تعهَّد الرئيس اللبناني ميشال عون بأنه سيبقى يتحمل مسؤولياته “في التكليف والتأليف، وفي كل موقف وموقع دستوري، وبوجه كل من يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة”، مشدداً على “أنني قلتُ كلمتي ولن أمشي، بل سأظل على العهد والوعد”، آملاً “أن تفكروا جيداً بآثار التكليف على التأليف وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدولية، ذلك لأن الوضع المتردي الحالي لا يمكن أن يستمرّ بعد اليوم؛ أعباء متراكمة ومتصاعدة على كاهل المواطنين”.
ووجه عون كلمة إلى اللبنانيين، قال فيها إن المصارحة “تدعوني لأن أقول لكم إنني أعيش وجع الناس، وأتفهّم نقمتهم لكن الحقيقة توجب علي أن أذكر بأن بعضاً ممن حكم لبنان منذ عقود، ولم يزل بشخصه أو نهجه، قد رفع شعارات رنانة بقيت من دون أي مضمون، وكانت بمثابة وعود تخديرية لم ير الشعب اللبناني منها أي إنجاز نوعي يضفي على حاضره ومستقبله اطمئناناً”، معتبراً أن الإصلاح “بقي مجرد شعار يكرره المسؤولون والسياسيون وهم يضمرون عكسه تماماً، ينادون به ولا يأتون عملاً إصلاحيّاً مجدياً، بل يؤمّنون مصالحهم السلطوية والشخصية بإتقان وتفان، حتى وصل بنا الأمر إلى أن أصبح الفساد في لبنان فساداً مؤسساتياً منظَّماً بامتياز”.
ومع انطلاق الاستشارات النيابية اليوم لتكليف رئيس حكومة جديد (يُتوقع أن يكون الرئيس سعد الحريري)، بدا كأنه يحاول تحميل الحريري المسؤولية عن مكافحة الفساد وإطلاق عملية الإصلاح، من خلال السؤال الذي وجَّهه في كلمته: “هل سيلتزم مَن يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح؟”.
وتوجّه عون إلى النواب عشية الاستشارات قائلاً: “أملي أن تفكروا جيداً بآثار التكليف على التأليف، وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة، لأنّ الوضع المتردّي الحالي لا يمكن أن يستمرّ بعد اليوم؛ أعباء متراكمة ومتصاعدة على كاهل المواطنين”. وأضاف: “اليوم مطلوب مني أن أكلّف ثم أشارك في التأليف، عملاً بأحكام الدستور”.
وسأل عون عن غياب منظومة الحماية الاجتماعية الشاملة، والتقديمات الطبية والعلاجية والاستشفائية الشاملة، ومن “رفع الدعم على موادنا الحيوية التي نستورد معظمها ولا نضبط استفادة شعبنا من دون سواه منها؟”، كما سأل عن الاقتصاد بعد أن أكل ريعه مدخرات اللبنانيين وجنى عمرهم، والخطة الاقتصادية ومن أفشل تطبيقها؟ وخطط الكهرباء والسدود؟
وقال: “في بدايات عهدي، أيقظتُ مراسيم الاستكشاف والتنقيب عن الغاز في بحرنا بعد سبات عميق، والغاز ثروة طبيعية لها حجمها وآثارها الإنقاذية لأوضاعنا الاقتصادية المتردية، في حين أن التشكيك لا يزال سائداً لدى مروّجي التشاؤم من بعض من يتولى الشأن العام”.
وسأل: “أين سائر مشاريع الإصلاح؟ أين الـ47 بنداً التي عُرِضت على رؤساء الكتل والأحزاب جميعاً في لقاء جامع في قصر بعبدا، فاعتُمد جزء كبير منها ولكن لم يُنفَّذ شيء؟ لماذا تم الهروب من تحمل المسؤولية وإقرار مشاريع الإصلاح؟ ولمصلحة مَن هذا التقاعس؟ وهل يمكن إصلاح ما تم إفساده باعتماد السياسات ذاتها؟”. كما سأل: “أين اقتراحات قوانين الإصلاح من استعادة الأموال المنهوبة والتحقيق التلقائي في الذمة المالية للقائمين بخدمة عامة والمحكمة الخاصة بالجرائم المالية؟ أين نحن من هدر المال العام ومن هيئة الإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين وصندوق مجلس الجنوب والمؤسسات العامة غير المنتجة، التي توافقنا على إلغائها لوضع حد للنزف المالي الحاد”.
وأضاف: “أين نحن من برامج المساعدة ومن المبادرة الفرنسية الاقتصادية الإنقاذية والمباحثات مع صندوق النقد الدولي ومساهمات مجموعة الدعم الدولية في عملية الإنقاذ؟ أين القضاء من سطوة النافذين؟ أخيراً وليس آخراً؛ أين نحن من التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، وهو قرار حكومي يهدف إلى معرفة أسباب الانهيار الحالي، وتحديد المسؤولين عنه من فاعلين ومتدخلين ومشاركين؟ هذه التجربة الرائدة أتى مَن يعترض عليها ويعرقلها ويناور لإفشالها”.
ورأى عون أن صمت أي مسؤول، وعدم تعاونه بمعرض التدقيق الجنائي “إنما يدلان على أنه شريك في الهدر والفساد”، لافتاً إلى أن هذه التجربة إذا قُدّر لها النجاح “فستنسحب على الوزارات والمجالس والصناديق والهيئات واللجان والشركات المختلطة كافة من دون استثناء، وسوف تسمح بتحديد المسؤوليات وانطلاقة الإصلاحات اللازمة وصولاً إلى إزاحة الفاسدين”.