اذا كانت الملهاة السياسية التي انطلقت معالمها مع طبخة المحاصصة الفاقعة للتعيينات في أعلى هرم المؤسسات المصرفية والمالية في لبنان ستتوج مسارها مبدئيا اليوم في السعي الى انجاز توزيع قالب الحلوى لهذه المحاصصة على مكونات الحكم والحكومة ما لم يطرأ طارئ يرحلها مجددا، فيمكن المجازفة الى حدود بعيدة عبر التأكيد ان هذا الشأن يشكل آخر هموم الناس والمواطنين في ظروف اجتياز لبنان اشرس أزمتين في تاريخه ازمة الفقر والشح والإفلاس وأزمة تفشي الكورونا. ولذا لم يكن غريباً ابداً ان تظهر صورة المشهد الداخلي امس مزيداً من اتساع الهوة بين “عالمين” لبنانيين اذا صح التعبير هما: عالم ترف السلطة التي انشغلت عشية جلسة مجلس الوزراء اليوم في قصر بعبدا بإتمام صفقة المحاصصة في تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، وعالم المواطنين وهمومهم سواء كانوا ضمن الغالبية الكبرى الملتزمة الحجر المنزلي ام ضمن الفئات التي تخترق قرار الحجر أيا تكن أسباب هذا الخرق مبررة ام متهورة.
تبعا لذلك يمكن الاستنتاج استنادا الى المعطيات الجديدة التي سجلتها التقارير الطبية والصحية المجمعة امس من وزارة الصحة والمستشفيات المعنية ان مواجهة لبنان للانتشار الوبائي لفيروس كورونا قد بلغت المدى الأقرب من “حد السيف” بين الإبقاء قدر الإمكان على السيطرة على الانتشار او الانزلاق على نحو دراماتيكي شديد الخطورة نحو مرحلة فقدان السيطرة على الانتشار الوبائي. فاذا كانت نسبة الإصابات اليومية لا تزال تعتبر ضمن الخطوط القابلة للسيطرة ولا يزال الجسم الاستشفائي سواء في المستشفيات الحكومية او المستشفيات الخاصة مؤهلا وقادرا على استيعاب موجاتها حتى ضمن سيناريوات اشد صعوبة تصل الى الاف الحالات، فان دلالات التفلت من الحجر المنزلي وعدم القدرة على مسح الإصابات في كل المناطق وارتفاع عدد الوفيات امس الى 15 حالة وفاة وبدء العد العكسي لاستقبال الاف اللبنانيين العائدين من نواحي مختلفة من العالم، تشكل مؤشرات اقتراب متسارع من اخطار الانزلاق نحو الانتشار المتفلت من الضبط الاستشفائي الكامل. ولعل هذه العوامل مجتمعة وسواها دفعت امس بوزير الصحة حمد حسن الى مصارحة اللبنانيين بهذه الاخطار اذ لفت الى ان “أي منظومة صحية لا تستطيع مواجهة الوباء عندما يتفشى في المجتمع”. وإذ لاحظ ان معدل الانتشار المحلي في لبنان ضعيف، الا انه استدرك محذرا من انه “يجب الا يطمئن احد فالمنازلة هي بيننا وبين حماية أهلنا من الفيروس”. ولعل اللافت في كلام وزير الصحة تمثل في كشفه انه في يوم 18 آذار الذي شهد ارتفاعا كبيرا في الإصابات بكورونا “بدأ مجتمعنا ينضبط ولكنه انضباط يعتريه خلل”. وحذر من “اننا ما زلنا في عين العاصفة ودائرة الخطر والانزلاق سريع اذا لم نعرف كيف ندير المعركة ضد كورونا “، ولفت الى اننا سندخل الى مرحلة جديدة تبدأ الاحد مع بدء عودة المغتربين وهو تحد جديد ويجب ان تنتبه الى الإجراءات”. وفيما لفت وزير الصحة الى ان حالات الوفاة التي سجلت حتى البارحة هي لحالات كانت تعاني من أمراض مزمنة ووضعها دقيق، سجل امس ارتفاع حالات الوفاة الى 15 فيما ارتفع مجموع الإصابات المثبتة الى 479 إصابة بزيادة 16 حالة عن اليوم السابق كما ارتفعت حالات الشفاء الى 43 حالة .
وحيال تكرار مشاهد اتساع التفلت الشعبي من موجبات الحجز المنزلي في مناطق عدة برز اتجاه متجدد لدى القوى العسكرية والأمنية لاعادة فرض الإجراءات التي تلحظها حال التعبئة المشددة. وفي هذا السياق افاد مصدر عسكري وكالة الانباء المركزية ان الجيش سيتشدد في موضوع التجمعات كونه مسؤولا عن تنفيذ حال التعبئة العامة وبالتالي فض التجمعات الشعبية، وهو سيتخذ إجراءات صارمة منعا للاختلاط وتأمينا لسلامة المواطنين وإنقاذا لأرواح الكثيرين مع تفهم مطالب الناس المعيشية وصرختهم المحقة. وشدد المصدر على انه لا بد من وضع حماية المواطنين في مقدمة الأولويات لان الظرف اليوم اكثر من قاهر وخطير ولن يسمح الجيش بحصول تجمعات تؤدي الى تهديد سلامة المواطنين.
