بالمحصلة الرئىس الفرنسي ايمانويل ماكرون اصاب الجميع في لبنان بكلامه في المؤتمر الصحافي الذي عقده في القصر الرئاسي في الاليزيه في باريس. وقال ان الرئيس سعد الحريري اخطأ عندما قام بوضع معيار طائفي في كيفية تأليف الحكومة، ووجّه ماكرون اتهاماً الى حركة امل وحزب الله ووضعهما امام خيارين اما الديموقراطية واما سيناريو الاسوأ بعدما رأى انهما لا يريدان التسوية في لبنان. وحدّد ماكرون مهلة 4 الى 6 أسابيع اي بعد موعد الانتخابات الاميركية وظهور النتائج، وبالتالي، معرفة اذا كان الحزب الجمهوري اي الرئىس الاميركي دونالد ترامب سيبقى في السلطة ام سيأتي المرشح الديموقراطي جون بايدن الى البيت الابيض، وهذا يعني الكثير، لان سياسة ترامب والعقوبات التي فرضها على ايران وعلى مسؤولين لبنانيين قد لا تستمرّ اذا جاء المرشح الديموقراطي جو بايدن الى البيت الابيض، وهذا يعني أيضاً، ان لا حكومة قبل 3 تشرين الثاني.
والأهم في ما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون العبارة التالية : «اني اخجل مما يقوم به القادة اللبنانيون»، لكن البارز في كلامه هو ان المبادرة الفرنسية مستمرة، وانه امهل الاطراف اللبنانية 4 الى 6 أسابيع ورفض القول بأنه فشل عبر تعثر مبادرته، وأصرّ على التزام لبنان بالمبادرة الفرنسية، شارحاً انه ليس هو الرئىس اللبناني، وليس طرفاً على الساحة اللبنانية، بل يعمل لأنه يحب لبنان ويرغب بانقاذه وانقاذ شعبه، وقد وضع رصيده لانجاح المبادرة، لكن بعد 6 اسابيع سيكون الامر مختلفاً، دون ان يشرح تفاصيل، لكنه سمّى ذلك المسار الاسوأ.
وعندما طرحت احدى الصحافيات عليه عما اذا كانت فرنسا ستفرض عقوبات على الساحة اللبنانية بالاتفاق مع حلفائها، اجاب : كلا لن نفرض عقوبات على الساحة اللبنانية، ولن نسعى لذلك، لكنه ألمح الى نقطة خطيرة عندما تحدث عن مسؤولية المجتمع الدولي في احدى الردود على الاسئلة، مما اعتبره المراقبون انه اذا سار لبنان نحو المسار الاسوأ فقد يصبح تحت وصاية دولية من خلال البند السابع.
لكن مصادر العاصمة الفرنسية استبعدت بأي شكل هذا الاتجاه، لأن الرئيس ماكرون تحدث عن انه سيجمع اموال ويدعو الى مؤتمر لدعم لبنان بمجرد ان يتم اجراء الاصلاحات، وانه بعد تأليف الحكومة خلال شهر واحد، يُمكن ان تقرّ الحكومة الجديدة الاصلاحات كلها التي هي معروفة. وقد حصلت محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفي مؤتمر سيدر1، واكد ان ما من دولة في العالم ستضع اموال في لبنان قبل اجراء اصلاحات وتأليف الحكومة الجديدة.
واللافت، ما نقلته قناة «روسيا اليوم» عن مصادر مطلعة ان الرئىس الفرنسي مانويل ماكرون اتصل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واتفقا على ايجاد الحل السياسي في لبنان وتأليف حكومة جديدة، وان الرأي استقر بينهما على ترشيح الرئىس الاسبق سعد الحريري لتأليف الحكومة الجديدة في ظل توافق سعودي – فرنسي، قد يعمل الطرف الفرنسي والطرف السعودي على ايجاد المظلة الاميركية بالاتفاق على الحريري مرشحاً وتكليفه لتأليف الحكومة، بعدما ذكرت قناة «روسيا اليوم» ان التوافق السعودي -الفرنسي قد حصل بالفعل بشأن نقطة الاتفاق وهو الرئىس سعد الحريري.
