كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع ان “العراب” اللبناني للاتفاق الإطار لانطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل رئيس مجلس النواب نبيه بري كان أماط اللثام عن انجاز التوصل الى هذا الاتفاق عبر “النهار” وتحديدا غداة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، فان ذلك لم يقلل الوقع الكبير للحدث لدى اعلان بري عصر امس رسميا التوصل الى الاتفاق العملي وكشف نصه الحرفي. هذا التطور الذي سارع بحفاوة لافتة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى وصفه بـ”التاريخي” خصوصا ان بلاده تلعب دور الوسيط في المفاوضات التي ستجرى برعاية الأمم المتحدة وتحت علمها بدا فعلا حدثا تاريخيا ولو ان أحدا ليس موهوما بان انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل تحت مظلة الرعاية والوساطة الأممية والأميركية سيكون محفوفا بإمكان استهلاك اشهر وربما سنوات قبل التوصل الى اتفاق نهائي على الترسيم المزدوج والمتزامن والمتلازم للحدود اللبنانية الإسرائيلية برا وبحرا. فسواء من الزاوية اللبنانية الصرفة حيث يعاني لبنان من ظروف تاريخية في انهياراتها وأزماتها، او من الزاوية الإقليمية والعربية والدولية، جاء هذا التطور ليطلق زخات كثيفة من التساؤلات المشروعة والبديهية حيال توقيت هذا الاختراق الحقيقي لمجمل الأوضاع التي يجتازها لبنان او تلك التي تحيط به الامر الذي يسبغ فعلا على الحدث طابعا تاريخيا. فالرئيس بري بدأ رحلة التفاوض مع المبعوثين الاميركيين المتعاقبين على هذا الملف منذ عشر سنوات تماما أي من المبعوث الأول فريدريك هوف وصولا الى مساعد وزير الخارجية الأميركي الحالي ديفيد شينكر، وتوج مساره كمفاوض امس بإعلان الاتفاق الإطار الذي سرعان ما كرت سبحة تبنيه رسميا من إسرائيل وواشنطن والأمم المتحدة واليونيفيل. كما توج الامر داخليا بانتقال إدارة ملف التفاوض الى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي بادر الى الترحيب بالوساطة الأميركية.
واذا كانت ملابسات الازمة الحكومية وما حصل من مجريات سلبية تسبب بها الثنائي الشيعي لجهة اطاحة المبادرة الفرنسية، جعل اوساطا محلية تركز الأنظار على الحساسيات الطائفية المتصلة بملف التفاوض السابق واللاحق، فان ذلك بدا هامشيا تماما امام الإطار الأكبر الذي يفرضه هذا التطور والمتصل بالسؤال “اين تضع عملية مفاوضات الترسيم لبنان في هذه اللحظة الإقليمية وقبل شهر واحد من الانتخابات الرئاسية الاميركية؟”. طبعا لا يمكن تصور لبنان ذاهبا حاليا الى مفاوضات سلام او تطبيع مع إسرائيل اسوة بعمليات التطبيع التي حصلت أخيرا وستتواصل لاحقا. ولكن يصعب تصور انطلاق المفاوضات أيضا على خلفية احتمال نشوب حرب جديدة بين إسرائيل و”حزب الله ” فيما الحزب يوقع بالاسم الكامل وليس بالأحرف الأولى على موافقته على المفاوضات، والا لما كان حليفه التوأم المفاوض، اعلن بنفسه الاتفاق الإطاري للمفاوضات. ويجري كل هذا في زمن الانهيارات اللبنانية والعجز السياسي الداخلي المطلق عن اجتراح حلول لابسط الأمور كما لاشدها تعقيدا. اذن لا ينفصل هذا التطور عما لمح اليه الاميركيون انفسهم أي ترسيخ الاستقرار المتبادل وتاليا السعي الى توظيف الثروات الغازية والنفطية بما يعزز الستاتيكو السلمي ويبعد شبح الحرب. وهذا يعني ان ثمة تقاطع مصالح أميركية وإسرائيلية ولبنانية على توقيت انطلاق المفاوضات كل من زاويته.
