بدل أن يتحسّس المعنيون الجالسين في مواقع القرار مسؤولياتهم وواجباتهم، وهي في حدها الأدنى منع المزيد من الانحدار نحو “زوال” لبنان، وذلك بتأليف حكومة الأمس قبل اليوم، إلا أنهم يذهبون في الاتجاه “الانتحاري” المعاكس، ويأخذون معهم كل البلاد والعباد، ويغرقون الحياة السياسية بالسجالات المذهبية، ثم ينبري مستشار البلاط الرئاسي لتلاوة فرماناته عبر الاعلام، فيأتيه الرد من الرئيس المكلف، لتندلع حرب بيانات توحي بمعنى واحد أوحد، لا حكومة حتى الساعة وكأنها باتت حلم ليلة صيف، رغم أن الحاجة أكثر من ماسة اليها.
وفي غمرة كل هذا التخبط المنزلق نحو الأخطر، ينفرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بمواقفه المتمايزة، فلا مقامات ومواقع أمام دماء الشهداء، وقد جدد بالأمس موقفه قائلا: “يجب التحقيق مع أي كان لمعرفة من دمّر بيروت، وأنا مع استدعاء رئيس الجمهورية أيضا الى التحقيق”، داعيا في الوقت نفسه الى إنقاذ البلاد في رمقها الأخير بتأليف الحكومة وملاقاة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون القادم الى لبنان بعد أيام.
وعلى وقع السجالات المشتعلة داخلياً، فإنه إذا لم تحرز زيارة الرئيس الفرنسي تحريكا للملف الحكومي لتأمين ولادة قيصرية للحكومة، فهذا يعني انها لن تولد هذا العام.
عضو كتلة المستقبل النائب نزيه نجم، في حديث مع جريدة الأنباء الالكترونية، وصف ما يجري “بالخطير جداً على البلد بكافة المقاييس، فلا يمكن تشكيل حكومة بهذه الذهنية بعد اختراع بدع جديدة التي يطالب بها فريق العهد والتيار الوطني الحر”. وسأل نجم محرري البيانات: “مَن يشكل الحكومة سوى الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية؟ هل يعقل ان يفرض عون على الحريري تسمية كل الوزراء المسيحيين؟ وأين دوره كرئيس مكلف؟”.
نجم توقف عند طلب عون من الحريري أن يتشاور مع الكتل النيابية، مشيرا الى ان هذا الموضوع انتهينا منه في المشاورات التي أجراها الحريري مع الكتل النيابية في مجلس النواب بعد تكليفه بساعات، لافتا في ضوء كل ذلك الى أنه لا يرى حكومة في المدى المنظور.
بدورها، مصادر تكتل “لبنان القوي” كررت عبر جريدة الأنباء الالكترونية موقفها بأن تأليف الحكومة هو “حصرا من صلاحية الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية”. وهذ إذ قالت إنها “لن تتدخل بالسجال القائم لأن بيان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية كان كافياً لإطلاع الرأي العام على حقيقة الأمور”، عادت وتحدثت عن أن “هناك تجاوزاً للصلاحيات من قبل الرئيس المكلف الذي يرفض التشاور مع الكتل النيابية ويتمسك بتسمية الوزراء المسيحيين، وفي الوقت عينه يقبل بأن تفرض عليه جهات معينة اختيار الحقائب وتسمية الوزراء”، مستطردة: “فهل يحق لهذه الجهة فرض ما تريد ولا يحق لرئيس الجمهورية الذي هو شريك أساسي بتشكيل الحكومة ان يسمي الوزراء المسيحيين والمحسوبين من فريقه السياسي؟”.
واعتبرت المصادر نفسها ان “هذا الأمر لم يعد مقبولا ويُعدّ تجاوزا للصلاحيات”، ورأت ان “رئيس التكتل النائب جبران باسيل كان شرطه الوحيد هو وحدة المعايير”، مؤكدة ان “لا مانع لديها من تشكيل حكومة اختصاصيين ولكن بشرط اعتماد معايير موحدة”.
وفي ضوء كل هذا الواقع، علق عضو كتلة التحرير والتنمية النائب ياسين جابر بالقول: “في ظل هذا الاشتباك الحاصل بين القوى المعنية هل من أحد يتوقع ان تتشكل الحكومة؟ بالطبع لا”.
وفي هذه الأثناء، طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري من القاضي فادي صوان تزويده بالمستندات اللازمة بما يتعلق بطلبه استجواب نواب في قضية انفجار المرفأ، حيث أشار النائب جابر في حديثه مع “الأنباء” الالكترونية الى ان ”بري عندما تبلغ ان هناك نواباً يريد صوان استجوابهم في انفجار المرفأ طلب ايداعه كل الملفات والمستندات المتعلقة بهم لدراستها، لمعرفة ما اذا كان الأمر يستوجب طرح نزع الثقة عنهم وإحالتهم الى الهيئة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فهو يريد معرفة الأسس الآيلة الى ذلك قبل احالة قضيتهم الى هذه الهيئة”.
وحول مصير التحقيقات في انفجار المرفأ، أشار المحامي شبلي الملاط في حديث مع الأنباء الالكترونية الى انه “كان بإمكان القاضي العدلي الاستماع الى افادة الرئيس عون بعد اعلانه انه كان على علم بموضوع النيترات، ولكانت الأمور مرت بسلام واستمع الى افادة الرئيس دياب والوزراء المستدعين، لكن في ظل هذه الاستنسابية لا يمكن الوصول الى شيء”.