كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : كان الأسبوع المنصرم أسبوع بكركي بامتياز، فهل سيكون الأسبوع الطالع أسبوع تردّدات مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، أم انّ التأليف الذي يدور في حلقة مفرغة سيتصدّر المشهد السياسي مجدّداً إن من باب تفعيل الوساطات، او من زاوية الكلام الذي يتردّد عن احتمال دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الكتل النيابية إلى الاستئناس برأيها في سبل إخراج التأليف من عنق الزجاجة، وتحميلها مسؤولية خياراتها وقراراتها، لأنّ السؤال الذي لا إجابة عنه بعد: ماذا ينتظر المسؤولون لتأليف الحكومة؟ وهل ينتظرون مثلاً خراب البصرة؟
إستقطب التجمُّع الشعبي في بكركي السبت المنصرم كل التركيز السياسي والإعلامي والشعبي، ونجح البطريرك الراعي في تقديم خطاب سياسي جاء مرناً في الشكل، وصلباً في المضمون، شرح فيه الأسباب الموجبة التي دفعته إلى الدعوة لمؤتمر دولي، عازياً السبب الرئيس إلى الفشل الذي أصاب البلاد وغياب النية والسعي لإخراجها من النفق المظلم الذي دخلت إليه، خصوصاً انّ الدولة وصلت إلى الحائط المسدود، فحتى الحكومة لم تبصر النور بعد، والناس جائعة وبلا أفق، والنظرة الدولية إلى لبنان على انّه تحوّل فعلاً الى دولة فاشلة.
فبعد كل المحاولات الفرنسية والمساعي لمساعدة لبنان، اصطدمت بجدار مصالح القوى السياسية السميك، ولا يوجد اي مؤشر حتى اللحظة الى انّ باريس ما زالت مهتمة بتشكيل الحكومة، لأنّ لا مصلحة لها في تبديد رصيدها في لبنان والظهور في مظهر العاجزة عن تأليف الحكومة، فهي على أهبة الاستعداد لتسهيل ما يمكن تسهيله، وتقديم المساعدة اللازمة، ولكن بعد تأليف الحكومة لا قبله، حيث زار رئيسها ايمانويل ماكرون لبنان مرتين من دون نتيجة، وبالتالي لن يجازف بزيارة ثالثة قبل صدور مراسيم التأليف.
ولا شك في انّ البطريرك نقل النقاش من أروقة الحكومة والفراغ والتعطيل، إلى النقاش السياسي العريض الذي يذكِّر بحقبة 8 و 14 آذار عندما كان الانقسام السياسي بين مشروعين سياسيين، فأخرج البطريرك النقاش من التفاصيل ودوامة الفراغ ودائرة التعطيل، إلى التقدُّم بمبادرة تبدأ من لبنان ومن بكركي تحديداً وتنتهي في أروقة الأمم المتحدة، ويلقى الراعي بمبادرته دعماً فاتيكانياً وتفهماً دولياً ودعماً شعبياً، حيث انّ الناس تريد الخلاص من واقع اجتماعي أوصلها إلى خط الفقر والمجاعة.
ولكن السؤال الأساس الذي يطرح نفسه: ماذا بعد مبادرة البطريرك؟ وما هي الخطوة التالية التي سيلجأ إليها؟ وكيف سيتعامل معها الوسط السياسي المؤيّد والمعترض عليها؟ وهل ستحظى بتأييد خارجي؟ وهل سيضع خطة عملية لتنفيذ مبادرته، خصوصاً انّه كان قد دعا القوى السياسية التي زارته إلى تقديم الاقتراحات التي تراها مناسبة لإخراج مبادرته من الأفكار المكتوبة إلى الترجمة العملية؟
موفدون لبكركي
في هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة، انّ موفدين للبطريرك من علمانيين ورجال دين، سيتحركون في اكثر من اتجاه استكمالاً لحملة سياسية وديبلوماسية بدأت قبل 27 شباط، وستُستكمل، بحثاً في سبل الخروج من الأزمة في ظلّ الظروف المتحكمة بغياب الحكومة والشلل الذي اصاب معظم المؤسسات السياسية والدستورية والحكومية.
