لن يكون تعميم التحرير التدريجي للودائع بالدولار سوى تعويض هزيل للمودعين قياساً على الخسائر التي تكبدوها، فضلاً عن أثره السلبي على سعر الصرف. هذا التعميم هو جزء من عملية توزيع الخسائر التي يقودها مصرف لبنان منذ أكثر من سنة ونصف سنة، ولن يمنح المودعون كامل أرصدتهم، بل 50 ألف دولار كحد أقصى على مدى خمس سنوات بعد توحيد الحسابات العائدة لجهة واحدة وبعد حسم الأموال المجمدة كضمانة وقروض الدولار المسدّدة بالليرة
عقد أمس اجتماع بين جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة انتهى إلى اتفاق أولي على تطبيق قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان القاضي بتحرير تدريجي للودائع، ما فتح الباب أمام صدور التعميم هذا الأسبوع. وبحسب مصادر المجتمعين، فإن المصارف أبدت معارضة لمشروع التعميم، لكنها أجبرت على الخضوع تحت طائلة المادة السابعة منه والتي تلزم المصارف المخالفة بإعادة السيولة الخارجية التي منحها إياها مصرف لبنان.
خطوة “المركزي” التي تندرج في إطار تنظيم القيود على السحب والتحويلات، أي ما يسمى “كابيتال كونترول”، سبقت مشروع القانون الذي يدرسه مجلس النواب، وهي تعني أن مصرف لبنان، خلافاً لزعمه السابق بأنه ليس صاحب صلاحية في تنظيم القيود، كان بإمكانه تنظيم هذه العملية على نطاق واسع مبكراً، وليس بشكلها الضيّق المتأخر سنة ونصف سنة.
النقاشات التي أثيرت في اللقاء أمس، تشير إلى أن الهدف من التعميم تحرير 50 ألف دولار لكل مودع على مدى خمس سنوات. سيحصل المودع شهرياً على 400 دولار نقداً و5 ملايين ليرة نصفها نقداً ونصفها عبر البطاقات المصرفية. وخلال السنة الأولى من تطبيق التعميم، سيتم إقفال كل شريحة الحسابات التي تقل عن 10 آلاف دولار. أما الكلفة الإجمالية المقدرة على الفترة كلّها، اي خمس سنوات، فستبلغ 20 مليار دولار نصفها يدفع بالليرة اللبنانية على سعر المنصّة، من اصل ودائع بقيمة 106 مليارات دولار، و10 مليارات نقداً أو محوّلة إلى الخارج على أن تموّل مناصفة بين مصرف لبنان (احتياطات العملة الأجنبية) والمصارف. والنقاش يتركّز حالياً حول الأثر السلبي لهذا التعميم على سعر الصرف، إذ يتوقع أن تغذّي طباعة هذه الكمية من النقود ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة.
أمس سُرّبت مسودة التعميم المتوقع صدوره قريباً، علماً بأنه يتوقع إدخال تعديلات عليها بعد اللقاء بين الحاكم وجمعية المصارف. تحدّد المسودة، آلية التحرير التدريجي للودائع وشروط استفادة المودعين. إذا أقرّ التعميم كما ورد في المسودة، فهذا يعني أنه سيتم جمع كل الحسابات العائدة للمودع في حساب خاص أو حسابات خاصة لغاية 50 ألف دولار، وستحسم منها القروض بالدولار التي سدّدت بالليرة، والضمانات النقدية المجمّدة. وفي المقابل، يزعم مصرف لبنان انه سيعاقب المصارف التي ترفض تطبيق التعميم عبر سحب السيولة الخارجية التي منحها إياها سابقاً.
بحسب مشروع التعميم، سيتم التعامل مع حسابات الودائع على أساس الحسابات المفتوحة لدى المصارف قبل 31/10/2019، محتسبة على أساس الأرصدة الموقوفة بتاريخ 31/3/2021، ضمن الشروط الآتية:
- يُعتمد مجموع أرصدة حسابات المودع الدائنة كافة، مضافاً إليها الحسابات ذات الصلة التي يشارك أو يكون طرفاً فيها أو يستفيد منها (الحساب المشترك، أو بالاتحاد…) لدى أي مصرف على حدة.
