بعكس كل ما يتم الترويج له والذي يوحي بتطورات كبرى يشهدها الملف الحكومي في لبنان، تقتصر الايجابية المحيطة بعملية التأليف على حركة باريس المستجدة التي لم تتبلور بعد باتجاه وضع آلية تنفيذية، فكل ما أشيع عن مبادرات يقوم بها فرقاء في الداخل، سواء حزب الله او رئيس المجلس النيابي نبيه بري او مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لم تصل الى نهاياتها السعيدة، ما أدى الى انكفائهم مجددا بانتظار اشارة فرنسية جديدة يتم البناء عليها.
فبحسب مصادر قريبة من الرئيس عون، فإن «الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حرك، لا شك، المياه الحكومية الراكدة، لكن السؤال الاساسي الذي يطرح نفسه هو ما اذا كانت حركته ستصل الى الخواتيم المنشودة، وهو أمر لم يتضح بعد بانتظار ما ستكون عليه المرحلة الثانية من الحركة الفرنسية، خاصة انه يبدو انه ستتم الاستعاضة بالاتصالات المكثفة كبديل عن ارسال مبعوثين الى بيروت التزاما بالاجراءات الفرنسية المشددة المرتبطة بالسفر بسبب «كورونا».
أما على الصعيد الداخلي، فتتفهم الرئاسة الاولى على ما يبدو الموقف الذي أطلقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري وفُسر بأنه موجه ضد الرئيس عون، ما استدعى ردا مباشرا من رئاسة الجمهورية، اذ تقول المصادر لـ «الديار» ان «بري ارتأى الاعلان عن موقفه هذا بعدما فشلت المبادرة التي كان يقوم بها»، لافتة الى ان «كل التحركات الحالية، سواء على الصعيد الدولي او الداخلي، لا تزال بإطار تمهيدي، وبالتالي لا نتائج عملية حتى الساعة وان كنا نعول على تراكم التطورات الايجابية لإخراج الملف الحكومي من عنق الزجاجة».
وبالتوازي مع الحركة على صعيد الحكومة، تكثفت يوم أمس الاجتماعات لتحديد الخطوات الواجب اتخاذها بعد الثامن من شباط الحالي لجهة تمديد الاقفال العام او انهائه. وتشير معلومات «الديار» الى ان «التوجه هو لفتح البلد تدريجيا، على ان يبدأ ذلك مطلع الاسبوع المقبل، بحيث تفتح مثلا السوبرماركات والمصارف اولا، يليها في اسابيع لاحقة المطاعم مع اتباع تدابير مشددة واجراء تقييم اسبوعي للوضع للتصدي لخروج الامور عن السيطرة. فاذا عادت الارقام، سواء لجهة عدد المصابين او الوفيات لترتفع بشكل كبير، لن يتردد المعنيون في اعلان الاقفال العام مجددا». وتقول مصادر مطلعة ان «اي امر لم يُحسم بعد وان هناك وجهات نظر مختلفة في اللجنة الوطنية لكورونا. ففيما يدفع البعض باتجاه تمديد الاقفال لعشرة ايام نظرا الى ان عدد المصابين والوفيات لم يتراجع بالشكل الذي كان متوقعا، خاصة انه تم تسجيل رقم قياسي يوم امس بلغ 81 وفاة، يعتبر البعض الآخر ان الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل يوما آخر من التعطيل، ما يوجب فتح البلد أقله تدريجيا».
ولا شك أن الوضع الاقتصادي المزري الذي يشهده لبنان منذ العام الماضي ازداد سوءا مع الاقفال العام المتواصل منذ منتصف الشهر الحالي. فقد سجلت دراسة جديدة بعنوان «القطاع الخاص النظامي في لبنان: عام 2020 والواقع المرير»، أصدرتها الجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا («الإسكوا»)، تسريح 23% من الموظفين العاملين في القطاع الخاص وتقلص مبيعاته بنسبة 45% عام 2020، مقارنة بمعدل مبيعات عام 2019، علما ان الاقتصاد اللبناني يعاني هبوطا مستمرا، تفاقم مع ازدياد حدة جائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت الصيف الماضي». وبحسب الدراسة، «انكمش الاقتصاد اللبناني بنسبة 20 % عام 2020 مقارنة بالعام السابق إثر تراجع نشاط القطاع الخاص، ما شكل ضربة قاسية للناتج المحلي الإجمالي وللإيرادات الضريبية لخزينة الدولة التي انخفضت بنحو 17 %. ومن المتوقع أن يتفاقم الانكماش في عام 2021 ما لم يوزع لقاح كوفيد-19 في الوقت المناسب، وما لم تنفذ الإصلاحـات السـياسية والاقتـصادية اللازمة».
وفي ظل تفاقم المخاوف من مواصلة رفع الاسعار بعد رفع سعر ربطة الخبز، حذّر رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر من ان «المنظومة المتحدة بين أهل السلطة والمال تتواطأ اليوم لرفع سعر ربطة الخبز الى 2500 ليرة وصفيحة المازوت الى 20 ألف ليرة، وكل ذلك كمقدمة واضحة لرفع الدعم تدريجيا وجعله أمرا واقعا ومن دون أي خطة اقتصادية تعيد للعملة الوطنية قيمتها الحقيقية وقدرتها الشرائية أو استعادة الأموال المنهوبة أو المهربة أو التأمين على أموال المودعين». وقال إن «الواقع يدعونا مجددا لرفض رفع سعر الخبز أو المحروقات أو الغاز المنزلي والى ضرورة وأهمية تشكيل لجنة لدراسة أسعار الخبز والمحروقات والأدوية، يشارك فيها ذوو العلاقة المباشرة والنقابات المعنية مع الاتحاد العمالي العام».
اما على صعيد الملف المالي، فأفادت «الوكالة الوطنية للاعلام» بالامس بأنه، استعدادا لتزويد السلطات السويسرية بالأجوبة اللازمة على طلب المساعدة القضائية المتعلقة بتحويلات مالية عائدة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومساعدته ماريان الحويك وشقيقه رجا سلامة، وبعد الاستماع إلى إفادات الأشخاص المذكورين وموافقتهم على المثول أمام القضاء السويسري، أرسل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، كتبا إلى كل من: حاكم مصرف لبنان، مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي، هيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف، طلب بموجبها إيداعه كل المعطيات الواردة في طلب المساعدة السويسرية.
كما طلب عويدات أيضا، إيداعه المستندات الخاصة بالتحويلات المالية التي تتحدث عنها المراسلة السويسرية، بالإضافة إلى المستندات الخاصة بالآلية التي تنظم إجراء التحويلات من مصرف لبنان إلى الخارج، على أن يرسل النائب العام التمييزي الخميس المقبل جوابه الى السلطات السويسرية، وأن يزود القضاء السويسري بمراسلات إلحاقية في ضوء ما يرده من مستندات تباعا من الجهات المصرفية المختصة، وفي ضوء ما يتوافر لديه من معطيات جديدة.