كباش التعيينات
وسط هذه الأجواء أنهمكت الكواليس الحكومية والسياسية للقوى المشاركة في الحكومة في الساعات الماضية بالسعي الى إتمام التوافق بين هذه القوى على صفقة التعيينات التي يفترض ان يقرها مجلس الوزراء في جلسته قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا. وإذ باتت الأسماء “المرشحة” التي ستطرح على مجلس الوزراء للاختيار منها، الأسماء التي جرى التوافق عليها مسبقا بعدما توزعتها قوى الحكم والحكومة معروفة ) نشرتها “النهار ” بكاملها امس) لملء مناصب نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، فان المعلومات التي توافرت ليلا لـ”النهار” من مصادر معنية بالاتصالات التي تلاحقت عشية الجلسة، أفادت بان التعيينات منجزة بنسبة تسعين في المئة في ظل التوافق السياسي عليها ولكن النسبة المتبقية أي عشرة في المئة تهدد جديا امكان صدور التعيينات اليوم، اذ ان التصويت على التعيينات يقتضي أكثرية الثلثين من مجموع أعضاء الحكومة أي 14 وزيرا ولم تكن ثمة ضمانات كافية لضمان تصويت الوزراء الـ 14 اليوم على التعيينات كلها كما تم التوافق عليها بين المكونات الحكومية الامر الذي يشكل عقبة محتملة امام إقرارها. ثم ان عقبة مطلب رئيس “تيار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية باشتراط حصوله على منصبين من اصل ستة للمسيحيين في هذه التعيينات لم يحسم لمصلحة الاستجابة الكاملة لمطلبه بل اعطي منصبا واحدا. كما ان موقف رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان الذي يطلب منصبا ثانيا بالإضافة الى نائب الحاكم الدرزي سيبقى رهن المحاولات التي تبذل لحمله على القبول بمنصب واحد. ومعلوم ان “حزب الله” استمر في محاولات تبريد الخلاف بين حليفيه “التيار الوطني الحر” وتيار “المردة ” لتمرير صفقة التعيينات. ولكن المصادر المعنية أبلغت “النهار ” ليلا ان عقدة فرنجية ظلت عالقة ولا يعرف ما اذا كانت التعيينات تاليا ستمر اليوم ام سيجري ترحيلها الى جلسة لاحقة اذا تعذر التوافق التام عليها. وقد تبين ان ثمة أسماء طرحت لتلميع التعيينات ولكنها لم تكن واقعية اذ علم ان اسم عامر البساط جرى تسريبه لمنصب النائب السني للحاكم فيما كانت الاتصالات معه انتهت باعتذاره لانه يقيم في نيويورك. كما ان اسما اخر تردد بانه سيعين وسحب من التداول بعدما تبين ان في حقه حكما قضائيا.
وفي أخر المعطيات التي توافرت ليلا ان الخلافات استمرت على بند التعيينات المالية لاسيما حوّل الحصة المسيحية، ولم تفلح الوساطة التي قادها “حزب الله” بين حليفيه سليمان فرنجيه وجبران باسيل في معالجة العقدة التي نتجت عن تهديد فرنجيه بالخروج من الحكومة اذا لم يعط مركزين من المراكز المسيحية الستة. فلا هو قبل بمركز واحد ولا الفريق الرئاسي قبل بالتنازل له عن مركز ثان ، انطلاقاً من انه لا يجوز الخلط بين حصة رئيس الجمهورية وحصة “التيار الوطني الحر”.
ولعدم تعريض وحدة الحكومة للاهتزاز ، سعى “حزب الله” الى ارجاء المشكلة بإرجاء الجلسة او بإرجاء التعيينات.
ولكن رغم استمرار هذا الكباش، بقيت مصادر بعبدا تؤكد ان الجلسة في موعدها عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، وكذلك السرايا التي تؤكد ايضاً ان التعيينات ستطرح في الجلسة على التصويت وليفز فيها من يحصل على اكثرية الثلثين اَي 14 وزيراً من 20. وفق هذه المصادر ان رئيس الحكومة يريد هذه التعيينات بعيدة عن المحاصصة والمحسوبيات السياسية، وهو لذلك طلب من وزير المال غازي وزني ان يرفع لكل مركز اربعة ترشيحات، من اجل توسيع مروحة الترشيح امام اكبر عدد ممكن من اصحاب الاختصاص والخبرات.
والسير الذاتية للمرشحين وزعت على الوزراء كالاتي:
16 مرشحاً لنواب الحاكم الأربعة.
و17 مرشحاً للجنة الرقابة على المصارف
و7 مرشحين لهيئة الاسواق المالية.
و4 مرشحين لمفوض الحكومة لدى مصرف لبنان.