هل باتت الحكومة بمتناول اليد ام ان لقاء قصر بعبدا امس لم يحسم باقي النقاط الخلافية التي علقت للقاء آخر معقود عليه ان تكتمل فصول التأليف وتخرج الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة؟ المؤكد وفق المعلومات التي توافرت مساء امس للديار ان الرئيس الحريري لم يصعد امس الى قصر بعبدا بتشكيلته الكاملة بمنطق التحدي وفرض الامر الواقع بل سبقته اجواء الى الرئيس عون بانه منفتح على ملاحظاته في اطار التشارك لولادة الحكومة الانقاذية سريعا .كما انه يدرك سلفا بان توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم الحكومة هو المعبر الدستوري لابصارها النور.
ورغم المعلومات الشحيحة التي توافرت بعد اللقاء فان مصادر الرئيسين عون والحريري حرصت على ان البحث دار في اجواء ايجابية وغير تنافرية ، ما يعطي انطباعا بانهما يرغبان عبر المفاوضات غير المعلنة التوصل الى اتفاق ناجز قبل اللقاء المقبل المرهون موعده بالاسراع في حسم النقاط الباقية المتعلقة ببعض الاسماء ومقاربة موضوع الحقائب وحجم تمثيل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر .
واذا سارت الامور بشكل ايجابي فان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيأتي الى لبنان قبل عطلة الاعياد مع وجود حكومة جديدة مستوفاة الشروط لتحشيد الدعم الدولي ولوضع حجر الاساس لورشة هذا الدعم المنتظر من اجل وقف الانهيار بضمانة الاصلاحات التي اتفق عليها ضمن المبادرة الفرنسية.
واذا كان الدخان الابيض لم يتصاعد امس من قصر بعبدا فان الاتصالات والجهود التي ستستكمل بزخم الضغوط الفرنسية ستحدد مصير اللقاء المرتقب بين عون والحريري.
ورغم عدم حسم التشكيلة الحكومية فان مصادر الحريري الذي قدم لرئيس الجمهورية تشكيلة كاملة من 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين حرصت على وضع اجواء اللقاء بالخانة الايجابية، آملة بحسم الامور سريعا .
واعلنت رئاسة الجمهورية في وقت لاحق ان الرئيس عون تسلم من رئيس الحكومة المكلف تشكيلة حكومية كاملة وسلمه طرحا حكوميا متكاملا يتضمن توزيعا للحقائب على اساس مبادىء واضحة. واتفق الرئيس عون مع الرئيس المكلف على دراسة الاقتراحات المقدمة ومتابعة التشاور لمعالجة الفروقات بين هذه الطروحات.
ويؤشر البيان بوضوح الى الخلافات بين الطرحين وعدم اقتصارهما على بعض الاسماء بل انها تطاول الحقائب وتوزيعها ايضا ، ما يعني ان ما جرى امس قد ينظم المفاوضات المرتقبة لكنه يبقي الامور مفتوحة على كل الاحتمالات.
وكان الحريري انتقل بعد الظهر الى بعبدا حاملا معه ملفين الاول للتشكيلة الحكومية والاخر يتضمن السير الذاتية للوزراء حيث سلمهما للرئيس عون الذي سلمه بدوره طرحا متكاملا يتعلق بالحكومة، وجرى تبادل لوجهات النظر وبحث بالاسماء من دون حسم هذا البحث.
تصريح الحريري
وقال الحريري بعد اللقاء انه قدم لرئيس الجمهورية « تشكيلة حكومية كاملة من 18 وزيرا من اصحاب الاختصاص والكفاءة بعيدا عن الانتماء الحزبي . ووعد فخامته بانه سيدرس التشكيلة وسنعود بجو ايجابي الى لقاء اخر والامل كبير بتشكيل حكومة بسرعة لوقف الانهيار الاقتصادي ومعاناة اللبنانيين واعادة اعمار بيروت والثقة للبنانيين عبر تحقيق الاصلاحات المتفق عليها ضمن المبادرة الفرنسية».
واضاف ردا على سؤال «انشاءالله الاجواء ايجابية».
