للمرة الأولى منذ تكليف الرئيس سعد الحريري يتقدّم خيار الاعتذار على خيار الاستمرار في التكليف، وبدأ النقاش الجدّي في إيجابيات كل من الخيارين وسلبياته، خصوصاً مع وصول معظم المعنيين إلى إقتناع بأنّ العهد يفضِّل استمرار الفراغ مع حكومة تصريف الأعمال على تأليف حكومة مع الحريري، وكل العِقد القديمة والمُحدَثة تؤكّد ان لا رغبة في تأليف حكومة، وانّ الرئيس المكلّف أمام خيارين: الاستمرار في التكليف على رغم ضغط الوضع المالي والشعبي والسياسي والمرشّح إلى التصاعد مع تفاقم الأزمة المالية، او الاعتذار وترك العهد يتخبّط بأزمته ويتحمّل مسؤولياته، لأنّه حاول الخروج من هذه الأزمة من خلال الحكومة المستقيلة وفشل، واي محاولة جديدة لن تختلف عن سابقاتها. ولكن، في مقابل هذين الخيارين، سادت امس معطيات عن احتمال انكشاح العراقيل، بما يؤدي الى ولادة الحكومة هذا الاسبوع. وذلك في ضوء اتصالات ومشاورات ناشطة يجريها رئيس مجلس النواب نبيه بري في كل الاتجاهات.
فالتأليف لا يصطدم فقط في عِقَد الحقائب والتسميات والتوازنات، إنما يصطدم في شكل أساسي بدور هذه الحكومة في ثلاث محطات أساسية:
ـ دورها أولاً في الانتخابات النيابية في حال حصولها ولَم تؤجّل.
ـ دورها ثانياً في الانتخابات الرئاسية في حال استمرت بفعل التمديد النيابي.
ـ دورها ثالثاً في مرحلة الفراغ الرئاسي وانتقال السلطات التنفيذية إليها.
ويُضاف دور رابع له علاقة بالإصلاحات والخطوات التي ستعتمدها الحكومة.
ومن هنا أهمية الحكومة العتيدة التي لا يمكن ان تؤلّف من دون اتفاق سياسي على دورها، ومن دون لقاء يجمع الرئيس المكلّف ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ولكن الحريري ليس في وارد اللقاء مع باسيل ولا إبرام تسوية معه حول دور الحكومة العتيدة في الاستحقاقات الدستورية التي يعتبرها باسيل مفصلية لمستقبله السياسي. ولذلك، إما ان يستمر الفراغ مع كل انعكاساته السلبية مالياً وشعبياً، وإما ان يعتذر الحريري، فاتحاً الباب أمام مرحلة جديدة إن في دوره، او في مسار الحكومة.
هذا الاسبوع
وفي هذه الاثناء، قالت مصادر قريبة من الحريري لـ«الجمهورية» أمس، انّه خلافاً لما يُشاع، فإنّ الرجل ليس في وارد الاعتذار، وانه يعوّل على المساعي التي يبذلها رئيس مجلس النواب، والتي ستنشط اليوم، من اجل تذليل العقَِد التي تعترض ولادة الحكومة، خصوصاً لجهة تسمية الوزيرين المسيحيين، ومنح تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل الثقة للحكومة.
واكّدت هذه المصادر، انّ الحكومة ستصدر مراسيمها هذا الاسبوع، وعلى الارجح بعد غد الاربعاء. وخصوصاً بعدما تبين للمعنيين انّ اعتذار الحريري سيزيد الاوضاع السياسية تعقيداً، وستنعكس سلباً على العلاقات بين مختلف القوى المعنية بالاستحقاق الحكومي، وكذلك سيزيد الازمة الاقتصادية والمالية تدهوراً.
وتعليقاً على محاولات دفع الحريري الى الاعتذار، قال بري لـ«الجمهورية»: «من هو البديل عنه؟ هل لديهم بديل مقنع وحقيقي قادر على مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاطر الانهيار؟».
ولفت بري الى «انّ مسألة تغيير الرئيس المكلّف هي أكثر تعقيداً مما يفترض البعض»، مضيفاً: «عليهم ان يقنعوني بالبديل، ويقنعوا أيضاً الأخ السيد حسن نصرالله والمجلس الشرعي الإسلامي والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي».
وأكّد بري انّ مبادرته ستستمر، مشدّداً على أنّ «لا خيار سواها. وبالتالي انا متمسك بها».
