كتبت “النهار” تقول: لم يكن ممكنا تجاهل القلق التصاعدي الذي انتاب معظم اللبنانيين امس لدى رؤيتهم تجدد مشاهد التفلت من الحجز المنزلي الإلزامي وتجنب التجول الا للحالات الضرورية في بعض المناطق، في وقت كان عداد حالات الإصابات بفيروس كورونا في لبنان يسجل ارتفاعا تراكميا اقترب معه من سقف الـ400 إصابة فيما كانت عدادات الإصابات والوفيات في الدول الأوروبية والولايات المتحدة تشتعل على نحو مخيف. وأملت مشاهد التفلت الذي تنقلت من صيدا الى طرابلس الى بعض الاوتوسترادات انطلاقة متشددة مساء لقوى الجيش وقوى الامن الداخلي بدأت مع اخلاء ساحات طرابلس والانتشار الواسع في مختلف المناطق لفرض تنفيذ قرارات مجلس الوزراء في إلزام المواطنين الحجر المنزلي ومنع التجول من الساعة السابعة مساء الى الخامسة فجرا. ومن بين الإجراءات التي نفذت مساء إزالة القوى الأمنية خيم الاعتصام في ساحات وسط بيروت منعا لاستعمالها في التجمعات الممنوعة رغم الاعتراضات التي أعلنتها جماعات الانتفاضة لهذا الاجراء. وكشفت أوساط معنية بالإجراءات الجارية في اطار تنفيذ قرارات مجلس الوزراء الممددة لحال التعبئة مع التشدد بتطبيقها، ان تشددا تصاعديا سيحصل في تنفيذ هذه القرارات في ظل تصاعد خطر اتساع انتشار الفيروس وحالات الإصابة به لانه من غير المسموح ان يشهد لبنان اكبر واضخم استنفار وتعبئة رسمية وخاصة وحزبية واجتماعية ونقابية لم يعرفها في تاريخه لمواجهة هذا الخطر الفيروسي الزاحف فيما تتكرر المشاهد الصادمة لتفلت واستهتار كما حصل امس في بعض المناطق ولو على نطاق محدود. والواقع ان الاستنفار الذي اشارت اليه الأوساط بدا في وجوه مختلفة كان ابرزها رفع منسوب الاستعدادات الى ذرواتها لاستكمال تجهيز المستشفيات الحكومية في المحافظات لاستقبال حالات الإصابات بكورونا، كما بدأ تنفيذ قرار إقامة مراكز للحجز مخصصة للمصابين الذين لا يحتاجون الى رعاية طبية والذي كلف المحافظون بتنفيذه. وفي اطار تنفيذ هذه الإجراءات اعلن رسميا امس تمديد وقف جميع الرحلات الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي الى 12 نيسان المقبل. وتزامن ذلك مع اعلان وزارة الصحة ارتفاع عدد حالات الإصابات بكورونا الى 391 إصابة بزيادة 23 حالة عن اليوم السابق. وفيما اشارت الوزارة الى ارتفاع حالات الشفاء المؤكدة الى 23، ارتفع العدد ليلا مع تسجيل مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي تماثل اربع حالات جديدة الى الشفاء الى 27. كما ارتفع الوفيات الى ثمانية مع وفاة مريضين في مستشفيي الحريري والقديس جاورجيوس. وقام رئيس الحكومة حسان دياب بزيارة تفقدية لمستشفى الحريري للمرة الأولى منذ بدء ازمة تمدد الكورونا الى لبنان حيث اعلن ان الحكومة خصصت حوالي 60 مليون دولار لمواجهة كورونا كما اكد انه حول الى وزارة المال كتابا بدفع فروقات سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في المستشفى اخر الشهر الجاري .
بري والحكومة
واتسعت معالم ازمة جديدة مواكبة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة وهي ازمة اللبنانيين في انحاء عدة من دول الاغتراب الراغبين في العودة الى لبنان او الذين تعذرت عليهم العودة بعدما كانوا في زيارات هذه الدول. وشن رئيس مجلس النواب نبيه بري هجوما حادا على الحكومة في هذه القضية متهما إياها بانها “شكلت الشذوذ عن كل دول العالم التي تقوم بالبحث عن مواطنيها لإعادتهم، اما نحن فنسينا ان هؤلاء دفعهم اهمال الدولة أصلا كي يتركوا لبنان ” منتقدا ما وصفه بالاداء الهمايوني للحكومة وداعيا الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لاعادة النظر في هذه القضية. وقال الرئيس بري ردا على سؤال لـ”النهار” عما يمكن ان يحصل اذا لم تعقد جلسة حكومية لهذه الغاية :”سيكون عندها لكل حادث حديث من اقل الواجبات والمسؤوليات الوطنية احتضان مغتربينا والوقوف الى جانبهم ولهم حقوق على وطنهم”. ويقول بري ان الكثيرين من المغتربين أعلنوا استعدادهم للعودة على نفقتهم الخاصة واجراء الفحوص الطبية المطلوبة.
وزني وإعادة الهيكلة
في غضون ذلك اتخذ الملف المالي دلالات جديدة بارزة لجهة تدشين لبنان امس محادثات إعادة هيكلة الدين في اجتماع عبر شبكة الانترنت عقده وزير المال غازي وزني مع حاملي سندات الاوروبوند. وتضمن الاجتماع كلمة مسهبة للوزير وزني شرح فيها خطوات الحكومة منذ تأليفها “لاخراج لبنان من هذه الازمة غير المسبوقة وتاكيد التزام الحكومة التوجه نحو نموذج اقتصادي واجتماعي جديد سليم وقوي وعادل ولهذه الغاية تعهدت الحكومة تطوير خطة انقاذ شاملة والمباشرة بالإصلاحات الهيكلية المطلوبة”. وشرح أسباب ودوافع قرار تعليق دفع استحقاقات الاوروبوند وقدم تبيانا خاصا بالدائنين لإعطائهم صورة مفصلة عن عمق الازمة التي يواجهها لبنان وتزويدهم نظرة عامة عن خطة الإنقاذ التي وضعتها الحكومة واطلاعهم على اهداف إعادة هيكلة الدين العام المنوي اعتمادها. ولفت الى ان خطة الحكومة تتضمن اربع ركائز رئيسية وهي اصلاح معمق للقطاع المصرفي وخطة اصلاح مالي تهدف الى تحقيق فائض اولي معقول على المدى المتوسط والطويل وإصلاحات هيكلية طموحة تهدف الى تعزيز النمو خصوصا من خلال تنمية الاقتصاد المنتج والاستثمارات لاعادة بناء البنى التحتية وإعادة هيكلة كاملة للدين العام تهدف الى تخفيف عبئه بشكل مستدام على الموازنة واستعادة القدرة الطبيعية على الاقتراض. وأعلن ان هدف الحكومة هو وضع اللمسات الأخيرة على جدول الاعمال الطموح هذا قبل نهاية السنة الحالية وتتعهد الحكومة بالمشاركة في مناقشات حسن نية شفافة مع الجهات الدائنة للبنان لإيجاد حل معقول ومستدام لمشكلة هيكلة الدين العام في لبنان .
يشار في هذا السياق الى ان وكالة رويترز نقلت امس عن مسؤول في وزارة المال اللبنانية ان احتياطات لبنان بالنقد الأجنبي السائل لدى مصرف لبنان وصلت الى 22 مليار دولار في كانون الثاني الماضي. وتوقع المسؤول نفسه انكماش الاقتصاد 12 في المئة في سنة 2020 متأثرا بفيروس كورونا كما لفت الى ان التضخم بلغ ما بين 20 و 25 في المئة في هذه السنة .