فككت العقد من امام التكليف دفعة واحدة، وزالت التحفظات، وسقطت الفيتوات، وازيلت المحرمات، وانبرت الكتل النيابية الى تأييد خيار رؤساء الحكومات السابقين الذين قرروا في لحظة معينة تسمية السفير لدى المانيا الدكتور مصطفى اديب، مرشحا شبه وحيد لدخول السرايا. واذا كانت اسماء عدة سربت في اليومين الماضيين، فقد علمت “النهار” ان بعضها كان دعائيا، والبعض الاخر لغايات شخصية، والبعض الثالث كان بالون اختبار قبل ان ترسو بورصة المرشحين على اسماء قليلة معدودة تم تناقلها بوساطة شبه رسمية قبل ظهر السبت بين الاطراف المؤثرة في القرار، من دون الاعلان عنها، او تسريبها، الذي تم امس قبل ساعة من اجتماع رؤساء الحكومات السابقين للاعلان عن الاسم، في اشارة ضمنية الى ان القرار ليس ملكهم وحدهم، وان الاسم بات متفقا عليه، وهو موجود لدى المعنيين. وهذه الاشارة ليست الا وليدة مصادر القرار لدى الثنائي الشيعي الذي يعتبر نفسه الشريك الاساسي في القرار، والذي اراد ان يبعث برسائل ايضا الى حلفائه، بضرورة المضي في هذا الخيار.
ويعتبر اديب مرشحا تسوويا لدى معظم المكونات لانه ليس مستفزا لاحد على الصعيد الشخصي، ولا يملك زعامة مستقلة يمكن ان تشكل خطرا على احد، وليس بيروتيا، وهو يملك شبكة علاقات داخلية وخارجية مقبولة من خبرته في ادارة مكتب رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ، كما من عمله الديبلوماسي.
لكن الواقع ان خيار اديب وقع مفاجئا على معظم القوى السياسيىة، وقال مصدر سياسي موالي لـ”النهار” انه يتجه الى وضع ورقة بيضاء اي تسمية لا احد، لانه لا يرى الى اديب “رجل المرحلة”. ويضيف “اللبنانيون كانوا ينتظرون اسما يوحي بالثقة لانهم دخلوا مرحلة من اللاثقة بالدولة ومؤسساتها، كما يطمحون الى صاحب خبرة وعلاقات دولية يمكن ان يرفع الويلات عن البلد الغارق في ازماته. لكن اسم اديب لا يمكن ان يوفر المطلوب. وان البلاد معه يمكن ان تكرر تجربة حسان دياب”.
واللافت في مسارالعملية حتى مساء امس، كيف توالت اجتماعات الكتل، وسقطت المحرمات، لمجرد انها لمست ارادة خارجية، باخراج فرنسي، لتكليف يتبعه تأليف سريع، ربطا باي مساعدة خارجية، ما يظهر بوضوح ان لبنان في مئويته، لا يزال اسير الارادات الخارجية، وكأنه لم يخرج من زمن الوصايات على انواعها.
ومن المتوقع ان تلي التكليف، حركة استشارات سريعة للتأليف، من ضمن برنامج اصلاحي تعتمده الحكومة، خصوصا بعدما تعثرت مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي، والتي يراد اعادة اطلاقها مع الحكومة الجديدة.
وعشية وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان عصر اليوم للمشاركة في احتفال المئوية الاولى للبنان الكبير الذي ولد باعلان فرنسي من قصر الصنوبر في بيروت، اطل رئيس الجمهورية ميشال عون قائلا ان “اللبنانيين هم مَن سيُحدّدون الصيغة الجديدة ومَن يرفع شعار “كلن يعني كلن” هو جزء من هذا الكل وهناك مَن يمتلك القوّة والصبر وقادر على الخروج من الأزمة.
ودعا عون الى “إعلان لبنان دولة مدنية”، متعهدا “الدعوة الى حوار يضم السلطات الروحية والقيادات السياسية توصلا الى صيغة مقبولة من الجميع تترجم بالتعديلات الدستورية المناسبة”، ومجددا الايمان بأنه “وحدها الدولة المدنية قادرة على حماية التعددية وصونها وجعلها وحدة حقيقية”.
وإذ أشار الى “ان النظام الطائفي القائم على حقوق الطوائف وعلى المحاصصة بينها كان صالحا لزمن مضى”، معتبرا “انه صار اليوم عائقا أمام أي تطور وأي نهوض بالبلد، عائقا أمام أي إصلاح ومكافحة فساد، ومولدا للفتن والتحريض والانقسام لكل من أراد ضرب البلد”، فإنه اكد “ان هناك حاجة لتطوير النظام، لتعديله، لتغييره. سموها ما شئتم، ولكن الأكيد أن لبنان يحتاج الى مفهوم جديد في إدارة شؤونه، يقوم على المواطنة وعلى مدنية الدولة”.