أسفرت عملية اختطاف معقّدة عن مقتل الناشط السياسي والاجتماعي المعارض لـ”حزب الله” لقمان سليم في جنوب لبنان، حيث عُثر على جثته في سيارة استأجرها قبل أيام، ما أثار صدمة واسعة في الأوساط اللبنانية.
وأبلغت شقيقته عن اختفاء أثره، مساء الأربعاء، بعد خروجه من زيارة إلى منزله صديقيه في مزرعة نيحا الواقعة بين بلدتي صريفا ودير كيفا في قضاء صور، في جنوب لبنان، قبل أن يُعثر على هاتفه بعيداً نحو 350 متراً عن المنزل، الذي كان يزوره، ويُعثر على جثته في طريق فرعية غير مأهولة في منطقة العدوسية في قضاء الزهراني.
وقالت مصدر أمني لـ”الشرق الأوسط” إن سليم، كان في زيارة إلى صديقيه محمد وشبيب الأمين، في مزرعتهما بقضاء صور، قبل أن يخرج من منزلهما، في الساعة الثامنة مساء، لافتة إلى أنه كان يستقل سيارة يستأجرها، منذ مطلع الشهر الحالي. وقالت إنه بعد الإبلاغ عن اختفاء أثره، عُثر على جثته في السيارة مقتولاً بخمس رصاصات أصابت رأسه، ورصاصة سادسة اخترقت صدره من جهة ذراعه اليسرى. ووسط رفض عائلته لتشريحه، كشف عليه الطبيب الشرعي الذي قدّر أن يكون قد تعرَّض للقتل في منتصف ليل الأربعاء – الخميس.
وكانت عائلة الناشط والباحث السياسي أبلغت عن اختفائه، مساء الأربعاء، مشيرة إلى أنه غادر قرية جنوبية، وكان يفترض أن يعود إلى بيروت. ولم تعثر القوى الأمنية على أوراقه الثبوتية، وقد تعرف مقربون منه عليه.
وتوصلت التحقيقات الأولية إلى أن سليم كان يخضع للمراقبة والملاحقة، وقد تعرَّض للخطف قبل قتله، وأشار المصدر الأمني إلى أن السيارة سلكت طرقات فرعية غير رئيسية، واستقرت في منطقة العدوسية (10 كيلومترات جنوب صيدا) في طريق غير مأهول، مستغلين حظر التجول والإقفال التام، والمنطقة النائية التي كان يزورها في الليل.
وقال المصدر إن قوى الأمن الداخلي استمعت إلى إفادات صديقيه، وتستقصي معرفة من رمى هاتفه غير بعيد عن المنزل الذي كان يزوره، وما إذا كان الهاتف قد رُمي فوراً؛ ما يعني أنه اختطف من مكان قريب من المزرعة، أو أنه رُمِي في المكان بعد قتله بغرض تضليل التحقيق.
وفيما كشف المصدر عن أن السيارة التي كان يستقلها لا تتضمن نظام تتبع جغرافي (جي بي إس)، أشار إلى أن التحقيقات تسلك ثلاثة خطوط متوازية، أولها جمع الكاميرات، وثانيها رفع البصمات ومقارنتها مع بصمات في قاعدة البيانات الشخصية للسلطات اللبنانية، وثالثها تتبع خريطة الاتصالات. فشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي التي تتولى التحقيق، تحلل “داتا” الاتصالات في الفترة التي كان يوجَد فيها، وتحليل خريطة الاتصالات لمعرفة الجناة من اتصالاتهم.
وسليم باحث وناشط مدافع عن حقوق الإنسان، وملتزم التوعية الثقافية والسياسية حول مواضيع المواطنة والحريات، وناقد في مقالاته وإطلالاته التلفزيونية لـ”حزب الله”، القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذاً في لبنان.
وطلب الرئيس اللبناني ميشال عون من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات جريمة اغتيال سليم. وشدد عون على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدَّت إلى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها.
من جانبه، كلف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي “الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية الإسراع في تحقيقاتها لكشف ملابسات جريمة اغتيال سليم، وملاحقة الفاعلين والقبض عليهم وإحالتهم إلى القضاء بأسرع وقت ممكن”. وشدد دياب على أن “هذه الجريمة النكراء يجب ألا تمرّ من دون محاسبة، وألا تهاون في متابعة هذه التحقيقات حتى النهاية”. وأكد أن “الدولة ستقوم بواجباتها في هذا الصدد”. وأدان وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي في حديث لقناة محلية قتله، واصفاً ما حدث بأنه “جريمة مروعة ومدانة”.
وفيما لم تتمكن الجهات الأمنية بعد من تحديد ظروف الجريمة، أثار مقتل لقمان سليم صدمة في الأوساط السياسية اللبنانية. وربطت شقيقته رشا الأمير، وقبل الإعلان عن وفاته، اختفاءه بمواقفه السياسية. وقالت لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”: “لديه موقف؛ لماذا ممكن أن يخطفوه؟”. وتحدثت عن ليلة صعبة عاشتها مع زوجة سليم بانتظار أن يصل إليهما خبر عنه، قائلة: “لم ننَم كل الليل، ونحن نتصل بأشخاص علَّ أحدهم يعلم شيئاً، ذهبنا إلى المستشفيات واتصلنا بالصليب الأحمر، خشينا أن يكون تعرض لحادث سير”. وقالت: “حزني كبير، أحاول أن ألملم نفسي، لا نعرف ماذا نفعل… لا أصدق أنني لن أرى أخي وصديقي مرة أخرى”.
وتابعت: “كنت أسأله ألا تخاف يا لقمان أن تعبّر عن رأيك بهذا القدر من الحرية؟ كان يجيبني: (الموت لا يخيفني)”. وأضافت: “لقد قتلوا شخصاً نادراً واستثنائياً”.
وكان سليم (58 عاماً) يدير مركز “أمم” للأبحاث والتوثيق في جزء من منزله، في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، معقل “حزب الله”، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه تحدّ للحزب الشيعي. وينتمي لقمان إلى الطائفة الشيعية، لكنه رافض بشدة للطائفية، ويعتبرها إحدى أكبر مشكلات لبنان.