لم تكن العودة إلى ظاهرة قطع الطرق الرئيسية والأوتوسترادات في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة الا “اقل الايمان ” المتوقع امام تمدد حريق تداعيات ازمة المحروقات منذرة بتفاقم أوسع ، فيما كان الأخطر من قطع الطرق بدء الانكشاف المالي الكبير للدولة ومصرف لبنان امام تمدد هذا اللهيب الحارق الى الاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان الذي سيمول تباعا آلية استيراد المحروقات ثم البطاقة التمويلية بعدما مول السلفة الأخيرة لكهرباء لبنان.
ذلك ان صورة الارباك التي طبعت محاولات العهد استدراك غليان الشارع وتداعيات فقدان مادتي البنزين والمازوت على مختلف المستويات بما يهدد بانفجار خطير رسمت خطا بيانيا شديد التخبط للدولة حيال هذا الاستحقاق الداهم في وقت انكشف فيه رفض صارم بداية لرئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب مماشاة العهد في التوقيع على تشريع الاطار القانوني الاستثنائي للإنفاق من الاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان بغية معالجة الازمة ولو ظرفيا قبل ان يتراجع لاحقا. رسم اجتماع قصر بعبدا حقيقة صادمة جديدة مؤداها الإسراع الى انتهاج الوسيلة الأخطر بل الأشد وطأة لكونها تبدأ بقضم الاحتياطي الالزامي الباقي من ودائع الناس فيما اقفل الباب امام الحل المنطقي الحتمي الوحيد الكفيل بانقاذ لبنان من الانهيار المتسارع وهو إزالة حقل الألغام امام تشكيل الحكومة الجديدة.
وقد ترأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاجتماع في غياب دياب الذي اعتذر عن الحضور منذ مساء اول من امس وضمّ الاجتماع وزير المال غازي وزني ووزير الطاقة والمياه ريمون غجر وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وخصص للبحث في موضوع الدعم على المحروقات، في ظل مجموعة اقتراحات لمعالجة أزمة المحروقات وتفادي حصول أي مضاعفات سلبيّة تنعكس على الاستقرار الأمني.
وعرضت السبل الممكنة لإيجاد حل لدعم إستيراد المحروقات والالية الجديدة التي يمكن إعتمادها بحيث تقوم على إعتماد سعر المنصة عند 3900 ليرة للدولار لدعم إلاستيراد، وهي ألية في حال إعتمادها ترفع سعر صفيحة البنزين الى أكثر من 65 الف ليرة مع الاخذ في الاعتبار سعر صرف الدولار في السوق السوداء عند معدل 15 الف ليرة وسعر برميل النفط عالميا بمعدل 70 دولار تقريبا، وبالاضافة الى إعتبار ان مصرف لبنان سيستمر في دعم صفيحة البنزين بنسبة 85% على اساس 3900 ليرة للدولار مع تأمين الشركات المستوردة للنفط نسبة الـ 15% المتبقية بالدولار الاميركي من السوق.
وعلم ان وزير الطاقة قدم عرضاً دراماتيكياً لازمة المحروقات وما ينتظر ان ينتج عنها من تداعيات، معلناً بأنه من اليوم حتى الاثنين لن يبقى لديه محروقات وفقدان البنزين سيكون اكبر من المازوت.
والتوجه الذي نوقش مطولاً هو بتمويل استيراد المحروقات بـ٣٩٠٠ ليرة للدولار بدلاً من ١٥٠٠ وهذا الاجراء قد يمدد فرصة الدعم نحو ثلاثة او اربعة اشهر لاسيما بتمرير فصل الصيف الذي يأتي فيه المغتربون الى لبنان دون ازمة كهرباء او وقود.
وعلم ان حاكم مصرف لبنان كان واضحاً بانه لن يمد يده الى الاحتياطي الالزامي دون تغطية قانونية رسمية تجيز له ذلك وفق ما ينص عليه قانون النقد والتسليف في المادة ٩٠. وبعد نقاش في التفاصيل، كان الرأي بتأمين موافقة استثنائية عن الحكومة للاقتراض من مصرف لبنان لتغطية هذا الاجراء لاسيما وان القرض هو بالعملة الاجنبية ومن الاحتياطي الالزامي وعلى الدولة الالتزام باعادته.
خلاصة النقاش بين وزير المال وحاكم مصرف لبنان كانت بامكان اعتماد هذا الاجراء كحل مؤقت لمدة ثلاثة اشهر.
وجهة نظر رئيس الحكومة المستقيلة حسان دباب كانت أساسا بابقاء الدعم الى حين صدور البطاقة التمويلية. لكن وجهة النظر الاخرى كانت بان البطاقة التمويلية تحتاج وقتاً واعتمادات والى حين تحقيق ذلك، يمكن الاتفاق على الحل المؤقت بالقرض لثلاثة اشهر. وتشاور رئيس الجمهورية هاتفياً مع الرئيس دياب على أساس ان يضع موافقة استثنائية ويوقعها ويرسلها الى بعبدا ليغطى مصرف لبنان في تنفيذ هذا الاجراء. واتفق ايضاً على ان يترافق ذلك مع موافقة استثنائية لتمويل البطاقة التمويلية ايضاً وفق الاجراء نفسه.
