أقر مجلس النواب اللبناني أمس قانون البطاقة التمويلية لمساعدة عشرات آلاف الأسر بمبلغ شهري يقارب المائة دولار، وترك على عاتق الحكومة تمويلها بـ566 مليون دولار من قروض البنك الدولي المخصصة لمشاريع غير منجزة، فيما تعهدت الحكومة بتنفيذ برنامج ترشيد الدعم.
والبطاقة التمويلية هي عبارة عن مدفوعات نقدية للأسر الفقيرة، أقرتها السلطات بما يتيح لها خفض برنامج دعم السلع الأساسية الذي يكلف الدولة ستة مليارات دولار سنوياً في وقت تراجع احتياطي المصرف المركزي من العملة الصعبة التي يوفرها لاستيراد السلع الأساسية مثل السلع الغذائية والطحين والمحروقات.
وأقر البرلمان البطاقة التمويلية في جلسة تشريعية عقدها في قصر الأونيسكو أمس، بالتصويت على مشروع القانون المعجل الوارد بالمرسوم رقم 7797، مع فتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها بقيمة 556 مليون دولار. وكان لافتاً غياب التكييف في الجلسة، ما دفع بعض النواب إلى خلع ستراتهم بسبب الحر داخل القاعة، واختيار بعضهم مقاعد قرب الباب الخارجي للقاعة تتيح دخول الهواء.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري في مداخلة خلال مناقشة قانون البطاقة التمويلية إن «المجلس النيابي ملزم بمناقشة مشروع البطاقة التمويلية وإقراره، وتوفيرا على الزملاء من نقاش لقد اطلعنا على كتاب دولة رئيس مجلس الوزراء ونية الحكومة وعزمها اتخاذ الإجراءات وفق صلاحياتها وتقديمها». وأضاف «أما كيفية توزيع الأعباء وتمويل البطاقة وآلياتها وكيفية التسديد فستبقى على عاتق الحكومة وليس على عاتق المجلس النيابي، وفقا للأصول».
واستدل المجلس على كتاب من رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب حول موضوع ترشيد الدعم، يقول فيه: «انطلاقا من توجهات الحكومة بملف ترشيد الدعم فور بدء العمل بالبطاقة التمويلية، تتعهد الحكومة بتنفيذ برنامج ترشيد الدعم المرفق ربطا والمسند إلى إقرار اللجان النيابية المشتركة بمعدل بطاقة تمويلية بمبلغ قيمته الوسطية 93.3 دولار أميركي وحد أقصى 126 دولارا، مع الإشارة إلى أنه في حال تم تعديل قيمة البطاقة من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب فإن ذلك سينعكس على نسبة الترشيد».
وأشار بري إلى أن صندوق النقد الدولي قرر يوم الاثنين الماضي بشكل عام وتجاه البلدان التي لديها تأمينات في الصندوق أن يعيدها لأصحابها، مضيفاً: «حصة لبنان من هذا الموضوع 900 مليون دولار وقد تبلغ وزير المالية ذلك حسب معلوماتنا».
ومثّل تمويل البطاقة التمويلية أبرز تحديات الحكومة، وسط رفض واسع في صفوف الكتل النيابية من أن يتم تمويلها من الاحتياطي الإلزامي للمصارف في مصرف لبنان، بوصفها أموال المودعين، وهو ما دفع السلطة للبحث عن خيار التمويل الخارجي، واستقر على تمويلها من قروض البنك الدولي المخصصة لمشاريع لم تُنجز أو أوقفت في لبنان.
ولفت رئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان إلى أن «900 مليون دولار من القروض المقرة وغير المنفذة من البنك الدولي مهددة بالإلغاء في حال عدم التنفيذ». وطالب الحكومة ببدء المسار الرسمي لاستبدال عدد من قروض البنك الدولي التي أقرها المجلس النيابي ولم تنفذ لتمويل ترشيد الدعم والبطاقة التمويلية بدل استعمال الاحتياطي الإلزامي، وذلك بحسب النقاش مع البنك الدولي ووزير المالية في لجنة المال والموازنة.
