قالها رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب يوم أمس بالفم الملآن: “لبنان على مسافة أيام قليلة من الانفجار الاجتماعي”.. لم يعد اصلا احد من المسؤولين قادرا على مواصلة سياسة النعامة فباتوا يتسابقون للخروج عبر الاعلام وفي بيانات مطولة لرفع مسؤولية الوصول الى جهنم عنهم والقاء المسؤوليات على اخصامهم السياسيين. دياب ارتأى جمع عدد من السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية لابلاغهم باقتراب لبنان من “الكارثة الكبرى” وتحذيرهم من مخاطر ذلك على استقرار المنطقة، فيما ارتأى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال لقائه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني حثه على القيام بخطوات للمساعدة على حل أزمات لبنان الراهنة. كل ذلك في وقت بلغت حدة الكوارث التي يرزح تحتها البلد مستويات غير مسبوقة. فأعلن رئيس نقابة مستوردي الأدوية كريم جبارة عبر “الديار” الوصول الى الخطوط الحمر بأزمة الدواء مؤكدا “ان لا مخزون لمئات الادوية”، فيما تواصلت ازمة البنزين والكهرباء من دون أفق للحل… اما الخطر الاكبر فعودة عداد “كورونا” لتسجيل ارقام مرتفعة للاصابات في ظل توقعات طبية بأن يتواصل هذا الارتفاع خاصة بعد وصول متحور “دلتا” الذي تأكد انه يستهدف حتى متلقي اللقاح. كل ذلك في وقت تحذر المستشفيات من توقفها عن العمل لافتقارها الى مادة المازوت وفقدانها الكثير من المستلزمات الطبية، ما يؤكد اننا بتنا على عتبة جهنم وان الآتي أعظم!
وكي يكتمل المشهد السريالي، وفي موقف أقرب الى الشماتة بحال لبنان، نقل عن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قوله “وضع لبنان صعب مع مواصلة “حزب الله” تعميق استثمارات إيران ومستعدّون للمساعدة لعودة لبنان الى الازدهار من جديد. واضاف ” ناقشنا مع اليونفيل اقتراح نقل مساعدات إنسانية إلى لبنان”.
٣ سيناريوهات للحسم الحكومي!
في هذا الوقت، تحرك الملف الحكومي على وقع اعلان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ان “الايام المقبلة حاسمة”. وقالت مصادر مطلعة على الحراك الحاصل ان هناك ٣ سيناريوهات للحسم الحكومي المرتقب وان يوم السبت المقبل سيكون مفصليا في هذا الملف. السيناريو الاول يقول بتقديم الحريري تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية تراعي قسما كبيرا من شروط ومطالب “الثنائي” عون- باسيل، ما يؤدي تلقائيا الى توقيع الرئيس على مراسم التشكيل وانجاز العملية التي طال انتظارها. وتشير المصادر في حديث ل “الديار” الى ان هذا السيناريو يدفع باتجاهه القطريون وتأتي زيارة وزير الخارجية القطري لحث الحريري على تجاوز الفيتو السعودي المفروض عليه ولا مبالاة الرياض بما آلت وستؤول اليه الاوضاع اللبنانية ويتقاطع الموقف القطري مع موقف اماراتي مشابه. اما السيناريو الثاني فيقول بتقديم الحريري تشكيلة جديدة تشبه تلك التي وضعها عون في الادراج فيرفضها الاخير على ان يقوم الرئيس المكلف على الاثر بتقديم اعتذاره لخوض مواجهة مفتوحة مع العهد قبل الانتخابات المقبلة. اما السيناريو الثالث فيتحدث عن اعتذار الحريري بعد الاتفاق على ملامح المرحلة المقبلة من خلال تسميته شخصية تخلفه وتدير الانهيار والاستحقاق النيابي المقبل. وتضيف المصادر: “الكرة اليوم حصرا في ملعب الحريري الذي بدأ سلسلة مشاورات ونقاشات مع كتلته ورؤساء الحكومات السابقين على ان يستكملها بلقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سيتخذ معه القرار النهائي” .
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وصل بعد ظهر يوم أمس وباشر لقاءاته الرسمية بلقاء الرئيس عون الذي ابلغه بترحيب لبنان بالدعم الدائم الذي تقدمه قطر في المجالات كافة، شاكراً ما يبديه سمو امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من اهتمام للمساعدة على تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، وتداعياتها على مختلف الصعد. وشرح عون للوزير القطري المعطيات التي أدت الى تفاقم الازمة اللبنانية وتأخير تشكيل الحكومة، وقال ان قطر وقفت دائماً الى جانب لبنان، واي خطوة يمكن ان تقوم بها للمساعدة على حل ازماته الراهنة، هي موضع ترحيب وتقدير من اللبنانيين.
