تبعثر “العهد القوي” وصار قصاصات جمهورية هزيلة “مهلهلة” اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وديبلوماسياً وأمنياً، مستباحة بين ضفتي حدود التهريب وتصدير المخدرات، وحدود الصواريخ “اللقيطة” التي بدأت ترفع منسوب التوتر جنوباً وتنذر بخطر زجّ اللبنانيين في فوهة النار الإسرائيلية، لا سيما مع تكرار عمليات نصب منصات صاروخية وإطلاقها من الأراضي الجنوبية واستدراج ردود مدفعية على القرى اللبنانية، كما حصل أمس في خراج بلدة صديقين حيث قصف الجيش الإسرائيلي المنطقة بـ17 قذيفة، قبل أن يعثر الجيش اللبناني على 4 منصات فارغة وصاروخ خامس كان مُعداً للإطلاق.
وبمعزل عن الأهداف الكامنة وراء محاولات تسخين جبهة الجنوب، سواءً كانت تقتصر على “الرسائل” التضامنية مع غزة، أو أنها ستتعداها إلى “مغامرات” أبعد مدى لتبلغ مدار المفاوضات “النووية”، يبقى أنّ الثابت الأكيد بنظر الغرب والعرب أنّ لبنان الرسمي في ظل سطوة العهد العوني بات رهينة أجندة عابرة للحدود تعمل على طمس هويته وكيانه وانتزاعه من بني جلدته العربية لصالح إلحاقه بأجندة محور الممانعة، كما سبق وفاخر القيادي العوني بيار رفول، وصولاً إلى استماتة وزير الخارجية العوني شربل وهبه في الدفاع عن طهران والهجوم على الدول العربية وشعوبها، بأسلوب وقح فجّ لم يتحمّل فجاجته رعاته العونيون فقدّموه “كبش محرقة” على مذبح “الخارجية”، بينما سارعت الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، في الداخل والمهجر، إلى التبرؤ من النزعة العدائية للعرب، على وقع تقاطر القوى والشخصيات السياسية والدينية بالأمس إلى مقرّ السفارة السعودية تأكيداً على تموضع لبنان تحت “خيمة” العرب وفي كنف بيئته العربية الحاضنة.
وعلى الأثر، توالت التصريحات السعودية الرسمية المعبّرة عن امتنان المملكة للتضامن اللبناني في أعقاب كلام وهبه “العنصري الذي لا يعبّر عن الشعب اللبناني” حسبما نوّه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بالتوازي مع طمأنة السفير السعودي وليد بخاري إلى عدم التعرض لأي مقيم لبناني على الأراضي السعودية وأنّ ما يشاع في هذا المجال ليس سوى “أكاذيب وتضليل”، مشدداً على أنّ ما هو “أهمّ” من اعتذار وهبه وتنحيته من مهامه في وزارة الخارجية هو إجراء “مراجعة حقيقية للسياسات الخارجية اللبنانية”.
ومن “البلبلة” الديبلوماسية إلى “البلبلة” النيابية، تتجه الأنظار غداً إلى قصر الأونيسكو لترقب وقائع الجلسة العامة التي حددها رئيس المجلس النيابي نبيه بري موعداً لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، التي صاغها على شكل “مضبطة اتهام” بحق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لحضّ المجلس على نزع التكليف عنه عنوةً عن نصّ الدستور. وبينما ترددت معلومات عن عزم الحريري حضور الجلسة شخصياً للرد على رسالة عون، جاء الردّ المبدئي أمس على لسان رؤساء الحكومات السابقين بالتصويب على اعتماد رئيس الجمهورية في رسالته سياسة “تحوير الحقائق” و”الإطاحة بأحكام الدستور” والتعمية على تحمله شخصياً مسؤولية مباشرة عن وضع عراقيل متعددة في طريق الرئيس المكلف حالت دون تأليف الحكومة، ومنها محاولته “فرض الثلث المعطل وأعرافاً جديدة أخرى متعارضة مع أحكام الدستور ولا يقرها نظامنا الديموقراطي البرلماني”، واستغربوا إعطاء عون نفسه “دور الوصي على مهمة ودور رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة وتجاوز ذلك الى إعطاء نفسه دور الضابط والمحدد لمهمته، سواءً لجهة إلزامه بمعايير يحددها له في تشكيل الحكومة أو وضع قيود أو شكليات يجب اتباعها بما يجعله في حالة من التبعية لرئيس الجمهورية، وبما ينزع عن رئيس الحكومة دوره الدستوري المسؤول عن عملية التشكيل”.
وتحضيراً لانعقاد جلسة الجمعة، كشفت مصادر نيابية لـ”نداء الوطن” أنّ رئيس المجلس يعمل على “تطويق ومحاصرة مفاعيل الشرخ الميثاقي في مضامين رسالة عون”، موضحةً أنه حصر الدعوة إلى عقد جلسة الغد بـ”تلاوة” الرسالة، وفي حال تلقى ضمانات باقتصار الكلمات الجوابية على رسالة عون بعدد محدد من ممثلي الكتل، يمكن عندها إعطاء المجال لمناقشتها في الجلسة نفسها، وإلا فإنه سيعمد إلى رفع الجلسة فور الانتهاء من تلاوة الرسالة على أن يحدد موعداً جديداً لمناقشتها بعد عطلة نهاية الأسبوع.
واليوم، يطلّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إعلامياً للتشديد على أهمية “التسوية” باعتبار أنه “لا مفر ولا بديل عنها لتشكيل الحكومة”، كما نقلت مصادر اشتراكية لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ “العنوان الأساس والهمّ الأساس” لجنبلاط في هذه المرحلة يتمحور حول “الوضع الاجتماعي والمعيشي الضاغط في ظل تسارع وتيرة الانهيار والتهريب، ولا بد بالتالي من الوصول إلى تسوية حكومية تتيح الشروع في البدء بالمعالجات اللازمة اجتماعياً واقتصادياً، لأنّ الناس “ما بقى تحمل” والحكومة هي المفتاح الوحيد لباب المساعدات الخارجية للبنان”.
وإذ لا يستثني جنبلاط أيا من طرفي التأليف في تحمّل مسؤولية إفشال التسوية التي سبق أن طرحها في محاولة لإحداث التقارب الحكومي بين عون والحريري، تؤكد المصادر أن جنبلاط ينطلق في قناعاته التسووية من وجوب تقطيع المرحلة بأقل أضرار ممكنة بعيداً من المهاترات والمزيد من محاولات “صب الزيت على النار”، خصوصاً أن قوى الخارج بدأت تتقارب وتجلس مع بعضها البعض “ونحنا شو بعدنا ناطرين”؟.