تريث
ولكن في رواية أخرى، قالت مصادر مطلعة، انّه على مسافة أيام قليلة من الحديث عن إمكان اعتذار الحريري، فرملت أحداث ليل الجمعة ـ السبت ويوم السبت الخطوة من دون ان تلغيها. فبعد تمني بري بداية ليل الجمعة على الحريري تأجيل خطوته الحاسمة لثلاثة ايام، تلاحقت المواقف التي تناغمت مع هذه الرغبة من دون اي تنسيق مسبق.
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»، انّ ما شهده اجتماع المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وحضور الحريري، شكّل محطة إضافية لدعوة الحريري الى التريث في خطوة اعتذاره قبل الإعلان عن انتهاء مبادرة بري. فبعد ساعة ونصف الساعة على المناقشات التي تلت مداخلة الحريري، الذي استهل بها اللقاء بعد كلمة للمفتي دريان وشرحه للظروف التي املت مشاركة الحريري فيه شخصياً، انتهت الى فرملة خطوات الرئيس المكلّف من دون ان تلغيها نهائياً، وهو ما تجدّد في اللقاء الذي جمعه في «بيت الوسط» بعد ظهر اليوم عينه مع رؤساء الحكومات السابقين.
خطوات مشتركة
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ الاتصالات لم تتوقف في الساعات الماضية بين «بيت الوسط» و«عين التينة». ولا يُستبعد ان يُعقد اجتماع بين بري والحريري في الساعات المقبلة، يمكن ان يشكّل بوصلة المرحلة المقبلة، وخصوصاً انّ هناك من يتحدث عن سيناريو التزامن بين إعلان بري انتهاء مبادرته ويلاقيه الحريري باعتذاره في اول ترجمة لها.
لقاء دار الفتوى
واستند اصحاب هذا السيناريو الى مضمون كلمة الحريري في اجتماع المجلس الشرعي، حيث شدّد على «أنّ كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وأنّه لن ينفرد باتخاذ أي خيار من هذه الخيارات، سواء باستمراره في مهمته التي استمدها من البرلمان، أو بالاعتذار عن التأليف من دون العودة إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمجلس الشرعي الإسلامي ورؤساء الحكومات السابقين»…
وما شجع على هذا الاعتقاد، انّ الحريري افاض في حديثه عن التعاون مع بري لمواجهة سلسلة العراقيل التي يمكن ان تنهي مبادرته، لتلقى مصير المبادرات السابقة، حتى تلك التي حملتها الديبلوماسية الفرنسية على مدى الأشهر الثمانية الماضية. فهو اكّد في اللقاء عينه على انّ بري هو «الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي منذ اللحظة الأولى لتكليفي بتشكيل الحكومة؛ لم يتركني أبداً، ولم أسمع منه أو يُنقل عنه أي حرف أو كلمة توحي بأنّه تخلّى عني». كما لفت الى لقاء قريب معه لاستعراض المراحل السابقة التي جعلته يتراجع عن تركيبة الـ 18 وزيراً الى الـ 24، بهدف تذليل العقبات، ولكن ما طرحه باسيل من شروط لاحقاً أدّت الى ما نحن فيه اليوم».
وانتهى الحريري في مداخلته الى التحذير مما يمكن ان تصل اليه البلاد، وسط استعدادات لمعارضيه، اعاقوا تشكيل حكومة «تحاكي مطالب المجتمع الدولي وخريطة الطريق الى اعادة الاعمار والإنقاذ»، بأنّهم يسعون الى تحميله المسؤولية، متناسين انّهم هم المسؤولون ومعهم حكومة تصريف الاعمال. واي محاولة لتحميل الرئيس المكلّف تشكيل حكومة لم تولد بعد، امر لا يستجدي الصدق والمنطق من اي مكان.
