فقد اللبنانيون الحد الأدنى من مقومات العيش، حتى الإستشفاء باتوا محرومين منه بعد الانهيار الشامل الذي يشهده القطاع الصحي في ظل غياب الدواء والمستلزمات الطبية وهجرة الأطباء وعجز الجهات الضامنة عن دفع المستحقات وارتفاع سعر صرف الدولار. هكذا يُطبق الانهيار التام على البلاد من كل حدب وصوب.
سيكون “طابور الذل” شعار المرحلة المقبلة، فبعد أن بات اصطفاف المواطنين في الطوابير أمام محطات المحروقات والمصارف والأفران، سيصبح “طابور المستشفى” أيضاً روتيناً يومياً مع إعلان المستشفيات عن تقليص خدماتها واستقبال أعداد محددة من المرضى، أو إقفال أقسام فيها. إذا بتنا في بلد الطوابير.
على الخط الحكومي، المراوحة سمة المرحلة رغم حركة رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ لا تأليف ولا تنازل ولا إعتذار. التشدد مستمر، واختلاق العراقيل بات فنّا يتقنه المعنيون بتشكيل الحكومة، وهم الذين يفضلون خوض المعارك الوهمية لشد العصب الطائفي والحزبي، على إنضاج تسوية قد تكون بعيدةً عن الشعبوية، لكنها بالتأكيد لمصلحة المواطنين.
في السياق نفسه، كشفت مصادر عليمة لجريدة “الأنباء” الإلكترونية رغبة الرئيس المكلف سعد الحريري بالإعتذار عن التكليف “كي لا يُتهم بالتعطيل ومساواته بالنائب جبران باسيل، وهو ما يرفضه الحريري ولا يقبل به على نفسه”.
وأشارت المصادر إلى أنه “على الرغم من نية الحريري الصادقة بالاتجاه للإعتذار، ما زال رئيس مجلس النواب نبيه بري متمسكًا بمبادرته باعتبارها مبادرة الفرصة الأخيرة ومن بعدها الطوفان بحسب البيان الذي صدر عقب إجتماع للمكتب السياسي لحركة أمل والذي شدد على اعتبار مبادرة الرئيس بري المخرج الوحيد لإنتشال لبنان من الأزمة التي يتخبط بها منذ أكثر من ثمانية أشهر، محملاً المسؤولية في عدم تشكيل الحكومة لكل الجهات التي عملت على التعطيل وعدم التقاط اللحظة لإخراج لبنان من المستنقع الذي وُضع فيه بعد السابع عشر من تشرين الأول 2019”.
من جهتها، أكدت مصادر بيت الوسط عبر “الانباء” الالكترونية “رغبة الحريري بالاعتذار، وكان ربط موضوع الاعتذار باستقالات الكتل النيابية التي تحدث عنها جبران باسيل في مؤتمره الصحافي، وبالأخص تكتل لبنان القوي وتكتل الجمهورية القوية، ولدى اكتشاف الحريري أن التلويح بالاستقالة من البرلمان والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة مجرد مناورة، قرر حسم خياره في موضوع الاعتذار عن التكليف، لأنه يرفض رفضاً قاطعًا أن يشكل حكومة بشروط باسيل ولا تحظى برضى المجتمعين العربي والدولي اللذين يرفضان التعاطي مع حكومة يمتلك فيها باسيل او العهد الثلث الضامن”.
بدوره اكتفى عضو تكتل “لبنان القوي” النائب فريد البستاني بوصف الأزمة الحكومية بكلمتين، “راوح مكانك”، مؤكدًا انه “لا يرى حكومة في المدى المنظور”.
حياتياً، أثار إعلان نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون توجه المستشفيات إلى تخفيف استقبال المرضى، مع اعتماد بعض المستشفيات على كوتا معينة بالنسبة لمرضى الجهات الضامنة، قلق الناس وخوفهم من خسارتهم امكانية الاستشفاء، في بلد خسروا فيه كل شيء.
في هذا السياق، أكد هارون توجه عدد كبير من المستشفيات نحو تقليص حجم خدماتها وخفض عدد الأسرّة لأنها لم تعد قادرة على تحمّل التكاليف ووقوعها في العجز.
وفي إتصال مع “الأنباء” الإلكترونية، أشار هارون إلى ان “سبب عجز المستشفيات هو تأخر الجهات الضامنة عن دفع مستحقاتها وعدم قدرة هذه الجهات على رفع الفاتورة الاستشفائية، كما واستهلاك المستشفيات موادًا غير مدعومة، كالطعام وأدوات التعقيم وغيرها، أما المستلزمات الطبية التي لا زالت مدرجة على لوائح الدعم، فأسعارها تضاعفت جراء دفع 15% من سعرها وفق دولار السوق السوداء، خصوصاً مع ارتفاع سعر صرف الدولار”.
إلّا أن هارون كشف عن مسعى لوزير المالية غازي وزني لدفع 101 مليار ليرة للمستشفيات، لكنه بدا متشائمًا بسبب المماطلة وإضاعة الوقت بين وزارتي المالية والصحة لإنجاز المعاملات.
وختم هارون حديثه لافتًا إلى أن “المستشفيات لا تلقى أي دعم من الخارج للصمود، رغم الاتصال بالمنظمات الدولية، لأن هذه المنظمات والدول المانحة تربط كل المساعدات بالشروط المعروفة، ألا وهي تشكيل الحكومة والقيام بالإصلاحات”.
في سياق آخر، وبعد أن أقرت لجنة المال والموازنة النيابية قانون الكابيتال كونترول، رأى الخبير المالي أديب طعمة أن “قانون الكابيتال كونترول تأخر سنتين وهو ما كان يجب إقراره في العام 2019 بعد الانتفاضة فورًا وقبل أن يبدأ تهريب الأموال”.
وسأل طعمة عبر “الأنباء”: “عن أي كابيتال كونترول يتحدثون في وقت لم يحصل فيه كشف حساب للمصارف؟”، متهماً الهيئات الاقتصادية وحاكم مصرف لبنان بالاتفاق الضمني في ما بينهم والتلهي بلعبة الشطرنج، وقال: “يجب أن نعرف مصير أموال المودعين في مصرف لبنان وفي المصارف”، منتقدا سياسة “التخبيص بتخبيص” وإلقاء المسؤولية على بعضهم البعض.
وعما اذا كان البلد متجهًا إلى الانهيار بسبب هذه السياسة، اعتبر طعمة ان “الانهيار موجود بنسبة 90% بين الناس”، مشددًا على فرضية “انهيار البلد وأنه من غير المقبول ان تعود الأمور الى طبيعتها بوجود هذه السلطة الحاكمة”، مستبعدًا دفع أي قرش لمساعدة لبنان، متهمًا المصارف وحاكم مصرف لبنان بـ”تصفية حساباتهم مع المودعين عن طريق الضحك على الناس، وبعد أن هرّب كبار المودعين حساباتهم إلى الخارج جاؤوا اليوم بالكابيتال كونترول