خريطة المفاوضات
وعلمت «الديار» ان جولة المفاوضات الأخيرة بين الرئيسين عون والحريري احرزت تقدما ملموسا وخرقا في الجمود الذي ساد في الاسابيع الثلاثة الماضية لكنها لم تصل الى الاتفاق النهائي .
وقال مصدر بارز للديار «هناك تقدم واضح يؤشر الى ان عملية التأليف اقتربت من النهاية المرجوة ، لكن بعض الامور العالقة لا تجعلنا نتسرع في التفاؤل مئة بالمئة بانتظار صعود الدخان الابيض واعلان تشكيلة الحكومة».
واوضح ان نسبة التقدم تجاوزت الـ 70 بالمئة وكل شيء معرض للتبدل ايجابا او سلبا ويتوقف على حسم النقطة او النقطتين اللتين لم تحسما وهما حجم تمثيل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وكيفية اختيار اسماء الوزراء.
ووفقا للمعلومات التي كانت توافرت للديار قبل لقاء الامس فان خريطة تفاوض عض الاصابع حول الحكومة بدت على الشكل التالي:
1- بقي الاتفاق على تشكيلة الـ 18 وزيرا ثابتا .
2- مقاربة موضوع المداورة بمرونة واعتماد مبدأ المشاركة في تسمية بعض الوزراء على قاعدة استبعاد الاسماء النافرة واسقاط الفيتوات المتبادلة.
وفي هذا المجال تكون عقدة مطالبة الرئيس عون والتيار بالمعيار الواحد قد سقطت تلقائيا ، بالاضافة الى التحرر مــن نقطة خلافية مهمة تتعلق بتسمية وزيــري الداخلــية والطاقة ، مع الاخذ بعين الاعتبار الموقف الفرنسي من تسمية وزير الطاقة الذي تحرص ان يكون لها كلمة بها .
3- تخلي الحريري عن تشدده بالنسبة للحصة التي يسمي الرئيس عون وزراءها وضمنا وزراء التــيار بحيــث رفع العدد من اثنين الى خمسة . وتباينت المعلومات حول ما اذا كان احتسب الارمن من الوزراء الخمسة ام لا.
4- حلحلة مسألة اختيار الاسماء حيث عرض الحريري ان يقدم عون لائحة بجموعة اسماء لكل وزير في الحصة المحسوبة له والتيار وان يختار هو اسم كل وزير من بين هذه الاسماء . غير ان هذه النقطة لم تحسم وبقيت موضع اخذ ورد . واستعيض عن ذلك بان تقدم الحريري بتشكيلته الكاملة ليس من باب المواجهة بل من باب الانفتاح على ملاحظات ورأي عون .
5- تباينت المعلومات والتسريبات حول مسألة الثــلــث المعطل وبقيت هذه المسألة رهينة التفسيرات المتناقضة.
وعلم ان الرئيس عون لم يأت في اجتماعه مع الحريري على ذكر الثلث المعطل او الضامن بشكل مباشر ، لكنه شــدد على حسن التمثيل ملمحا الى ان تكون حصته وتكتل لبنان القوي 7 وزراء من اصل 9 وزراء مسيحيين في الحكومة.
واضافت المعلومات ان الحريري يأخذ بعين الاعتبار ان تكون حصة المردة اثنين ومشاركة الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي سماه بوزير مسيحي وان يكون هناك وزير رابع من حصته.
وربما يتخلى الحريري عن تسمية الوزير المسيحي الرابع للارمن لتصبح حصة الرئيس عون والتيار والارمن 6 وزراء.
وقالت المعلومات ايضا ان تسمية الوزراء المحسوبين على الثنائي الشيعي بقيت طي الكتمان .
الدعم والأمان الاجتماعي
على صعيد آخر تحولت مسألة الدعم ومصيره الى كتلة نار تحرق اصابع من يتجرأ على الغائه او اتخاذ موقف حاسم بشأنه. وبقيت الاحتماعات التي عقدها ويعقدها رئيس الحكومة المستقيلة تدور في حلقة مفرغة رغم الوضع الضاغط لا سيما ان الحكومة التي تأخرت في معالجة هذه القضية تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات سريعة بحجة انها لا تستطيع ان تمارس دور وصلاحيات الحكومة الاصيلة مفضلة ترك كرة النار هذه للحكومة الجديدة.