- يحسم من حسابات المودع قيمة الأرصدة المجمّدة كضمانة نقدية، وقيمة الجزء من حساباته المدينة (القروض) بالعملات الأجنبية لدى المصرف المعني والمسددة بالليرة اللبنانية استناداً إلى أحكام المقطع خامساً من المادة الثالثة مكرر من القرار الأساس الرقم 7776 المعدل بموجب التعميم الوسيط الرقم 568 (يسمح هذا التعميم بتسديد قروض التجزئة بما فيها القروض الشخصية الممنوحة بالدولار، بالليرة اللبنانية على سعر صرف وسطي يبلغ 1507.5 ليرات، بشرط أن يكون العميل مقيماً في لبنان، وأن لا يكون لديه حساب بالدولار يمكن تسديد القرض منه، وأن لا تتجاوز قيمة القرض السكني 800 ألف دولار).
- لا يستفيد أي مودع إذا كان من أعضاء مجلس إدارة المصرف وكبار المساهمين والإدارة العليا التنفيذية إذا لم يقم بإعادة النسبة المحددة لهم في التعميم 154 والبالغة 30% من مجموع تحويلاتهم إلى الخارج بين 1 تموز 2017 و27 آب 2020.
- يتوجب على المودع أن يطلب من المصرف فتح “حساب خاص فرعي” يحوّل إليه رصيد مجموع حساباته لدى المصرف المعني بالدولار أو بأي عملة أجنبية أخرى، إذا لم يتجاوز ما يوازي 50 ألف دولار، أو مبلغ 50 ألف دولار إذا تجاوز الرصيد هذا المبلغ. وفي حال تعدد الحسابات لدى مصرف معيّن، يتم تحديد الحساب أو الحسابات التي سيتم التحويل منها إلى الحساب الخاص بالاتفاق بين الفريقين.
- يدفع لكل حساب خاص مبلغ 400 دولار نقداً أو عن طريق تحويل إلى الخارج أو إلى البطاقات المصرفية التي يمكن استعمالها في لبنان والخارج. كذلك يدفع مبلغ 400 دولار بالليرة اللبنانية على أساس سعر المنصّة الإلكترونية لعمليات الصرافة ويدفع نصفها للمودع نقداً ونصفها في البطاقات المصرفية. ويعود للمودع سحب المبالغ المحررة في أي وقت يشاء.
- يتم تأمين السيولة لتلبية متطلبات هذا التعميم مناصفة من سيولة المصرف المعني لدى المراسلين في الخارج ومن التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية العائدة للمصرف المعني لدى مصرف لبنان والتي يحرّرها هذا الأخير، على أن توزّع وفقاً لحجم كل مصرف وحصّته من هذه التوظيفات.
- يحوّل مصرف لبنان شهرياً الأموال المتوجبة للمصارف الملتزمة بالتعميم من سيولته الخارجية تحت طائلة تحميل المصرف المعني المسؤولية إذا استعملت هذه المبالغ لغايات غير محددة في التعميم.
- يمنع على المصارف أن تستعمل ودائعها لدى المصارف المراسلة مقابل الودائع والأموال المحوّلة لها بعد تاريخ 9 نيسان 2020 والتي أتاح لها مصرف لبنان استعمالها لتسديدها نقداً للزبائن مقابل إعفاءات من الاحتياط الإلزامي. بمعنى آخر، يحصر تسديد الودائع المحرّرة بتمويل من الودائع الجديدة التي تلقّتها المصارف بعد التاريخ المذكور.
- على المودعين أن يرفعوا السرية المصرفية عن الحسابات الخاصة لمصلحة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. ويفوّض مراقبو المراقبة بالتأكيد من صحة تنفيذ هذا التعميم وإبلاغ مصرف لبنان ولجنة الرقابة عن كل مخالفة.
- تتابع لجنة الرقابة على المصارف كل شكوى من مودع متضرّر، شرط موافقته على رفع السرية المصرفية عن حساباته.
- تطبق شروط هذا القرار لمدة سنة قابلة للتعديل أو للتجديد، ويبقى سارياً لغاية تحرير جميع الأموال المحوّلة إلى ”الحساب الخاص المتفرّع”.