مع ان توقيت قرار فرض العقوبات الأميركية على رئيس ” التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اثار عاصفة اجتهادات وتفسيرات داخلية شديدة التناقض، فان أصداء القرار لدى معظم الأوساط المحلية والديبلوماسية لم تختلف لجهة اعتبار تصنيف الخزانة الأميركية باسيل في لائحة العقوبات الضربة الأقوى لأكثر رجال العهد العوني تأثيرا ونفوذا ولاحد اقوى الحلفاء السياسيين المسيحيين لـ”حزب الله”. تبعا لذلك لا يمكن ربط القرار واقعيا بمجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية باعتبار ان قرارا كهذا ليس ابن ساعته، كما ان الإدارة الأميركية الحالية باقية حتى 20 كانون الثاني المقبل أيا تكن نتائج الانتخابات فيما كل إدارة ملزمة تنفيذ العقوبات التي ينص عليها قانون ماغنيتسكي. وبذلك يكون القرار المتخذ “عن سابق تصور وتصميم” ضمن النمط التصاعدي الذي اتبعته أخيرا إدارة دونالد ترامب في فرض العقوبات على “حزب الله” وحلفائه خصوصا في مجالات الفساد الذي يستند الى قانون ماغنيتسكي. ولكن فرض العقوبات على باسيل اكتسب دلالات استثنائية اذ يمكن اعتباره ضربة ثلاثية طاولت ثلاثة أطراف دفعة واحدة. أولهم باسيل الذي وجهت اليه الإدارة الأميركية تهمة “الفساد وشراء النفوذ ” أساسا حصريا للعقوبات اكثر حتى من البعد السياسي المتصل بكونه حليفا لـ”حزب الله”. ثانيهم العهد العوني الذي تلقى ضربة مؤلمة للغاية لكونها طاولت الرجل الثاني المرتبط برئيس الجمهورية ميشال عون رباطا عائليا وسياسيا استثنائيا بما يصعب معه عزل اثار العقوبات عنه. وثالثهم “حزب الله” الذي وان كانت ردود فعله التقليدية الاستهانة بالعقوبات عليه او على حلفائه، فان استهداف باسيل تحديدا لا يمكن الحزب ان يمر به عبورا او بخفة.
وفي ظل مجمل هذه الاعتبارات لم يكن غريبا ان يترك قرار فرض العقوبات أصداء واسعة وتساؤلات لجهة تأثيره على مصير تأليف الحكومة الجديدة وسط مخاوف من ان يثير ردود فعل حادة من الافرقاء الثلاثة المذكورين ربما ترتد على المسار المتعثر والمربك أساسا لتأليف الحكومة. ومع ان انطباعات إيجابية ترددت عقب الإعلان عن اجتماع جديد بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد ظهر امس الا ان ذلك لم يشكل عامل طمأنة كافيا لاستبعاد التأثيرات المحتملة للعقوبات على مسار تأليف الحكومة وهو اختبار جديد يحتاج الى انتظار الساعات والأيام القليلة المقبلة لبلورته. ولعله تنبغي الإشارة هنا الى الخطوة اللافتة التي قام بها حزب “القوات اللبنانية ” اذ عمم على محازبيه عدم التهليل للعقوبات على باسيل بما اكتسب دلالات حول الاثار التي يمكن ان يتركها هذا التطور.
اما قرار فرض العقوبات فبررته وزارة الخزانة الأميركية بـ “دور باسيل في الفساد في لبنان وشراء النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية “. وطلبت من المصارف اللبنانية التي تجري معاملات بالدولار الأميركي تجميد كل اصوله في لبنان. واعتبرت ان “الفساد الممنهج في النظام السياسي اللبناني الممثل في باسيل ساعد في تقويض أساس وجود حكومة فعالة “. وفيما نفى مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية أي ارتباط لقرار العقوبات على باسيل بالانتخابات الأميركية، علق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على القرار بقوله “على القادة اللبنانيين ان يصغوا الى شعبهم وان يطبقوا الإصلاحات وان يضعوا حدا للفساد. اليوم تصنف الولايات المتحدة جبران باسيل وزيرا سابقا فاسدا اساء استعمال مناصبه الحكومية. شعب لبنان يستحق افضل من ذلك”.
