… حتى “هيومن رايتس” دخلت على خط مناشدة الطبقة الحاكمة بالإسراع في تشكيل حكومة “لأنّ الوضع الذي يعيشه الناس في لبنان لم يعد يحتمل، وبالتالي لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً بأي شكل من الأشكال تقديم أي أعذار من أي فريق كان، في عدم إمكانية تشكيل حكومة تلملم الأوضاع المزرية التي يعيشها اللبنانيون على كل المستويات”. قضية التأليف بلغت إذاً حدّ المسّ بشرعة “حقوق الإنسان”، ربطاً بما وصفته المنظمة بالحاجة الملحة إلى تلبية “المطالب الأساسية في معيشة اللبنانيين وحقوقهم الإنسانية في العيش الكريم”، بمعنى آخر، كرامة اللبنانيين الإنسانية باتت على المحك، و”العهد القوي” لا يزال يرهن عملية إنقاذهم بتحسين شروط جبران باسيل التحاصصية في التشكيلة الاختصاصية المرتقبة.
لكن مع دخول البطريرك الماروني بشارة الراعي على خط فكفكة العقد الحكومية، تساقطت تباعاً “أوراق التوت” عن عورة المحاصصات وتكشفت هشاشة الادعاءات بخوض معارك دستورية، تحصيلاً لحقوق المسيحيين في عملية تشكيل الحكومة او الدفاع عن صلاحيات الرئاسة الثالثة… وما تشديده بالأمس على أنه من خلال الاتصالات التي أجراها لم يجد “سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوماً واحداً”، سوى تأكيد غير مباشر على كون مناورة “وحدة المعايير” التي حاول باسيل الالتفاف من خلالها على مبادرة بكركي، “فشلت في إقناع البطريرك الماروني بوجود ما يستدعي دق ناقوس الخطر على حقوق المسيحيين”، وفق ما رأت مصادر مواكبة للملف الحكومي، معتبرةً أنّ عظة الراعي “نسفت كل الذرائع التعطيلية بما فيها “معايير” باسيل وأعادت الاعتبار إلى الدستور”، فلا توجد معايير “باستثناء معايير الدستور والميثاق”، كما قال، وكذلك الثلث المعطل الذي كان يطمح إليه رئيس التيار الوطني الحر “طار” بعد مجاهرة البطريرك الماروني بأنّ المطلوب “حكومة غير سياسية وغير حزبية، لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية ولا شروط مضادة، ولا ثلث معطلاً يشلّ مقرراتها”.
وكشفت المصادر عن اتفاق حصل بين الراعي وعون، يقضي بأن يأخذ الأخير زمام “المبادرة”، فيدعو رئيس الحكومة المكلف إلى قصر بعبدا لاستئناف البحث في عملية التأليف، وفق “منهجية جديدة” تكرس الاتفاق على “المصطلحات الدستورية وعلى شراكة رئيس الجمهورية في عملية التأليف”. وأكدت أن وساطة البطريرك الماروني خلصت إلى تأكيد “وجوب عدم وجود أي إشكالية أو انتقاص بمسألة صلاحيات رئاسة الجمهورية”، وهو قد تفاهم مع رئيس الجمهورية على ضرورة أن يكون الاجتماع المرتقب بينه وبين الرئيس المكلف “حاسماً مهما طالت مدته”، بحيث تكون “جلسة مصارحة تفضي إلى تصفية النوايا وحسم مصير التشكيلة الوزارية العتيدة بصيغتها النهائية”.
وإذ لفتت إلى أنّ اجتماع بعبدا المقبل من المفترض أن يضع “مقاربة كاملة لأسس التشكيل بالارتكاز إلى نصّ الدستور وموجبات المبادرة الفرنسية”، شددت المصادر على أنّ هذه المبادرة لا تتعارض في جوهرها “الاختصاصي” مع النصّ الدستوري، نظراً لكون “الطابع الاختصاصي للحكومة يحترم مبدأ المناصفة في توزيع المقاعد الوزارية بين المسلمين والمسيحيين”، بينما التركيز سيكون على “المنهجية المتبعة في تحديد توزيع الحقائب على الطوائف مع مراعاة وجود مرجعيات لكل منها”.