الاتفاق الإطار
الرئيس بري وفي تمهيد لتسليم مهماته الى الدولة عبر رئيس الجمهورية اعلن الاتفاق الإطار للمفاوضات على الترسيم البري والبحري في مؤتمر صحافي عقده في عين التينة متضمنا النص الرسمي الحرفي لاتفاق الإطار العملي الذي ستنطلق على أساسه المفاوضات استنادا الى تفاهم نيسان 1996 والقرار الدولي 1701 وعلى أساس تلازم المسارين برا وبحرا. وأشار الاتفاق الى انه “طلب من الولايات المتحدة ان تعمل كوسيط لترسيم الحدود البحرية وهي جاهزة لذلك وحين يتم التوافق على الترسيم في نهاية المطاف سيتم إيداع اتفاق ترسيم الحدود لدى الأمم المتحدة”.
وعلى اثر المؤتمر الصحافي الذي عقده بري أعلنت إسرائيل بدورها على لسان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز ان إسرائيل ولبنان سيجريان محادثات بوساطة أميركية حول الحدود البحرية بين البلدين. وقال الوزير الإسرائيلي في بيان انه من المتوقع انطلاق اجراء المفاوضات بعد عطلة عيد العرش اليهودي التي تنتهي في التاسع من شهر تشرين الأول الحالي.
كذلك سارع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى اصدار بيان رحب فيه بقرار بدء محادثات لبنانية إسرائيلية حول الحدود وقال ان الاتفاق التاريخي بين إسرائيل ولبنان توسطت فيه الولايات المتحدة وهو نتيجة ثلاث سنوات من المساعي وأضاف ان المحادثات بين إسرائيل ولبنان تمهد للاستقرار والأمن والازدهار معتبرا ان هذه الخطوة تخدم مصالح لبنان وإسرائيل والمنطقة. كما اكد بومبيو ان واشنطن تتطلع الى انطلاق قريب لمحادثات الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
وفيما أعلنت الأمم المتحدة انها تدعم أي اتفاق بين لبنان وإسرائيل لتعزيز الثقة أعلمت القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان اليونيفيل ترحيبها باتفاق الإطار لاطلاق مفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وأكدت اليونيفيل انها على استعداد لتقديم كل الدعم الممكن للأطراف وتسهيل الجهود لحل هذه المسألة. وأشارت الى انها في اطار قرار مجلس الامن الدولي 1701 تدعم أي اتفاق بين البلدين بما يعزز الثقة ويحفز الأطراف على الالتزام مجددا باحترام الخط الأزرق وعملية ترسيم الحدود الاوسع.
عون
وفي وقت لاحق اصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيانا اعلن فيه ترحيب الرئيس عون بالإعلان الذي صدر عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن التوصل الى اتفاق اطار للتفاوض على ترسيم الحدود برعاية الأمم المتحدة وتحت رايتها وبوساطة مسهلة من الولايات المتحدة. ولفت البيان الى ان الرئيس عون “سوف يتولى المفاوضة وفقا لأحكام المادة 52 من الدستور بدءا من تأليف الوفد اللبناني المفاوض آملا من الطرف الأميركي ان يستمر في وساطته النزيهة”.
وأفادت مصادر رسمية ان اتصالا جرى بين الرئيسين عون وبري سبق اعلان الموقف في شأن الاتفاق الإطار حول ترسيم الحدود. وأضافت هذه المصادر ان الموقف جاء منسقا وحصل تفاهم حول كل النقاط التي طرحت وان رئيس الجمهورية بادر على الفور الى الترحيب بالوساطة الأميركية. وأفادت المصادر ان الوفد اللبناني المفاوض سيكون عسكريا ويضم خبراء في القانون والمياه والهندسة، وسيتولى الجيش التفاوض كما يجري الامر في اللجنة الثلاثية اللبنانية الإسرائيلية الدولية التي تجتمع في الناقورة. وستعقد الجولة الأولى من المفاوضات في 14 تشرين الأول الحالي في حضور مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر. وفي اول تعليق له على الاتفاق الإطار قال شينكر انه لن يتم التفاوض مع “حزب الله ” نهائيا في ما يخص ترسيم الحدود واكد ان الاتفاق التاريخي سيساعد في حل المشكلة نهائيا. ولفت الى ان اتفاق ترسيم الحدود لا يعني اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل لكنه يعني تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في المنطقة وسيساعد لبنان على الخروج من ازمته الاقتصادية.
يشار أخيرا الى ان الرئيسين عون وبري ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب سيتوجهون الاثنين المقبل في طائرة واحدة الى الكويت لتقديم التعازي الى امير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الصباح بسلفه الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.