الشعب المحروق
وفي المواقف، توجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد الى «المسؤولين الذين يعطلون تأليف الحكومة ونهوض الدولة»، قائلاً: «لقد عرفنا سياسة الأرض المحروقة، لكننا نرى في هذه الأيام سياسة الشعب المحروق. العالم كله ينتظرنا لكي يتمكن من مدّ يد المساعدة من أجل إنهاض الدولة. أما أنتم فغارقون في لعبة جهنمية، في الأنانيات والأخطاء، في سوء التقدير وسوء الحوكمة، في المحاصصة والمكاسب، وفي السير عكس أماني شعبنا». واضاف: «هذه البلاد ليست ملكية خاصة لكي تسمحوا لأنفسكم بتفليسها وتدميرها. هذه الدولة هي ملك شعبها وتاريخها وأجيالها الطالعة. أمام عدم معالجة الأمور العامة الحياتية، نتساءل إذا ما كنتم مكلفين بتدمير بلادنا، وإلّا لِمَ هذا الجمود فيما فرص المعالجة متوافرة، ونحن في زمن فيه حلول لكل شيء؟». ودعا الدولة إلى «التحرك نحو الدول الشقيقة والصديقة وتتفاوض معها لمساعدة لبنان اليوم قبل غد». وقال: «لقد حان الوقت لخروج الدولة من لعبة المحاور الإقليمية، وتعيد النظر بخياراتها التي أثبتت التطورات أنّها لا تصبّ في مصلحة البلاد والاستقلال والاستقرار والوحدة والازدهار، وأنّها قضت على علاقات لبنان العربية والدولية». واضاف: «رغم فداحة الأزمة، الحلول موجودة وسبل الإنقاذ متوافرة، لكن هناك من يمنعون تنفيذ الحلول كما يمنعون تأليف الحكومة. هناك من يريد أن يقفل البلاد ويتسلّم مفاتيحها. هذه رهانات خاطئة. هذا بلد لا تُسلّم مقاليده لأحد ولا يستسلم أمامَ أحد. جذوة النضال في القلوب حيّة. بلادنا تمتلك، رغم الانهيار، جميع طاقات الإنقاذ، لكنها تحتاج إلى قيادة حكيمة وشجاعة ووطنية تحب شعبها».
عودة
وتوجّه متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة خلال قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت الى رئيس الجمهورية ميشال عون قائلاً: «فخامة الرئيس، أستحلفك بأحفادك الذين ترى الحياة في عيونهم أن تنزل إلى الشارع واستمع إلى شعبك وعاين الذلّ الذي يعيشه. هل تقبل أن يموت إنسان جوعاً أو مرضاً في عهدك؟ هل تقبل أن يعاني طفل في عهدك؟ هل تقبل أن يُهان مواطن في عهدك؟ هل تقبل أن يضمحل لبنان في عهدك؟». ودعا الرئيس المكلّف «التعالي عن الأحقاد والخصومات، والإسراع في تأليف الحكومة رحمة بالوطن والمواطنين، وإلى رئيس مجلس النواب ونواب الأمة ربما يدركون حجم الكارثة». وتوجّه «الى جميع المسؤولين والزعماء»، قائلًا: «إذا أردتم أن تتقاتلوا أو تتنازعوا وتتشاتموا فأنتم أحرار، إنما قوموا بذلك بعيداً من حياتنا ومستقبل أولادنا، واتركونا نعيش في سلام وكرامة، وإلّا تناسوا خصوماتكم وادفنوا أحقادكم وقوموا بواجبكم، ألا يستحق لبنان تنازلاً وتضحية؟ هل بسبب وزير أو حقيبة يُدمّر وطن ويُنحر شعب؟ هل تقبلون أن يموت عزيز عليكم جوعاً أو مرضاً أو يأساً وأنتم تتقاتلون على ملك زائل؟ كفى اغتيالاً لهذا البلد الجميل وهذا الشعب العزيز». وختم عودة سائلاً: «أين الدولة من قرار فردي لرئيس حزب يُلزم الدولة كلها، وماذا تفعل الدولة إذا قرّر كل رئيس حزب التفرّد بقراراته والتطاول على هيبة الدولة؟ ألم يحن الوقت بعد لتحزم الدولة أمرها وتستعيد قرارها وتفرض هيبتها على الجميع؟».
الترسيم البحري
وفي هذه الأجواء، قفز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل الى الواجهة بشكل مفاجئ، لمجرد وصول رئيس الوفد الأميركي الراعي لمفاوضات الناقورة السفير دون دوروشيه الى بيروت عصر امس.
وقالت اوساط عليمة بالتحضيرات التي رافقت الزيارة لـ «الجمهورية»، انّ دوروشيه سيزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم، قبل ان يلتقي رئيس وأعضاء الوفد اللبناني المفاوض في اليرزة، حيث من المقرّر ان يحضر الجديد الذي يحمله دوروشيه.
وقالت مصادر مطلعة على موقف لبنان، انّ الوفد جاهز لمناقشة اي عرض جديد يستند الى ما تقول به اتفاقية قانون البحار، وما انتهى اليه الوفد اللبناني في المراحل السابقة من ترسيم للخط البحري الذي تجاوز الخطوط السابقة بعد التوصل الى الخط 29، والذي ما زال ينتظر تعديل المرسوم 6433، وهو ما لم يحصل حتى اليوم، على الرغم من معرفة جميع الأطراف بحجم الضرر اللاحق بمتانة الموقف اللبناني وثباته على طاولة المفاوضات.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي امس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 81 إصابة جديدة (65 محلية و16 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 542604. كذلك سجّلت 4 حالات وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 7798.