وبعد “سبت بكركي” سيبقى الصرح البطريركي محجة لمجموعة من القيادات السياسية والحزبية والوطنية، بغية تقويم ما بعد خطاب الراعي ومناقشة صاحبه في خلفيات ما قصد وما يمكن القيام به في قابل الايام.
وسيزور وفد من تيار “المستقبل” برئاسة النائب بهية الحريري بكركي قبل ظهر اليوم، للتشاور مع الراعي في مضمون خطابه والتطورات المتصلة بالأجواء الحكومية، وذلك في إطار جولة بدأها الوفد قبل ايام بزيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، على ان يلتقي لاحقاً شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، وتُستكمل الجولة بزيارة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
بكركي و”حزب الله”
تزامناً، كشفت مصادر مطلعة، انّ الاتصالات تجدّدت في الساعات الماضية بين اعضاء اللجنة المشتركة ما بين بكركي و”حزب الله”، والتي يترأسها من جانب الحزب عضو المكتب السياسي محمد الخنسا. وفي الوقت الذي لم تشأ مصادر قريبة من الحزب تأكيد الخبر او نفيه، رغم اعتقادها انّ الإتصالات لم تتوقف بين الطرفين في اكثر من محطة، عدا عن حركة اصدقاء مشتركين يتولون حمل الرسائل المتبادلة بينهما. وفي المقابل، لم تستغرب مصادر قريبة من بكركي وجود مثل هذه الإتصالات الروتينية، لكنها لم تشر الى اي معلومات تفصيلية حول توقيت التواصل ومضمونه.
وفيما علمت “الجمهورية”، انّه لم يكن هناك ارتياح لدى اوساط قريبة من عين التينة الى ما حصل في بكركي امس الاول لجهة بعض الهتافات والرسائل السياسية، قال عضو كتلة ”الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله: “لغبطة البطريرك أراؤه، ونحن لدينا آراؤنا، هو يرى في التدويل حلاً لمشكلة لبنان، ونحن نرى في هذا الطرح تعقيداً للمشكلة، لأنّ ما يهمّ الدول مصالحها ولها حساباتها، فالولايات المتحدة هي المؤثر الأساسي في الأمم المتحدة، ولا تنظر الى الأمور إلّا من زاوية المصالح والأطماع الاسرائيلية. فالبطريرك له توصيفه للوقائع والأزمة الحالية وأسبابها وطرق معالجتها، ونحن نختلف معه في هذا التوصيف. فلا يمكن تجاهل العامل الاسرائيلي عند الحديث عن التدويل الذي هو خطر على لبنان، ورأينا ما حلَّ في ليبيا والعراق وسوريا بسبب التدويل، فهل حمى المسيحيين، أين هم المسيحيون في هذه الدول؟ فلو لم تدافع عنهم الدولة السورية والمقاومة لما بقي منهم أحد هناك”. وأضاف: “البطريرك يعبّر عن وجهة نظر مجموعة من الناس الذين اجتمعوا عنده، بينما هناك فئات واسعة من الشعب اللبناني لا تؤيّد وضع لبنان تحت وصاية دولية، ولا أحد يستطيع اختصار الشعب اللبناني بموقفه من أي قضية، فهو يمثل مرجعية لفئة من اللبنانيين، وهناك مرجعيات أخرى لها تمثيلها ولكل منها دورها، ونحن نحترم هذه المرجعيات، وكل جهة تعطي المجد لمن ترى أنه أعطى المجد للبنان، وهناك طرق لمعرفة رأي اللبنانيين منها الاستفتاء والانتخابات، ونحن لا نناقش في موقع بكركي ودورها ومن تمثل، بل في الطرح السياسي الذي قدّمته وهو التدويل، الذي بيَّنت التجارب أنّ دخول الدول على لبنان سيؤدي إلى تهديد وجوده”.
