كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى مشهدية تنادي الدول الصديقة والشقيقة لإغاثة جيشهم الوطني، لكي يزدادوا ذلّاً فوق ذلّ، فهم الأدرى بما وصل إليه البلد، جيشاً وشعباً ومؤسسات، من جوع وعوز وفقر حال، وهم الأعلم بأنّ السلطة التي انتهكت حرمة حياتهم وأنهكت خزينتهم نهباً وسلباً وهدراً، هي نفسها التي هتكت “الشرف” العسكري واغتصبت حقوق المواطنين، مدنيين وعسكريين، على حد سواء.
ولأنه بدأ يستشعر تشققات الانهيار المادي والمعنوي آخذةً بالاتساع يوماً بعد آخر تحت أقدام عسكرييه، أطلق قائد الجيش نداء استغاثة عاجلاً أمس طلباً لنجدة أفراده واستعطاءً من الدول الصديقة والشقيقة للقمة عيشهم وطبابتهم… أقلّه لإبقاء المؤسسة العسكرية واقفة على قدميها بالحد الأدنى، ومنع تفككها وانهيار “الكيان اللبناني” بانهيارها، حسبما حذّر العماد جوزيف عون بالفم الملآن خلال مؤتمر دعم الجيش الذي عُقد “عن بُعد” أمس بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، منبهاً المشاركين في المؤتمر إلى أنّ “الجيش هو المؤسسة الأخيرة التي لا تزال متماسكة وضمانة الأمن والاستقرار، وأيّ مس بها سيؤدي إلى انتشار الفوضى”.
وتحت وطأة هذه الحالة المزرية التي بلغتها المؤسسة العسكرية في لبنان، خلص المؤتمر الدولي إلى الإجماع على وجوب مساندتها وتلبية احتياجاتها الملحة، لتمكين عديدها من مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الطاحنة التي تعصف بالبلد، لا سيما وأن الأزمة “أثّرت بشكل كبير وسلبي على الجيش وعلى مهماته العملانية ومعنويات عسكرييه”، وفق تعبير قائده، غير أنّ المعطيات المتوافرة حول مقررات المؤتمر الدولي تفيد بأنّ الدول المشاركة لم تتعهد بتقديم أي مساعدات مالية للجيش اللبناني، إنما ستعمد إلى تقويم ملف الاحتياجات الضرورية للجيش، على أن تحدد كل منها على حدة حجم مساهماتها العينية والغذائية والاستشفائية والطبية واللوجستية له.
وإذ تقاطع المشاركون من نحو 20 دولة في المؤتمر، عند أهمية دعم الجيش باعتباره “ركيزة الاستقرار اللبناني وعموده الفقري”، حرص المسؤولون الفرنسيون على تجديد تأكيد انعدام ثقة المجتمع الدولي بالسلطة اللبنانية الحاكمة، والتشديد في المقابل على أنّ المساهمات والمساعدات المرتقبة في ضوء نتائج مؤتمر دعم الجيش، “ستخصص مباشرةً إلى القوات المسلحة اللبنانية” التي ستتولى مهمة إنشاء “آلية المتابعة” لتسلم المساعدات بالتعاون مع منسقة الأمم المتحدة الخاصة في لبنان، مع إشارة وزارة الجيوش الفرنسية إلى أنّ “الدعم الاستثنائي للجيش اللبناني هو استجابة طارئة لا يمكن أن تحل مكان الإصلاحات الأساسية التي يحتاجها لبنان اليوم بشكل عاجل من أجل استقراره”.
وتزامناً، أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت مساءً أن الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل، سيقوم غداً بزيارة للبنان على مدى يومين “في الوقت الذي يتعين فيه بإلحاح على القيادة السياسية اللبنانية تشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات رئيسية”، كاشفةً أنّ بوريل “سيحمل رسائل أساسية للقيادة اللبنانية، وسيعقد اجتماعات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين، ومع ممثلين عن منظمات في المجتمع المدني”، على أن يكون له تصريح إعلامي في ختام جولته بعد غد الأحد.
وبالانتظار، لا تنفك الطبقة السياسية تؤكد أمام الداخل والخارج أنها فاقدة لأدنى حس مسؤولية تجاه شعبها، فسطت على كل مقدرات عيشه الكريم، وصولاً حتى إلى السطو على حركته الاعتراضية كما حصل بالأمس تحت عباءة “الاتحاد العمالي العام” الذي رفع الصوت المطلبي تحت راية الولاء لأحزاب السلطة، وتحول مشهد الإضراب العام إلى مجرّد حفلة خاصة “لتسجيل النقاط السياسية” بين القوى المتصارعة على حلبة تأليف الحكومة.
أما في جديد الملف الحكومي، وبينما عمل “حزب الله” خلال الساعات الأخيرة على لملمة فضيحة التراشق الرئاسي بين حليفيه في بعبدا وعين التينة، بشكل انعكس سلباً على صورة أكثريته الحاكمة، فإنّ رئيس الجمهورية ميشال عون يحضّر الأرضية اللازمة لإطلاق “مبادرة جديدة” لحل الأزمة الحكومية، كما نقل العونيون أمس، وهي خطوة رأتها مصادر سياسية “مزدوجة الأهداف، يرمي من خلالها عون إلى “القوطبة” أولاً على مبادرة بري وطيّ صفحتها عبر إطلاق مبادرة رئاسية مستحدثة، وثانياً إلى قطع الطريق أمام أي زيارة محتملة قد يقوم بها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا حاملاً معه تشكيلة محدّثة من 24 وزيراً بالاستناد إلى مبادرة رئيس المجلس النيابي، على اعتبار أنّ التشكيلة التي سيقبل رئيس الجمهورية مناقشتها مع الرئيس المكلف يجب أن تندرج تحت سقف المبادرة العونية المستجدّة”.