من جهته نقل الوزير القطري الى رئيس الجمهورية تحيات سمو امير دولة قطر، واستعداد بلاده للمساعدة على حل الازمات التي يعاني منها لبنان على مختلف الصعد، مجدداً التأكيد على وقوف بلاده الى جانب الشعب اللبناني في الظروف الصعبة التي يمرّ بها.
دياب يحذر الخارج: الكارثة ستصيبكم!
وفي محاولة جديدة لرمي المسؤوليات عن كتفيه، جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يوم امس عددا من السفراء والدبلوماسيين قال لهم خلاله ان “لبنان يعبر نفقاً مظلماً جداً، وبلغت المعاناة حدود المأساة، فالأزمات الحادة التي يعيشها اللبنانيون، على مختلف المستويات الحياتية والمعيشية والاجتماعية والصحية والخدماتية، تدفع الوضع في لبنان نحو الكارثة الكبرى التي تتجاوز تداعياتها أي قدرة على الاحتواء، وبالتالي نصبح أمام واقع لبناني مخيف. واضاف: “الصورة أصبحت واضحة: لبنان واللبنانيون على شفير الكارثة”. وتابع : لكن، أؤكد لكم أن الخطر الذي يهدد اللبنانيين لن يقتصر عليهم. عندما يحصل الارتطام الكبير، سيتردد صدى تداعياته خارج جغرافيا لبنان إلى المدى القريب والبعيد، في البر والبحر. لن يستطيع أحد عزل نفسه عن خطر انهيار لبنان. إن الاستقرار في لبنان هو نقطة ارتكاز الاستقرار في المنطقة. ومع وجود نحو مليون ونصف المليون نازح سوري ومئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، سيكون من الصعب التكهّن بنتائج انهيار الاستقرار في لبنان. إن هذه الوقائع تدفعنا الى التأكيد أن العالم لا يستطيع أن يعاقب اللبنانيين أو أن يدير ظهره للبنان، لأن الاستمرار في هذه السياسة سيؤدي حتماً إلى انعكاسات خطرة فتخرج الأمور عن السيطرة بحيث يسود التشدّد في العصبيات. واعتبر دياب ان “ربط مساعدة لبنان بتشكيل الحكومة يشكل خطراً على حياة اللبنانيين وعلى الكيان اللبناني، لأن الضغوط التي تُمارس والحصار المطبق على لبنان لا يؤثر في الفاسدين، بل يدفع الشعب اللبناني وحده ثمناً باهظاً يهدد حياته ومستقبله كما يهدد لبنان كنموذج ورسالة في العالم، وما نشاهده من هجرة هو دليل على أن اللبنانيين قد بلغ اليأس منهم فقرروا مغادرة الوطن لافتا الى ان “الاستمرار في حصار ومعاقبة اللبنانيين، سيدفع حكماً الى تغيير في التوجهات التاريخية لهذا البلد، وسيكتسب هذا التغيير مشروعية وطنية تتجاوز أي بعد سياسي، لأن لقمة العيش وحبة الدواء ومقومات الحياة لا تعرف هوية جغرافية أو سياسية، ولا تقيم وزناً للمحاور الغربية والشرقية والشمالية، الأهم بالنسبة للبنانيين أن ينكسر هذا الطوق الذي بدأ يخنقهم ويقطع الاوكسيجين عن وطنهم”.
واستدعت مواقف دياب هذه ردا سريعا وعالي السقف من السفيرة الفرنسية آن غريو قالت فيه ان هذا الاجتماع يأتي متأخرا، وان الازمة اللبنانية هي نتاج سوء ادارة استمرت عقودا وليست نتاج حصار خارجي، مذكرة بالدعم الذي تقدمه باريس وشركاؤها للبنان منذ شهور من دون ان تنتظر دعوة دياب اياهم، لانقاذ لبنان.
الامن الصحي بخطر!
صحيا، تكدست الازمات الى حد باتت تهدد بانهيار القطاع الصحي دفعة واحدة. وفي آخر المعطيات المقلقة، اعلان وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي امس تسجيل 294 إصابة جديدة بفيروس كورونا وحالتي وفاة خلال الساعات الـ24 الماضية. وقالت مصادر طبية ان هذه الاعداد غير مطمئنة على الاطلاق خاصة في ظل النقص الحاد بالادوية والمستلزمات الطبية.
ورفع رئيس نقابة مستوردي الأدوية كريم جبارةعبر “الديار” الصوت عاليا، فقال : “وصلنا الى مرحلة الخطر الكبير والى الخطوط الحمر فلا مخزون لمئات الادوية. وشدد على ان “المشكلة بالاساس مادية فعلى ما يبدو لا عملات اجنبية للاستيراد. واذا اردنا ان نواصل الاستيراد يجب ان ندفع التراكمات السابقة وديوننا التي بلغت ٦٠٠ مليون دولار والا لن تسمح لنا المصانع الخارجية باستيراد المزيد، على ان يلي ذلك تخصيص مبلغ محدد للاستيراد المستقبلي تحت اشراف وزارة الصحة التي تحدد الاولويات”.
