قد يكون القفز من تأجيل الى تأجيل آخر ظواهر محاولات التفلت من مواجهة ساعة الحقيقة النهائية لبت مصير التشكيلة الحكومية الجديدة، ومعها أيضا المبادرة الفرنسية التي تشكل الفرصة الأخيرة للبنان للنفاذ من أسوأ السيناريوات الانهيارية التي تترصده. والحال ان ارجاء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة مصطفى اديب زيارته التي كانت مقررة قبل ظهر امس لقصر بعبدا إفساحاً امام فرصة جديدة قيل انها ستكون النهائية قبل بت تشكيلة اديب سلبا ام إيجابا، مع تنامي اتجاه الرئيس المكلف الى الاعتذار عن مهمته في حال استمرار الاشتراطات المانعة لولادة حكومته، يبدو انه قابل لان يتكرر اليوم أيضا اذا لاحت مؤشرات ولو ضئيلة حيال فتح كوة في جدار الانسداد الحكومي. وعلمت “النهار” في هذا السياق ان موعد اديب في قصر بعبدا كان لا يزال مثبتا في الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم. ولكن المساعي الداخلية كما الجهود الفرنسية “الانقاذية” لفرصة اللحظة الأخيرة بلغت في الساعات الأخيرة ذروة غير مسبوقة لمنع تفاقم الازمة الى حدود اللاعودة من خلال اعلان الرئيس المكلف اعتذاره. ومع صدور مواقف فرنسية عبرت عن بداية خيبة باريس وما يعنيه ذلك من محاذير خطيرة للغاية للطبقة السلطوية كما للقوى السياسية ولا سيما منها تلك التي ستتحمل تبعة الاشتراطات التي ستجهض المبادرة الفرنسية ومعها حكومة اديب بدأت محاولة جديدة متقدمة مع ساعات بعد الظهر ربما يتم معها تجاوز عامل المهلة الجديدة اذا تبين ان ثمة قبسا من نور لحل ما في نفق التعقيدات التي زجت في وجه انجاز التشكيلة الحكومية. ولذلك لن يكون مستبعدا ان يصار الى تأجيل جديد لزيارة أديب اليوم لقصر بعبدا اذا ثبت ان ثمة تجاوبا مع الجهود المبذولة لإنقاذ تشكيلته في الوقت المستقطع الإضافي. حتى ان بعض المصادر تحدث عن امكان ان يحضر فعلا الى بيروت كبير الممسكين بملف المبادرة الفرنسية مدير المخابرات الخارجية الفرنسي برنار ايمييه في حال وجد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ضرورة للدفع بقوة تكرارا لإنقاذ المبادرة كما الحكومة في لحظاتهما الأكثر حرجا. ولعل ابرز ما تكشفت عنه ساعات العد العكسي لاصطدام المساعي السياسية الجارية لحمل الثنائي الشيعي على التعامل المرن والتنازل في موضوع تشبثه بالحصول على حقيبة المال وتسمية الوزراء الشيعة جميعا خلافا لمواقف القوى السياسية الأخرى قاطبة تقريبا ان ثمة من تحدث عن وجود حالة رفض واسعة لـ”اتفاق الدوحة -2 ” الذي حصل خلاله الثنائي الشيعي على الثلث المعطل في الحكومة ولكن هذه المرة من خلال تسليم الجميع بالمداورة في الوزارات حتى رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه الذي يحبذ المداورة كما بات معروفا. ولكن الثنائي الشيعي لم يسلم باي صيغة مرنة ولا يزال يتشبث بحقيبة المال الامر الذي بات يرسم دلالات وأبعاداً تتصل بخلفيات إقليمية وتحديدا إيرانية لهذه العرقلة للمبادرة الفرنسية ربطا بمجريات الصراع الأميركي الإيراني وكجزء أساسي من خطة ايران للرد على محاصرتها بعمليات التطبيع الخليجية مع إسرائيل.
