إنه الواقع الأسود الذي بات اللبنانيون رهائنه. واقع العتمة وتبعات انقطاع الكهرباء، الذي لن يجدي معه نفعاً فكّ أسر اعتماد سلفة خزينة جاءت هذه المرة بموافقة استثنائية ممهورة بتوقيع رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال، فهذا أقل من أن يُوصف بالحل المؤقت لأزمة لا تكاد تخبو لتعود وتطلّ برأسها.
وهكذا الأزمات تتوالد وتتكاثر، وقد حلّت في القطاع الصحي انقطاعاً في الأدوية والمستلزمات الطبية والبنج، وتقنيناً في موافقات الدخول الى المستشفيات، وتمييزاً بين مريض وآخر على قاعدة مَن لا يزال قادراً على الصمود أكثر في وجه المرض.
ورغم كل هذا البؤس، لا شيء تغيّر لدى القيّمين على أمور العباد والبلاد، ليتجلّى الانفصام بأبشع حلله بين شعب يكاد يقتله اليأس وغداً المرض والجوع، وبين مسؤولين لا يرفّ جفنهم الا متى دعت الصلاحيات والمصالح ومستقبل هذا أو ذاك. وها هي الحكومة لا تزال رهينة رغم كل ما جرى ويجري من مساعٍ ومبادرات، إلا أن الحقيقة في مكان آخر تماماً.
مصادر سياسية مطلعة كشفت عبر جريدة “الانباء” الالكترونية أن كل الأجواء الايجابية والمريحة التي يتم تسويقها ليست الا مجرّد جرعات تفاؤلية وشيكات من حساب بلا رصيد، “فالتعنت لا يزال على حاله من قبل الطرفين”.
المصادر كشفت أن “عقدة الوزيرين المسيحيين ليست الا مشكلة ظاهرية لا تعكس حقيقة العراقيل، وبعضها بامتدادات خارجية، حيث يبدو أن لا ضوء أخضر بعد لتأليف الحكومة”، متسائلة عن مصير المبادرة الفرنسية وعمّا اذا كانت القوى السياسية فعلاً تريدها وتريد لها النجاح.
وأكدت المصادر أن “الوقت لم يعد في صالحنا، وأن أي حكومة قد تتشكل لن تتمكن من القيام بأي برنامج في الوقت المتبقي قبل الانتخابات، وجلّ ما ستقوم به هو محاولة تجميد الانهيار ليس الا”.
وأمام هذا الواقع والجمود السياسي الحاصل، لفت عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور إلى أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قدّم كل ما يُمكن من تنازلات وسعى جاهداً من أجل تسهيل تشكيل الحكومة ودعا الآخرين لتقديم تنازلات أيضاً، موضحاً أن “التقدمي” كما في كل تاريخه يتبنّى مطالب المواطنين وهو لذلك يدعو الى حكومة للانقاذ، وهذا مطلب لا يعلو عليه أي مطلب في هذه المرحلة.
لكن أبو فاعور أشار في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية الى انه “في ضوء الواقع القائم لا تقدم في مفاوضات تشكيل الحكومة منذ اللقاءات التي عقدت الاسبوع الماضي، والاتصالات شبه مجمدة وبالتالي، أما مصير المواطن اللبناني مرهون بالصراعات التي تجري، وهو لن يصبر طويلا على هذا الذل اليومي الذي يعيشه في دوائه واستشفائه وأكله ومتطلبات حياته الأساسية، ولم يعد يعنيه التمييز بين رأي سياسي وآخر”.
واعتبر أبو فاعور أن “النقاش حول الحكومة لم يعد يقع في نطاق السياسة، بل بات يقع في نطاق المسؤولية الاخلاقية تجاه اللبنانيين”. ورأى أن الأفق مسدود، وبالتالي حذّر من مغبة “التوجه هو إلى مزيد من الإنهيارات والمشكلات، وعندها مستوى النقمة سيرتفع”.
وتخوف أبو فاعور من “الوصول إلى الفراغ الكامل وتداعي المؤسسات الدستورية رويداً رويداً”، محذّراً من أنه ”عندها ستتوجه القوى إلى خطط وإجراءات ذاتية مناطقية، وبذلك ستعم الفوضى”.
من جهته، رأى عضو كتلة المستقبل النائب عاصم عراجي ان “لا امكانية لتشكيل حكومة في ظل الشروط المفروضة على الرئيس المكلف سعد الحريري”، متوقعا موقفاً مفاجئًا للحريري في الأيام المقبلة.
وسأل عراجي عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية: “كيف يمكن للحريري ان يشكل حكومة في وقت ما زال فيه الفريق المعطل يصرّ على عدم التعامل مع الحريري؟ ما يعني ان دوره سيكون مكبلا وهو يرفض ذلك، فيما البلد يستمر في الغرق الى الهاوية”. وقال: “بعد هذه الأزمة لا يمكن لأي شخصية سياسية ان تؤلف حكومة دون موافقة المجتمع الدولي والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي”، متخوفاً من “ذهاب لبنان الى أزمة كبيرة بعد فقدان معظم اصناف الدواء فيما التهريب على قدم وساق وخاصة القمح والطحين والمازوت”.
بدورها، نقلت أوساط عين التينة لجريدة “الأنباء” الالكترونية تمسك الرئيس نبيه بري بمبادرته “أكثر من أي وقت مضى، فالبديل عنها خراب لبنان، وبري والمخلصون امثاله يرفضون رفضا قاطعا استمرار الوضع القائم على ما هو عليه، مشددة على ان بري لن يسمح على الاطلاق بأن ينهار البلد وهو موجود”.