من جانبه، شدد النائب حسن فضل الله على منع التصرف بمبلغ الـ900 مليون دولار الآتية من صندوق النقد من دون قانون من مجلس النواب. وأضاف «نحن مع هذه البطاقة وأن تطال أكبر فئة واسعة من الشعب، بمن فيهم الموظفون أصحاب الدخل المحدود، فأغلب الشعب أصبح فقيرا بسبب السياسات المعتمدة». ولفت إلى «أننا قلنا في النص إن الأسر اللبنانية تستفيد ونستثني البعض وفق معايير غير ضيقة، لأننا نريد مساعدة ثلثي الشعب اللبناني»، مشدداً على أن «تحديد التمويل ضروري ليكون من قروض البنك الدولي».
وأقر المجلس قانون إنصاف رتباء وأفراد الضابطة الجمركية بمادة وحيدة، وصادق على اقتراح القانون المقدم من «اللقاء الديمقراطي» والقاضي باعتبار شهداء وباء «كورونا» من العاملين في القطاع الصحي بمثابة شهداء الجيش اللبناني، وأقر تعديل قانون البلديات وأقر أيضا قانون الشراء العام.
«القوات» تنسحب وتهاجم الحريري ودياب
وانسحبت كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) من الجلسة، اعتراضاً على عدم محاسبة أحد منذ عام ونصف العام، وذلك بعدما طلب رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان بجلسة مناقشة عامة الأسبوع المقبل، فرد رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالقول: «لا يمكن أن تفرض علي متى أحدد موعدها».
وسأل عدوان بعد الانسحاب من الجلسة: «هل نشرّع لدولة ضعيفة تنهب الشعب والمصارف؟»، وهاجم رئيسي الحكومة المستقيل والمكلف بالقول: «هذه المنظومة الحاكمة فيها رئيس حكومة مستقيل (حسان دياب) لا يبذل أي جهد للتخفيف عن الناس، ورئيس حكومة مكلف (سعد الحريري) لا يجتمع مع رئيس الجمهورية».
وقال عدوان من مجلس النواب: «لا يمكننا القبول بالاستمرار بنهب أموال الشعب ولا يمكننا رؤية المسؤولين يتفرجون على معاناة الناس ولا يبذلون أي جهد، على الأقل يجب أن يكون هناك ضمير حي للمساءلة»، مؤكدا أن «على البرلمان تخصيص جلسة كما وعدنا رئيسه للمساءلة».
وأضاف «نصعد موقفنا بوجه المنظومة الحاكمة من دون استثناء، وباستطاعتنا تقديم طلب اتهام ومحاسبة حكومة تصريف الأعمال». وأكد عدوان أن التكتل «لن يستقيل (من البرلمان) لكننا نعلم متى نحضر الجلسات ونشرع، واليوم نرفع الصوت لإيقاف ما قد يضر بمصلحة الشعب»، مضيفاً «من ينتظر منا الاستمرار بالبرلمان للسكوت والتغطية على ما يجري، فهو لا يعلم من هي القوات اللبنانية». وأشار إلى «أننا استمررنا في المجلس النيابي لنحدث الفرق، ولأننا نريد إنجاز التدقيق الجنائي، وحماية أموال المودعين وإقرار قوانين تمنع المس بالاحتياط الإلزامي».
ورد بري على عدوان في موضوع التأخير بتشكيل الحكومة وتلكؤ حكومة تصريف الأعمال عن القيام بواجباتها وخاصة في موضوع ترشيد الدعم وسواها من المهام وضرورة مساءلتها أمام المجلس النيابي. وقال: «أنا جاهز لعقد جلسة مناقشة، لكن البعض يتصرف وكأن البلد ليس طائفياً. جميعنا يعرف عيوبه ويتمسك بها». وأكد بري «أن المجلس النيابي يقوم بواجياته التشريعية ويقر قوانين أكثر من ضرورية خاصة في موضوع مكافحة الفساد والبطاقة التمويلية، فضلا عن أهمية إنجاز القوانين باعتبار إن شاء الله يصبح لدينا حكومة بأي ثمن كان، فنكون قد هيأنا القوانين اللازمة للدعم الدولي».