الموقع الجغرافي للبنان بين القارات القديمة الثلاث اسيا واوروبا وافريقيا جعل منه مقراً وممراً للعديد من الثقافات والحضارات التي اتته من الاراضي الداخلية لهذه القارات ومن خلف البحار. واعطته أهمية تاريخية وأخضعته للسيطرة الخارجية، فتعاقب علية الاشوريون والبابليون والفرس والاغريق والرومان والعرب والعثمانيون والفرنسيون وبقي في تاريخه الحديث محط اطماع الاحتلال الاسرائيلي.
تدل الآثار المكتشفة في لبنان انه كان موطن الانسان منذ ان كان، ومختلف الاديان السماوية القديمة تحدثت عنه، وتدل هذه الاثار ان الانسان عاش في لبنان منذ 180.000 سنة غير ان المدون من هذا التاريخ يعود الى 5000 سنة اي العام 3000 قبل الميلاد حيث سكنه الكنعانيون الساميون من أولاد سام بن نوح.
أشتهرت مدن لبنان الساحلية أيام الفينيقيين فازدهرت صيدا وصور وبيروت (بيريتوس) وجبيل (بيبلوس) بالتجارة وصدرت الحروف الابجدية الى مختلف بقاع العالم، كما الخشب وصناعة السفن وزيت الزيتون والنبيذ والمعادن والزجاج، كما كانت مزدهرة بالمعابد وبالعلاقة مع مصر الفرعونية ما بين 2686 ق.م و2181 ق.م حيث احتل ملكها تحتموس الثالث لبنان وضم المدن الفينيقية الى حكمه. ومع ضعف الدولة الفرعونية استقل الفينيقيون لثلاث عقود مع بداية القرن 12 ق.م وفرضوا وجودهم التجاري على امتداد حوض المتوسط، واسسوا مستعمرات لهم في قبرص ورودس وكريت وقرطاجه. وأبحرت سفنهم حول القارة الافريقية وكانوا اسياد البحار والمحيطات.
ما بين 875 – 608 ق.م استولى الاشوريون على الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط وقضوا على ازدهار الفينيقيين رغم مقاومة سكان صور وصيدا وبيبلوس لهم، وفي نهاية القرن الثامن قبل الميلاد استولى الباببليون على المدن اللبنانية وقاومتهم صور لمدة 13 عاماً لغاية فتحها من نبوخذ نصر الذي قام باسر اهلها.
وقضى الملك الفارسي قوروش على حكم البابليين واحتل البلاد، وسانده الفينيقيون بحروبه ضد الاغريق الذين انتصروا على الفرس بقيادة الاسكندر المقدوني عام 333 ق.م فرحب الفينيقيون به للخلاص من الجزية المفروضة عليهم، غير ان مدينة صور رفضت تقديم الذبائح لمعبد ملكارت مما دفع الاسكندر الى تدميرها بعد 8 أشهر من الحصار. وكان للاغريق آثاراً ثقافية بالغة على الفينيقيين وبعد الاسكندر تبع الفينيقيون الدولة السلوقية.
في القرن الثالث ما قبل الميلاد، وقعت حادثة سيل العرم وانهار سد مأرب وضاعت مملكة سبأ، فهاجرت قبيلة عاملة بن سبأ يشجب بن قحطان من اليمن الى أطراف الشام فيما عرف لاحقاً بجبل عامل، وهي الهضاب في جنوب لبنان المشرفة على البحر الابيض المتوسط وفلسطين.
الرومان والبيزنطيون
سنة 64 ق.م استولى الرومان على المدن الفينيقية التي نعمت بالازدهار الاقتصادي والفكري والثقافي. ومنح الرومان أهل مدن صيدا وصور وبيبلوس المواطنية الرومانية وبنوا معبد بعلبك وهياكلها، والحمامات العامة ودار الحقوق في بيروت وهياكل صور، وازدهرت التجارة حيث صدر الفينيقيين خشب الأرز والعطور والمجوهرات والنبيذ وعبّدوا الطرقات.
في عام 395 ق.م تبع لبنان الدولة البيزنطية فتابع ازدهاره حوالي قرن كامل من الزمن الى ان ضرب البلاد زلزال دمر العديد من معالمه كهيكل بعلبك ومدرسة الحقوق في بيروت وقتل 30.000 شخص.
في العهد البيزنطي ايضاً دب الصراع بين المسيحيين فبرز القديس “مار مارون” فحصلت مجازر راح ضحيتها أكثر من 3300 راهب ماروني في دير القديس مارون و”أفاميا” مما دفع الموارنة الى الهروب من سوريا الى مرتفعات جبل لبنان التي أمنت لهم الحماية الطبيعية، فاستوطنوا فيها وبنوا الاديرة في الجبال. وفي هذا الوقت ظهرت مجموعة من المسيحيين عرفت بالمردة عاشوا في لبنان وجعلوه حصناً منيعاً.