هذا وقالت مصادر قريبة من قصر بعبدا انه بعد تجربة الرئيس مصطفى أديب، لا بدّ من التوافق على التأليف قبل حصول التكليف، لأن رئيس الجمهورية أمضى 20 يوماً دون أن تصل إليه أي لائحة بأسماء الوزراء أو لائحة بالحقائب، وبالتالي، سيجري رئيس الجمهورية مشاورات كافية للتأكيد من أن التأليف قد تمّ التوافق عليه بين الكتل النيابية، وعندها سيدعو رئيس الجمهورية الى الاستشارات الملزمة لتسمية الرئيس المكلف ويتم تكليفه رسمياً، بعد ان يكون التأليف قد أصبح ناضجاً وضمن السياسة الرشيدة.
تفاصيل المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي ماكرون :
وقال ماكرون : «أردت أن أتحدث اليوم بعد القرار الرسمي للرئيس المكلف مصطفى أديب بالاعتذار عن تشكيل حكومة، فعليا في الرابع من آب وضع الانفجار لبنان في مأزق لم يشهده منذ انتهاء الحرب الأهلية، وأود أن اقول ان قوة الشعب اللبناني العظيمة سمحت لهذا البلد المرهق والغاضب، من المحافظة على ما هو عليه الآن، وفرنسا كانت منذ الساعات الأولى الى جانب لبنان بأخوة وقلب كبير وستبقى كذلك.هذه القوة وهذه الصداقة الكبيرة بين الشعبين اتخذت ايضا رهينة الموت، لعبة الفساد والرعب، والمسؤوليات واضحة وموضوعة ومحددة ويجب ان تتم تسويتها ويجب ان نستخلص كل النتائج».
أضاف : «في الأول من أيلول في قصر الصنوبر، جميع القوى السياسية اللبنانية تعهدت بتشكيل حكومة مهمة خلال خمسة عشر يوما، وتستطيع ان تطبق خارطة طريق من الاصلاحات التي تم التوافق عليها مع المجتمع الدولي، وتبقى أيضا صالحة مع جدول أعمال يتراوح بين شهر وثلاثة اشهر، ماحصل في الايام الأخيرة ان القوى السياسية اللبنانية وقادتها، وقادة المؤسسات اللبنانية لم ترغب، وأقولها بكل وضوح، إحترام التعهد الذي اتخذته هذه القوى أمام فرنسا والمجتمع الدولي، واليوم قررت مرغما أن أضع هذا أمامكم، بعد شهر قررت هذه القوى ان تخون هذا التعهد والالتزام به، وألاحظ ان السلطات والقوى السياسية اللبنانية رأت تفضيل مصالحها الفردية على مصلحة البلد بشكل عام، وبذلك اختارت ترك لبنان بين لعبة القوى الخارجية، ومنعه من الاستفادة من المساعدات الدولية التي يحتاجها الشعب اللبناني، لقد خسرنا شهرا من الوقت، شهرا لاطلاق الاصلاحات الضرورية للبنان، شهرا لم نتمكن من إيصال المساعدات الدولية، وبذلك خطر زعزعة الاستقرار الاقليمي، واختفاء هذا الكنز الذي يمثله لبنان للمنطقة والعالم، وفي هذا الاطار، أود أن أحيي حس المصلحة الوطنية للجيش اللبناني، الذي استمر بالسهر على استقرار لبنان».
المسؤولون حالوا دون تشكيل الحكومة
وتابع : «كما قلت، لقد تم تكليف رئيس للحكومة محترم وصريح، حاول ان يفعل ما يستطيع في هذه الظروف الصعبة، لكن المسؤولين السياسيين في لبنان حالوا دون تشكيل الحكومة لتحقيق هذه الاصلاحات، والبعض فضل وعزز مصلحة فريقه على مصلحة الشعب من خلال التفاوض فيما بينهم، لإيقاع الآخرين أيضا في المأزق وعدم الاتفاق على اختيار الوزراء، كما لو كانت الكفاءة مرتبطة بالطائفة، أما الاخرون فاعتقدوا انه باستطاعتهم فرض اختيار حزب الله وحزبهم في تشكيل حكومة تتعارض تماما مع الالتزامات التي اتخذت أمامي في الاول من أيلول، ورفضوا اي تسوية».