وبالتوازي، هدد تجمع اصحاب الصيدليات بالتصعيد وتحدث في بيان عن “سياسة التسويف ودفن الرأس بالتراب التي تنتهجها وزارة الصحة والتهرب غير المبرر من اصدار اللوائح لتصنيف الادوية بين مدعوم وغير مدعوم. وقال الصيادلة: “تبين من بيان حاكم المصرف أن المبلغ المخصص هو 400 مليون دولار، وأن حصة دعم الأدوية لا تتجاوز 200 مليون دولار وهي مشمولة مع دعم الطحين والمستلزمات الطبية وامور أخرى، وهي اقل بكثير من المبلغ الذي صرح عنه نقيب الصيادلة في احدى رسائله الى الصيادلة، حيث تحدث عن مبلغ 50 مليون دولار شهريا للأدوية فقط أي ما يعادل 600 مليون دولار سنويا، الأمر الذي يعني رفع الدعم بشكل شبه كامل عن معظم الأدوية باستثناء بعض الادوية المستعصية والمزمنة كما أشار بيان مصرف لبنان. وتابع “وبعدما حدد نقيب الصيادلة يوم 7/7 للحصول على معلومات دقيقة عن حجم الطلب الفعلي الشهري للأدوية وإصدار لوائح الدعم من قبل الوزارة بناءً على هذه المعلومات، سيعتبر تجمع أصحاب الصيدليات هذا التاريخ المهلة الاخيرة المعطاة للوزارة قبل الاعلان عن تحرك واسع يشمل الصيدليات كافة، التي أصبحت تكاليفها التشغيلية أكبر من قدرتها على الاستمرار والصمود، بعد العجز عن تلبية الحد الادنى من متطلبات وحاجات المرضى للأدوية الضرورية، مما يشكل خطرا غير مسبوق على الأمن الصحي للمواطن”.
في هذا الوقت، أفادت مصادر صحفية بأن “وزارة الصحة بصدد إصدار قرار لفتح باب الاستيراد للأدوية من مصادر مختلفة بشكل طارىء تراعي مبدأي الجودة والأسعار التنافسية، والتي تساعد في حل أزمة الدواء”.
كما أشارت المعلومات الى ان “الوزارة تنتظر الفواتير المدعومة من مصرف لبنان لإمكانية تتبعها وإلزام الشركات بصرفها بعدما تم ترتيب الأولوية في المصرف وفق أهمية الأدوية، وهذا الأمر يساعد أيضاً في حل جزء من أزمة الدواء”.
خروقات بسيطة!
وفي محاولات للحد من وقع الازمات دون التطرق لاي معالجات جدية، افيد بأن مصرف لبنان فتح اعتمادات باخرتَين محمّلتين بالبنزين راسيتين في عرض البحر، على ان يتم تفريغ حمولتيهما خلال يومين “الأمر الذي يحلّ الأزمة لمدة أقصاها 25 يوماً” على حدّ ما أعلن رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض.
وفي السياق، غرد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر”: “في انتظار تشكيل الوزارة وحل معجزة من سيعين الوزيرين والامر قد يطول، لماذا لا نعتمد في موضوع الكهرباء الحل الذي اعتمدته زحلة بعيداً عن أخطبوط وزارة الموارد. أما قطاع النفط الذي يعاني من المرض نفسه فإنني ادعو الى تأميمه من قبل الدولة ومحاسبة وتغريم اصحاب الشركات اياً كانوا”.
هذا وعُقد امس ايضا اجتماع طارئ في مقر المديرية العامة للنفط جرى خلاله عرض حاجة المستشفيات الخاصة والحكومية إلى مادة المازوت لزوم تشغيل مولداتها في ظل ساعات التغذية المحدودة بالتيار الكهربائي. وقال نقيب المستشفيات سليمان هارون بعد الاجتماع: “أكدت المديرية العامة للنفط أولوية قطاع الاستشفاء في خطة عمل المنشآت ضمن حصتها في السوق التي لا تتعدى الـ 35% وفي ظل ازمة كبيرة في فتح الاعتمادات، وتم التوافق على آلية مستدامة بالتواصل بين نقابة المستشفيات ومنشأتي النفط في طرابلس والزهراني عبر نقطتي اتصال لمتابعة الحاجات الأسبوعية، وقد تعهّدت بتقديم لوائح أسبوعية بجدول الكميات وشركات التوزيع المعتمدة، ولمسنا وعداً جدياً بتأمين حاجات المستشفيات بدءاً من يوم غد”.