وفي رد مقتضب على القرار الأميركي غرد باسيل قائلا “لا العقوبات أخافتني ولا الوعود اغرتني. لا أنقلب على أي لبناني ولا أنقذ نفسي ليهلك لبنان. اعتدت الظلم وتعلمت من تاريخنا. كتب علينا في هذا الشرق ان نحمل صليبنا كل يوم لنبقى”.
وأصدر “حزب الله” ليلا بيانا دان فيه القرار الأميركي بحق باسيل واعتبره “قرارا سياسيا صرفا وتدخلا سافرا وفظا في الشؤون الداخلية للبنان”. واتهم اميركا “باستخدام قوانينها المحلية لبسط هيمنتها ونفوذها على العالم ضد كل دولة او حزب او شخص شريف لا يخضع لسياساتها ولا ينفذ تعليماتها وان هذا القرار بالتحديد يهدف الى اخضاع فريق سياسي كبير للشروط والإملاءات الأميركية على لبنان”. واكد وقوفه الى جانب التيار الوطني الحر ورئيسه وتضامنه الأخلاقي والإنساني معه.
الحكومة ؟
في أي حال ومع ان ثمة من يقول ان الرئيس عون والنائب باسيل كانا يملكان المعلومات المسبقة عن قرار العقوبات، فان ذلك لم يحجب الاجراء الملبدة الإضافية التي اكتنفت مسار تأليف الحكومة علما ان مطلعين يقولون ان العقوبات يمكن ان تزيد تعقيدات التاليف والتصلب في الشروط والمطالب. والواقع ان المعطيات التي أعقبت اللقاء الجديد بين الرئيسين عون والحريري بعد ظهر امس في قصر بعبدا لا تشجع على توقع حلحلة في التعقيدات بل تحدثت عن لقاء لم يدم اكثر من أربعين دقيقة وان الأمور لا تزال تتسم بالجمود. ومع ذلك افاد البيان الرسمي عن اللقاء ان عون بحث مع الحريري في مختلف النقاط المتعلقة بالتشكيلة الحكومية “في أجواء إيجابية وذلك استكمالا للقاءات السابقة وسيتواصل البحث في الأيام المقبلة “.
عون وماكرون
واعلن عن اتصال هاتفي بين عون والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء شدد خلاله ماكرون على الحاجة الملحة لوضع لبنان في مسار الإصلاحات وتشكيل الحكومة وفق ما أفادت الرئاسة الفرنسية. وأوضحت الرئاسة الفرنسية ان ماكرون شدد على انخراط الجميع في مسار الإصلاحات وشجع على التشكيل السريع لحكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والاستجابة للازمات التي تعرفها البلاد.
“لا بد منه”
في هذا المناخ الحار سياسيا تصاعدت التحذيرات من كارثة الانتشار الوبائي لكورونا ووصلت الى قصر بعبدا مع مطالبة وزير الصحة حسن حمد بقرار لا بد منه بالإقفال الشامل لأسبوعين. وإذ قفز عداد وزارة الصحة امس الى2142 إصابة و17حالة وفاة اعلن وزير الصحة بعد لقائه رئيس الجمهورية ان الاقفال العام هو مطلب لجنة كورونا ويحتاج الى التعاطي الجدي والتمهيد لنجاحه قبل الذهاب الى الاقفال العام واصفا ذلك بانه “شر لا بد منه”. وأفادت معلومات ان تحضيرات جدية اطلقت بين مختلف الوزارات والإدارات والأجهزة الأمنية استعدادا لاعلان الحكومة قريبا جدا الاقفال العام لمدة أسبوعين على الأقل .