من باريس
واما الموقف الفرنسي من مجريات التعقيدات الأخيرة فتمثل في ما نقله مراسل “النهار” في باريس سمير تويني عن مصادر ديبلوماسية فرنسية بارزة لم تخف اجواء تشاؤمها حيال الازمة ولو ظلت تعول على الأطراف السياسيين لوضع خلافاتهم جانبا وتشكيل الحكومة في اسرع وقت. وقالت هذه المصادر ان باريس أوضحت للجميع انها لا تتدخل في تشكيل الحكومة منذ البداية وهذا امر لبناني صرف وان الرئيس ايمانويل ماكرون كان واضحا منذ البداية عندما طالب بتشكيل “حكومة مهمات” من أشخاص كفوئين ومستقلين ووضع الأمور السياسية جانبا لفترة قصيرة للقيام بالإصلاحات الضرورية ووافق الجميع ممن شاركوا في لقاء قصر الصنوبر على خارطة الطريق الفرنسية. وتبعا لذلك تبدي المصادر الفرنسية البارزة اسف باريس لفشل الزعماء السياسيين اللبنانيين في التزام تعهداتهم التي قطعوها للرئيس ماكرون وفقا للإطار الزمني المحدد ولكنها مع ذلك تعتبر انه لم يفت الأوان بعد للحل وعلى الجميع الاضطلاع بمسؤولياتهم والتصرف في نهاية الامر بما يَصْب في مصلحة لبنان وحده بإتاحة الفرصة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة مصطفى اديب تشكيل الحكومة بما يتلاءم والوضع الخطير الذي يمر به لبنان . وإذ اشارت الى ان باريس لم تطلب المداورة اعتبرت انه يعود للأطراف التوصل الى حل في شأن مطالبة الثنائي الشيعي بالحفاظ على توزير شيعي في حقيبة المال . وبموازاة هذا الموقف تبين ان السفير الفرنسي برنار فوشيه التقى مسؤول العلاقات الخارجية في “حزب الله ” عمار الموسوي بعد ظهر امس وبحث معه في الملف الحكومي.
وفي غضون ذلك تصاعدت المواقف المناهضة ضمنا لموقف الثنائي الشيعي وكان ابرزها للرئيس سعد الحريري الذي الذي اعتبر ان “وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لاي طائفة ورفض المداورة احباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين “. كما ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط انتقد “البعض الذي لم يفهم او لا يريد ان يفهم ان المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله كما قال وزير خارجيتها بكل وضوح”. وبدوره انتقد رئيس حزب “القوات اللبنانية “سمير جعجع “المهزلة الحقيقية في موضوع تشكيل الحكومة “. واعتبر ان المبادرة الفرنسية هي محاولة كبيرة وجدية لإنقاذ لبنان وإحباطها ومحاولة إنهائها بهذا الشكل هي جريمة “.
استنفار سياسي
اما في المعطيات السياسية فالى حين انتهاء اجتماع رؤساء الحكومة السابقين البعيد عن الاعلام في “بيت الوسط”، لم يكن هناك اي بوادر حلحلة وابقوا اتصالاتهم مفتوحة افساحاً في المجال امام المزيد من مشاورات اللحظات الاخيرة قبل اقدام الرئيس المكلّف على الاعتذار بعدما اقفلت كل ابواب الحل.
وعلم انه تم تداول اكثر من مشروع حل ومنها اسناد وزارة المال لمسيحي يتفق عليه بين كل الاطراف من رئيس الجمهورية الى الرئيس المكلّف الى الثنائي الشيعي. الا ان الثنائي الشيعي بقي متمسكاً بحقيبة المال وبتسمية وزرائه فسقط الطرح.
وعلم من مصادر مطلعة ان الرئيس المكلّف وبالتشاور مع رؤساء الحكومة الاربعة السابقين بقي يدرس اي خيار من اثنين سيقدم في بعبدا: الاعتذار فقط ام الاعتذار مرفقاً بتشكيلته الحكومية المؤلفة من 14 وزيراً من اختصاصيين مستقلين تماماً مع تطبيق المداورة الشاملة بدءاً من المال. وبما انها مرفوضة من فريق اساسي فيقول “هذه التشكيلة التي كنت ارى انها القادرة على تنفيذ برنامج الاصلاحات المتفق عليها، لكنها لم تعد كذلك ولذلك أنا اعتذر”.
ونقل عن رئيس الجمهورية انه مع المداورة الشاملة شرط موافقة كل الاطراف، وتردد ان الرئيس المكلّف زاره ثلاث مرات ولم يقدم اسماء او صيغة حكومية والاتصالات التي اجراها عون كانت للمساعدة على حل العقد المتعلقة بالتمثيل الشيعي وبتوزيع الحقائب وبالصيغة الحكومية. لذلك، سيعمل على ايجاد حل توافقي لا يضيع فرصة المبادرة الفرنسية.
ووفق المعلومات فانه في حال لم تطرأ حلحلة بنتيجة الاتصالات التي اجريت على اعلى المستويات بين باريس وبيروت، فالاكيد ان اديب سيعتذر بعدما اقفلت كل ابواب التوافق امام تشكيلته الحكومية.
وعلم ان الثنائي الشيعي رفض كل العروض التي تم تداولها بشأن المداورة وقالت مصادره ان لا شيء جديدا ، وان الثنائي مصر على انجاح المبادرة الفرنسية بكل تفاصيلها “ولكن هناك مسلمات وطنية فإما نكون كلنا شركاء في البلد واما يكون هناك اولاد ست واولاد جارية. وموضوع المداورة في الحقائب لم يذكر ولا مرة والا لكان التكليف اتخذ مساراً مختلفاً”.