وقال فضل الله: “يجب التفريق بين التدويل والمؤتمر الدولي من جهة وطلب المساعدة، وعدم الخلط بينهما. فنحن لا نمانع في تقديم يد العون للبنان، وتجاوبنا مع المبادرة الفرنسية، وهذا يختلف عن دعوة الدول لتفرض وصايتها على لبنان. فعدم اتفاق اللبنانيين على حلول داخلية لا يعني استدعاء الدول الأخرى لتفرض وصايتها”. وأضاف: “ما شهدناه في بكركي على مرأى ومسمع البطريرك، هو تجمّع لشتم فئة واسعة من اللبنانيين، وتهجمّ على فخامة رئيس الجمهورية. فهل يُناسب بكركي والبطريرك ما جرى أمامه من تعرّض لرئيس الجمهورية الذي هو رئيس البلاد وبحسب العرف يمثل المسيحيين في السلطة، وكذلك إطلاق الشتائم ضدّ فئة واسعة من اللبنانيين تمثلهم المقاومة، وهذا لا يختص فقط بجمهور “حزب الله”، كنا نتوقع تصرفاً مختلفاً حول ما حصل أمام البطريرك ولم نر أي ردّة فعل”. وتابع: “اللعبة مكشوفة في لبنان. هناك محاولة استهداف لرئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” في الشارع المسيحي لتحقيق مكاسب انتخابية، ولذلك يتمّ التصويب عليه تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى على سلاح المقاومة لتحميله مسؤولية الأزمة المالية والاقتصادية، وللقول للمسيحيين إنّ حليف التيار هو المسؤول عن معاناتكم”. واشار الى “انّ سياستنا لا تقوم على المقاطعة نتيجة الإختلاف في الرّأي، نحن أهل الحوار والتلاقي والوصول إلى تفاهمات وطنية، فهذا هو الأساس لحل المشاكل الداخلية وليس استدعاء الدول الأخرى للتدخّل، بل يمكن الإستعانة بها لتقديم العون والمساعدة لا أن تحلّ محل اللبنانيين. وعندما يقول البطريرك إننا نقاطعه منذ زيارته للقدس فهذه شبهة لديه او ربما نسي، نحن كنا معترضين على هذه الزيارة، لكن لم يكن ذلك سبباً لأي قطيعة، فهناك عدة زيارات علنية حصلت بعد تلك الزيارة، ويفترض بدوائر بكركي أن تذكّره بها”.
الراعي
وكان الراعي قال في عظة الاحد، انّ الذين احتشدوا في باحة البطريركية المارونية ”لدعم موقف البطريركية المطالب المجتمع الدولي بالوقوف الى جانب لبنان لكي يتمكن ان يكون ارضاً للتلاقي والعيش معاً والاحترام بين المسيحيين والمسلمين ودولة للصداقة والسلام المنفتحة على بلدان الشرق والغرب”. واشار الى أنّ “الحياد يمكنه تجنيب لبنان النزاعات والحروب ويمكنه ان يحصّن سيادته بقواه العسكرية الذاتية”، ومؤكّداً أنّ ”الجموع احتشدت للمطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص للبنان بسبب عجز الجماعة السياسية عن الحوار”.
الاستحقاق الحكومي
على الصعيد الحكومي، وفيما تشتد وطأة الأزمات الاجتماعية والخدماتية، لا تزال مساعي تشكيل الحكومة تراوح مكانها، من دون أن يبدي المعنيون اي استعداد لتبادل التنازلات حتى الآن.
وابلغت مصادر سياسية الى “الجمهورية”، انّه اذا صحّ انّ الحريري يستعد لرحلة جديدة الى الخارج تشمل موسكو وبرلين وربما لندن، فإنّ هذا يعني انّ ولادة الحكومة غير واردة قريباً، بل هي مرشحة الى مزيد من التأخير المكلف. واعتبرت “انّ الضغط الأميركي المستجد على السعودية من باب ملف مقتل جمال الخاشقجي، كان يجب ان يشكّل فرصة أمام الحريري للتعجيل في تشكيل الحكومة”.
بعبدا
ولم يُسجّل امس اي تحرّك على خط الاستحقاق الحكومي بين القصر الجمهوري و”بيت الوسط” يوحي باستئناف البحث بين المعنيين في سبيل انجازه.
