدء الإنتقال من العائلة إلى الشركة، و من الفرد إلى الجماعة.
2- الإنتقال من طبع الروتاتيف العادي إلى طبع الأوفسيت، و من التنضيد على اللينوتيب و الإنترتيب إلى التنضيد على الكومبيوتر، و من المصور العمومي إلى الأجهزة الخاصة، و اعتماد الآلات اللاسلكية اللاقطة للأخبار و الصور من كل أنحاء العالم.
3- ولادة مهمة العلاقات العامة .
4- تكاثر و تطور شركات الإعلانات و شركات التوزيع الضخمة و اعتماد مؤسسات التحقق و التدقيق و الإحصاء.
5- تأسيس نقابات خاصة بكل فئة من الفئات العاملة في القطاع الصحافي .
6- تكاثر المراسلين الخاصين لكل صحيفة عبر العالم و عدد الكتّاب الإختصاصيين و كتّاب المقال و المحلّلين و المخبرين المحلّيّين المتنوّعين و المحقّقين .
7- ظهور صحف الإختصاص و الملاحق الأسبوعيّة المتنوّعة أسوة بكبريّات صحف العالم و تأمين الصّدور سبعة أيّام في الأسبوع لتكوّن التّغطية الإخباريّة شاملة و كاملة .
8- تحسّن نوعيّة الأحرف و العناوين و الكاريكاتور .
فبلغ من شأن الصّحافة اللّبنانيّة في النّصف الأوّل من السّبعينات أن صار رئيس الجمهوريّة يستقبل أركان مجلس نقابة الصّحافة في لقاءات شهريّة للتّباحث في الشّؤون العامّة وقد استمرّت هذه اللّقاءات مع العديد من الرّؤساء اللاحقين للجمهوريّة.
وفي ايامنا هذه تجدر الاشارة الى دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الهيئات النقابية الاعلامية والمؤسسات الصحفية الى حوار حول شؤون البلاد العامة، خلاله القائه خطاب عيد الاستقلال للعام 2009.
وقد أدّى تطور مستوى الصّحافة اللّبنانيّة في مرحلة السبعينات إلى ازدياد تأثير الصّحف و تحسّن حضورها داخليّا و عالميّا و التصاقها بالقضايا الشّعبيّة رغم تعدّد النّزعات الإيديولوجيّة والحزبيّة فيها.
هذه المرحلة و إن عرفت الإنطلاقة الأهم و الأوسع للصّحافة ، إلا أنّها عرفت أيضا ظاهرة الصّحف المهجرة والصحف غير الشرعية، فضلا عن الصحف الصادرة باللغات الفرنسية والانكليزية والأرمنية والسريانية والكردية وباسم عرب وادي خالد … ، والتي كانت من إفرازات الحرب اللبنانية الأخيرة، التي كان من نتائجها بالمقابل توقف صحف كثيرة عن الصدور ومعاناة صحف أخرى ماديا.
استطاعت الصحافة اللبنانية خلال تاريخها الحافل، وبالرغم من محاولات السلطة الحاكمة للتضييق عليها وتعطيل إمتيازاتها بتهمة تعريض سلامة الدولة وسيادتها للخطر، وبخاصة في فترة الأحلاف بين أعوام 1947 و 1959، أن تصبح صوت الديمقراطية اللبنانية وأن تنتصر للحريات العامة والخاصة، كما تمكنت من تعزيز التفاعل بين الثقافات والتيارات الفكرية وزيادة إهتمام ومساهمة الشعب اللبناني في الشأن العام. والمهم أيضا أنها صارت منبر العرب بفضل الحرية والتعددية الحزبية والعقائدية التي تميزها.
المصادر:
1- النهضة الصحفية في لبنان / جورج عارج سعادة
2- القاموس المصور للصحافة اللبنانية / د – جوزيف الياس
3- الصحافة اللبنانية منذ نشأتها حتى الحرب العالمية الاولى – ليلى حمدون – موقع الكتروني
4- جريدة بيروت الرسمية / د. هلال ناتوت
5- الإتصال في عصر العولمة / د – مي العبد الله سنو