وقال : «إن حزب الله ليس باستطاعته أن يكون في الوقت نفسه، جيشا يحارب «إسرائيل» وميليشيا الى جانب سوريا، وحزب محترم في لبنان، لا يستطيع ان يعتقد أنه أقوى مما هو عليه، ويجب ان يظهر ويبرهن أنه يحترم لبنان بمجمله، لكنه أظهر العكس بوضوح في الايام الاخيرة، وانا آسف تماما أن السلطات العليا في لبنان لا تستطيع ان تتوقف فقط عن ملاحظة هذا الفشل، دون تحمل المسؤوليات، بشكل عام لم يكن أحد على مستوى التعهدات التي أخذها في الاول من ايلول، وكلهم راهنوا على الاسوأ بهدف واحد وهو انقاذ انفسهم وانقاذ مصالح عائلاتهم وفريقهم، لكن لم يتمكنوا من القيام بذلك، ولكل هؤلاء أقول اليوم: أن لا أحد منهم يستطيع ان ينتصر على الآخرين، ورفض المسؤولين اللبنانيين الالتزام بحسن نية على العقد الذي طرحته عليهم فرنسا في الاول من ايلول، يحملهم المسؤولية الكاملة وستكون ثقيلة، وعليهم أن يجيبوا الشعب اللبناني على ذلك».
فرنسا لن تترك لبنان
واستطرد : «لهذا الشعب الصديق والأخ، أكرر اليوم أن فرنسا لن تترككم..
– اولا : لأن خارطة الطريق التي وضعناها في الاول من ايلول مستمرة، وهي الخيار والمبادرة الوحيدة المأخوذة على المستويين الاقليمي والدولي، وهي مستمرة ولم يتم نزعها، ويجب تشكيل وزارة خدمة في أسرع وقت ممكن، ويعود الى المسؤولين اللبنانيين تحمل هذه المسؤولية، ولكن ضمن هذه الخارطة، الاصلاحات والافعال ضرورية للشعب اللبناني وهي الشرط هنا كي يتمكن لبنان من الاستفادة من المساعدات الدولية التي يحتاج اليها،لمستقبله وإعادة البناء.
– ثانيا : كما التزمت في الاول من ايلول، من اليوم وحتى نهاية شهر تشرين الاول، سننظم مع الامم المتحدة ومجمل الشركاء الدوليين، مؤتمرا جديدا لمتابعة المؤتمر الذي كان عقد للاستفادة من المساعدات الدولية للشعب اللبناني، وسنستجيب لاحتياجات الصحة التعليم والغذاء والمأوى، أيضا عبر المنظمات الموجودة على الارض والامم المتحدة وهذا الالتزام ندين به للشعب اللبناني وهو غير مشروط، والتزمت به أمام الامم المتحدة وكل المنظمات غير الحكومية التي كانت موجودة في الاول من ايلول، في ما يسمى ايضا المرحلة الاولى لاعادة الاعمار، ومجددا نشدد على الشفافية ومتابعة المساعدة المتوفرة كما نستمر بالقيام بذلك مع الامم المتحدة خلال المرحلة الاولى.
– ثالثا : سأجمع خلال عشرين يوما أعضاء مجموعة الدعم للبنان، لتجنيد وتعزيز وحدة المساعدة الدولية في المراحل المقبلة الاولى، والاصرار على ان يتم الاعلان عن نتائج التحقيقات لهذا الانفجار وتحديد المسؤولين، وسيتم استحداث خارطة الطريق ونتائجها وإعادة تأكيد التزامنا ايضا وعملنا المشترك لمساعدة لبنان».
وقال «نحن ندخل الان في مرحلة جديدة حيث المخاطر اكثر بالنسبة للبنان والمنطقة، وعلى السلطات اللبنانية ان تقرر وتعطي جوابها، جميعنا لدينا المصلحة للقيام بذلك و لا يمكن للمؤسسات ان تبقى الشاهد غير الفعال على ما يحصل، أما نحن فسنستخلص كل النتائج بالنسبة لكل مرحلة في الوقت المناسب ، وستبقى فرنسا ملتزمة الى جانب اصدقائها في لبنان، والى جانب الشعب اللبناني، واليوم اتوجه بدعمي الكامل وصداقتي العميقة لكل اللبنانيين واللبنانيات، نحن نفكر بكم دون توقف، ونحن الى جانبكم ولن نترككم ابدا».