ولخّص زوار قصر بعبدا لـ “الجمهورية” اجواء الرئاسة من ازمة تأليف الحكومة على النحو الآتي:
1- “لو كان الرئيس المكلّف يريد فعلاً ان يشكّل حكومة، لكنا رأيناه في بعبدا يومياً، يناقش ويعرض ويستمع ويقرّر مع فخامة الرئيس. بعبدا اقرب من اي عاصمة زارها ويزورها. ففي اي عاصمة سيشكّل حكومة لبنان؟”.
2- “لو كان الحريري يريد تشكيل حكومة لكان تواصل مع جميع الكتل النيابية بلا استثناء، وحتى ولو كانت حكومة اختصاصيين، فهي ايضاً تحتاج الى غطاء سياسي وثقة الكتل”.
3- “لو كان يريد تشكيل حكومة لكان احترم الميثاق، أي الشراكة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين، واحترم الدستور لجهة صلاحية رئيس الجمهورية وهي صلاحية كاملة وتشاركية مع صلاحية رئيس الحكومة في موضوع التشكيل، وإلّا لما كان المشرّع الدستوري أعطى الرئيس صلاحية اصدار مرسوم التشكيل”.
4- “لو كان يريد تشكيل حكومة كان على الاقل أخذ من لائحة رئيس الجمهورية التي سرّبها الحريري بنفسه. والواقع انّه لم يأخذ”.
5- “لو كان الحريري يريد تشكيل حكومة لكان رفع عدد اعضاء الحكومة الى 22 او 24، لكي لا يعطي رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط حصرية التمثيل المذهبي، فيصبح مالكاً مثل الشيعة حق “الفيتو”، إلّا اذا كان المقصود ان تملك الطوائف الاسلامية وحدها (سنّة وشيعة ودروز) القدرة على التعطيل ويمنع على المسيحيين ان يمتلكوا اي ضمان داخل مجلس الوزراء. ثم ان يرفع العدد الى 22 واكثر، يسمح بالالتزام بقاعدة الاختصاص، فلا يحصل اي وزير على حقيبتين لا علاقة لهما ببعضهما”.
في “بيت الوسط”
وفي المقابل، ظلّ الجمود مسيطراً في “بيت الوسط”، ولم تُسجّل اي مواقف بارزة إزاء اي حدث، وخصوصاً ازاء اي جديد يتصل بعملية تأليف الحكومة. ولم يُسجّل للرئيس المكلّف سعد الحريري اي نشاط معلن، في وقت افادت معلومات لـ “الجمهورية” انّ الحريري يعقد إجتماعات سياسية وديبلوماسية بعيداً من الاضواء، لرصد المواقف من عملية التأليف، بعدما تحولت هذه المحطة مفتاحاً لمرحلة الإعمار والتعافي فور تشكيل الحكومة، لتنطلق برامج الدعم الخارجية عن طريق الهبات او العقود والقروض المخصّصة لقطاعات مختلفة، ولا سيما منها تلك التي تعني حياة اللبنانيين اليومية، وخصوصاً في قطاع الطاقة والخدمات الطبية والتربوية.
وعلى رغم هذه التحضيرات الجارية، فإنّ اوساط تيار “المستقبل” قالت لـ”الجمهورية”، انّ عقبات كبيرة لا تزال تحول دون التوافق على التشكيلة الحكومية وتعوق ولادتها، بالصيغة التي تحدثت عنها المبادرة الفرنسية التي ما زالت مطروحة على الساحة الدولية، وهي تحظى بالإجماع ولم تتقدّم عليها اي مبادرة اخرى.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس، حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 2258 إصابة جديدة (2252 محلية و6 وافدة) ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 375033 اصابة، وكذلك تسجيل 40 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 4692 حالة منذ تفشي الوباء في شباط 2020.
وتمّ أمس تحديث جدول مراحل التخفيف التدريجي لقيود الإغلاق، مع الإبقاء على تدبير الخروج والولوج المعمول به إعتباراً من الساعة الثامنة وحتى الخامسة، مع إلزامية إرتداء الكمامةعند التنقل والتجول.
مع الإشارة الى أنّ المؤسسات التي يستوجب على المواطنين الاستحصال على اذن من المنصّة للذهاب اليها، هي الميني ماركت، والمصارف (50% من العاملين)، والمتاجر الكبرى، والسوبرماركت، ومراكز التزلج، إضافة الى المجمعات التجارية (malls).