واذا كان هناك اجماع على ما سمي ترشيد الدعم فان الخلاف حول هذا الترشيد وطبيعته ابقى الامور رهن التكهنات والتسريبات .
وحسب المعلومات المتوفرة للديار فان المؤكد حتى الآن هو ان هناك قرارا جامعا وحاسما بابقاء الدعم للطحين والرغيف . اما في خصوص البحث الجدي في ترشيد دعم المحروقات فان القرار لم يصل الى نقطة الحسم وان كان التوجه المبدئي هو بزيادة سعر البنزين بنسبة 50 بالمئة او احتسابه على اساس تسعير الدولار بـ 3900 ليرة . لكن مادة المازوت تأخذ جدلا اوسع نتيجة الحاجة الى تأمينها بسعر مقبول يضمن الحاجة لهذه المادة للافران والمستشفيات والمواطنين خصوصا في فصل الشتاء ، هذا عدا عن مولدات الكهرباء. وفي خصوص السلة الغذائية فان التوجه المؤكد هو بتخفيض عدد موادها الى الثلث على الاقل عن حجم السلة الحالية.
وبالنسبة للدواء فقد تقدم وزير الصحة بخطة عمل ترتكز الى ترشيد الدعم وتخفيض حجمه بحيث تغطى انواع من الدواء مثل ادوية السرطان والضغط والامراض المستعصية وامراض القلب ويرفع الدعم عن الادوية التي تباع من دون وصفة طبية ، مع ضوابط عديدة من الالتزام التام بالوصفات الطبية ومحاربة التهريب.
وفيما تؤكد جهات سياسية عديدة على ضرورة اتخاذ الحكومة قرارات سريعة مشيرة الى ان الضرورة والوضع الضاغط يفرضان عليها مثل هذه الخطوة يتردد الرئيس دياب ويفضل ترك البت بهذا الموضوع الى الحكومة الجديدة تاركا كرة النار في وجهها ، ومبررا ذلك بان حكومة تصريف الاعمال لا تقدر على الاجتماع او اتخاذ مثل هذه القرارات.
وامس دعا رئيس الاتحاد العمالي العام الى اضراب وطني عام على كل الاراضي اللبنانية يوم الاربعاء المقبل 16 الجاري كبداية لاوسع تحرك سيشهده البلد ضد رفع الدعم.
حكاية قرض البنك الدولي
من جهة اخرى كشفت مصادر مطلعة للديار عن تفاصيل حكاية مسار قرض البنك الدولي الميسر لتأمين شبكة الامان الاجتماعي ومساعدة الفقراء ، مشيرة الى ان الحكاية بدأت من عرض البنك الدولي على وزير المال غازي وزني ان يقدم قرضا ميسرا بقيمة 450 مليون دولار لتأمين شبكة الامان وقد رفع الوزير الامر للحكومة منذ اشهر عديدة قبل استقالتها لكن الموضوع بقي يراوح مكانه. ثم استفاقت الحكومة لاحقا على الوضع الآخذ بالتردي فاتفقت مع البنك الدولي على القرض الميسر ولكن بقيمة 420 مليون دولار الذي جرى تحريكه مؤخرا بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة.
وتقول المعلومات ان البنك الدولي المح مؤخرا الى ان تنفيذ القرض سيكون في الحكومة الجديدة ، مع العلم ان هناك حاجة لمناقشته واقراره في مجلس النواب وبالتالي الى فترة ليصار الى الافادة منه.
وكشفت المصادر ايضا عن ان هناك قرضا من البنك الدولي بقيمة 280 مليون دولار كان اقره مجلس النواب فــي عهد حكومة الرئيس الحريري لانشاء نقل مشترك فــي بيروت الكبرى وخط سريع من بيـروت الى المعاملتـين وهو موجود في مجلس الانماء والاعمار ولم يبدأ في تنفيذه حتى الآن مع ان الاموال مؤمنة بموجب القرض المذكور .