من الخميس الى الاحد، أربعة أيام من العاصفة السياسية – الطائفية التي تفجرت عقب ادعاء المحقق العدلي في #انفجار مرفأ بيروت القاضي #فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس والردود التي اثارها الادعاء، بدت امس كأنها أدت الى خلاصتين تتسابقان في السلبية التصاعدية. الخلاصة الأولى ان هذه العاصفة فاقمت المخاوف على نتائج التحقيقات الجارية في جريمة الانفجار المزلزل في مرفأ بيروت مع ما يعنيه هذا الاحتمال الصادم من تداعيات بالغة الخطورة في ظل الحجم الهائل للأضرار البشرية والمادية التي تسبب بها الانفجار الذي بات يصنف عالميا لا لبنانيا فقط من أسوأ احداث السنة المشارفة على نهايتها. وهو الامر الذي تثيره التساؤلات عما ستكون عليه ردة فعل المحقق العدلي أمام رفض رئيس حكومة تصريف الاعمال استقباله في السرايا للاستماع الى إفادته علما ان دياب لن يكون في السرايا اليوم. كما ان الوزراء السابقين الثلاثة يتجهون الى عدم المثول امام صوان في قصر العدل للغاية ذاتها.
اما الخلاصة الثانية فتجاري الأولى في سلبياتها لجهة ان الاصطفافات التي اثارها الادعاء على رئيس الحكومة المستقيلة واتسامها بسرعة خاطفة بسمة طائفية تحولت الى لغم إضافي من شأنه ان يفخخ مسار تأليف الحكومة الجديدة بشحنة توتر عالية. واذا كان بعض الجهات السياسية والديبلوماسية عاد في اليومين الأخيرين الى الرهان على قوة الدفع التي قد تحدثها الزيارة الثالثة هذه السنة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان بعدما ثبت الاليزيه رسميا موعد الزيارة يومي 22 و23 كانون الأول الحالي، فان هذه الرهانات باتت بدورها في طور الاهتزاز الحاد في ظل الاحتدامات الحادة في المواقف التي طبعت الأيام الأخيرة من مسار التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت والتي انزلقت معها البلاد الى مشهد اصطفافات ذات خلفيات طائفية ومذهبية حاصرت وستحاصر بطبيعة الحال مسار تأليف الحكومة بمزيد من التعقيدات، كما ستؤثر بقوة لا يمكن تجاهلها على المسار القضائي المتبع في التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت. وبذلك بدأت التساؤلات تتعاظم عما اذا بقي هناك فعلا أي هامش متاح بعد خلال ثمانية أيام متبقية على زيارة الرئيس ماكرون للبنان لإحداث الاختراق النهائي في مسار تشكيل الحكومة في حين عادت القطيعة تتحكم بعلاقة قصر بعبدا وبيت الوسط بعد اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة سعد الحريري الأربعاء الماضي والذي انتهى الى تعميق التباينات بينهما على التشكيلة الكاملة التي قدمها الحريري والطرح المفجر للجدل الدستوري مجددا الذي قدمه عون. ولذا صار في حكم المؤكد ان أي اختراق لن يحصل قبل زيارة ماكرون وربما بعدها أيضا، اذ تؤكد المعلومات ان ماكرون لن يلتقي جهات سياسية هذه المرة وسيقتصر برنامج الزيارة كما يبدو على زيارته للقوة الفرنسية العاملة ضمن قوات اليونيفيل في الجنوب وزيارة بروتوكولية لقصر بعبدا ومع ممثلين عن المجتمع المدني. وتساءلت مصادر ديبلوماسية في هذا السياق عما اذا كان من الأفضل ان يأتي ماكرون وسط هذه الظروف ام ان الغاء الزيارة كان ليحدث اثرا اقوى لدى القوى المعطلة للمبادرة الفرنسية.
ولعل أكثر ما أثار الخشية من الحمى السياسية والطائفية التي ارتفعت سخونتها في اليومين الأخيرين انها ساهمت بقوة في ارتباط بين اشتباك سياسي – طائفي ومسار قضائي كان يتعين حمايته تماما من التأثيرات السلبية لما سمي حرب فتح الملفات على خلفيات كيدية باعتبار ان التحقيق العدلي في انفجار المرفأ ليس من ضمن هذه الخانة ولا يجوز اطلاقا ان تتمدد اليه اليه هذه الظاهرة في حروب سلطوية صغيرة تسخر كل شيء في تصفيات الحسابات السياسية. ولكن الامعان في المزايدات الإعلامية والسياسية وبدء اتخاذ المواقف من الادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال من جهة او عن المحقق العدلي من جهة مقابلة طابع الاصطفاف الطائفي فجر مناخا متوترا زاد منسوب المخاوف من شلل إضافي قد يحكم مسار تأليف الحكومة الجديدة الى امد غير محدد الا اذا حصلت مفاجأة غير محسوبة اقله في اللحظة الراهنة.
#كتلة “المستقبل”
ويمكن الاستدلال على المستوى المرتفع الذي بلغه المناخ المتوتر بالبيان الذي أصدرته كتلة ”المستقبل” النيابية مساء امس والذي يعد احد اعنف ردودها ضد العهد و”التيار الوطني الحر” خصوصا وأطراف آخرين في موضوع الادعاء على رئيس الحكومة. وقد هاجمت الكتلة بحدة من الذين انتقدوا مواقف ” قيادات وطنية ومرجعية وطنية دينية لجأت الى التحذير من التطاول على موقع رئاسة الحكومة ” ولفتت الى ان هؤلاء “راحوا يتلاعبون على أوتار التحريض على الطائفة السنية ومرجعياتها بعدما انتفضت هذه المرجعيات على مسار مشبوه من الصعوبة بمكان عزله عن الكيديات السياسية “. ولعل اخطر ما تضمنه رد الكتلة كان في إعلانها “ان هناك خطة لن نسمح بتمريرها لا عبر القضاء ولا عبر سواه لاستهداف موقع رئاسة الحكومة ، خطة انتقامية من اتفاق الطائف ..لاحتواء وعزل الموقع الأول للطائفة السنية في لبنان سواء من خلال التهويل على رئيس الحكومة او من خلال التهويل على المرجعيات السياسية التي تولت رئاسة الحكومة خلال السنوات العشر الماضية “. وربطت الكتلة مباشرة هذا المسار بالملف الحكومي أيضا اذ قالت “هم من حقهم تعطيل تعطيل تشكيل الحكومة كرمى لعيون الصهر او بدعوى فرض المعايير .. ولا يتأخرون عن حشد الأنصار امام مداخل القصر الجمهوري وكل هذا لا يقع تحت خانة التعبئة الطائفية ” لتخلص الى رفض “العدالة الاستنسابية المسيسة المجتزأة”.
وبدا واضحا في هذا السياق ان البطريرك الماروني الكاردينال #مار بشارة بطرس الراعي بدا متخوفا على مسار التحقيقات في انفجار المرفأ اذ اعرب عن امله امس في “الا تعطل ردود الفعل الأخيرة مسار التحقيق والا تخلق انقساما وطنيا على أساس طائفي” وإذ شدد على “اننا جميعا حريصون على موقع رئاسة الحكومة وسائر المواقع الدستورية والوطنية والدينية ” قال ان هذا “الحرص لا يفترض ان يتعارض مع سير العدالة ” ودعا “السياسيين والطائفيين والمذهبيين الى رفع أيديهم عن القضاء ليتمكن من تشذيب نفسه والاحتفاظ بالقضاة الشرفاء الشجعان فقط”.