دياب لا يوقع… يوقع
عدم مشاركة دياب في اجتماع بعبدا قيل انها بسبب تضارب مواعيده، الا انه في الوقت الذي عقد فيه اجتماع بعبدا لم يكن لديه مواعيد رسمية، وكان واضحاً انه حاول النأي بنفسه عن تحمّل كرة النار بإجراء يسمح إما بوقف الدعم او بمد اليد على الاحتياطي الالزامي. وتشير المعلومات الى ان دياب وعندما هاتفه رئيس الجمهورية قبل الاجتماع كان متردداً في موضوع الموافقة الاستثنائية وفي الاتصال الثاني بينهما بعد الاجتماع اعطى موافقته مبدئياً على وضع وتوقيع الموافقة الاستثنائية ورفعها الى رئيس الجمهورية لتوقيعها.
ومن مصادر السرايا ، علم ان الرئيس دياب سيوقع مرسوم الموافقة الاستثنائية وسيرفعه في الساعات المقبلة بما يجيز الاقتراض بالعملة الاجنبية بما يغطي الفرق في الدعم من ١٥٠٠ ليرة للدولار الى ٣٩٠٠ ليرة خلال ثلاثة اشهر. وتختلف التقديرات لما سيكون عليه سعر صفيحة البنزين؛ فوزير الطاقة يتوقّع ان يصبح سعرها ٥٦ الف ليرة وفي لجنة الاشغال قدر سعرها بـ٦٥ الف ليرة.
وبالنسبة للقرض المطلوب لتمويل البطاقة التمويلية علم ان مرسوم الموافقة الاستثنائية لاقتراضه بالدولار من المصرف المركزي سيتم وضعه بعد صدور القانون في مجلس النواب والاجازة بفتح اعتماد استثنائي لتغطية كلفتها.
وأصدر مصرف لبنان بيانا في هذا السياق فند فيه تفاصيل تتعلق بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف اكد فيه انه وفي ظروف إستثنائية، شبيهة بالتي يعيشها لبنان حاليا، وتأتي كنتيجة لتعثر الدولة عن دفع ديونها وتبعات فيروس كورونا وإنفجار المرفأ وإستقالة الحكومة، وعدم تشكيل حكومة جديدة خلال أكثر من 10 أشهر، فهذه الظروف تفرض على مصرف لبنان ان يمنح الحكومة القروض المطلوبة، على ان يقترح مصرف لبنان التدابير التي من شأنها الحدّ مما قد يكون لأي قرض من عواقب إقتصادية سيئة وخاصة لناحية الحدّ من تأثيره على الوضع وعلى قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية…ولفت الى انه “في حال إصرار الحكومة على الاقتراض من مصرف لبنان، فالمادة 91 واضحة لناحية ان تقر الحكومة الإطار القانوني المناسب الذي يسمح لمصرف لبنان بإستعمال السيولة المتوفرة ضمن التوظيفات الالزامية، اي الاحتياطي الالزامي بالدولار”.
البطاقة التمويلية
وتزامن اجتماع بعبدا مع جلسة للجان النيابية المشتركة اقرت في نهايتها وبعد نقاش استمر على مدى اربع ساعات مشروع البطاقة التمويلية بوجود الوزراء المعنيين جميعا. واعلن نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ان إقرارها جاء بناء على طلب الحكومة وبناء على اصرار النواب.واوضح ان عدد المستفيدين من البطاقة يناهز ال 500 الف، لا بل اكثر. واعطيت الحكومة صلاحية حد اقصى 137 دولارا، على ان تقدم الحكومة في الاسبوع المقبل مشروع قانون معجلا لمجلس النواب، “وهذا ما ابلغني اياه الامين العام، بانه سيصار الى اعداده من اجل طرحه على المجلس النيابي ومناقشته، ويتعلق بأسلوب ومصادر الدعم وكيفية الدعم المالي، وايضا بقضايا اجرائية اخرى هي من صلاحية الحكومة، وتتعلق بالسلع التي سيشملها رفع الدعم، والتي اصبحت مشمولة اليوم. لذلك اعتقد انه تم انجاز مهم في اقرار البطاقة التمويلية بشكل حصري من اجل ان تكون الاساس لتقديم المساعدة لشعبنا في لبنان في هذه الظروف السلبية التي يمر بها”.
وفي المقابل أكد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في تغريدة امس “أن لا قيمة للبطاقة التمويلية اذا كانت بدون التنسيق مع البنك الدولي وبغياب الحكومة تعتمد سياسة الاصلاح”. وأضاف ان “ما يناقشه النواب هو بطاقة انتخابية دون معرفة مصادر التمويل”. وقال في تغريدة ثانية: “ها هو الاتحاد الاوروبي يدرس منح اللاجئين السوريين ٥،٧ مليار دولار وكان يمكن الاستفادة من دعمه لكن الفرقاء الرئيسين في لبنان حرف لا يقرأ واذا بهمة جوزف بوريل تفشل وتضيع في ازقة المصالح الشخصية والحسابات الخاطئة”.