إذا كانت وتيرة مسار التأليف مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تتميز بسرعة قياسية على مقياس اجتماع كل يوم مع رئيس الجمهورية ميشال عون بدليل إنعقاد ثلاثة اجتماعات بينهما منذ تكليف ميقاتي، فإن ذلك لا يحجب واقع ان المخاض الشاق للتأليف بدأ عملياً امس في الاجتماع الثاني الذي عقداه حتى البارحة في اطار مسار التأليف. ويبدو ان الرئيس ميقاتي يبدو مغالياً في إضفاء الأجواء التفاؤلية التي يريد لها ان توحي ان ولادة الحكومة ستكون سريعة، ولو انه يتبع في ذلك الأسلوب الضاغط الضمني لاستعجال مسار التأليف، وعدم السقوط في هوة العرقلة والمماطلة والتأخير بلوغاً ربما الى التعطيل. لكن، ووفق المعطيات الدقيقة التي توافرت عن المناخات التي تتحرك ضمنها محاولة تشكيل الحكومة بسرعة، فإن الأمر يستدعي انتظار الأيام الفاصلة عن نهاية هذا الأسبوع، وليس اكثر من ذلك لتبين نقطتين أساسيتين سيكون مصير بت التأليف بسرعة متصلاً بهما : الأولى معاينة حقيقة الكلام الذي يتردد عن نية العهد التعاون مع ميقاتي بغية تسهيل الولادة الحكومية وهو أمر سيبدأ اكتشافه من اليوم مع طلائع جواب رئيس الجمهورية على التشكيلة التي طرحها امس ميقاتي، والمتضمنة 24 وزيراً اختصاصياً لم يسمهم ميقاتي وانما اعتمد توزيعاً طائفياً لهم وينتظر جواب عون عليها. والثانية ربما لا تظهر بسرعة وتتصل بحقيقة دعم “حزب الله” لميقاتي من خلال تسميته في الاستشارات والتشديد الإعلامي لنوابه على ضرورة تسهيل التأليف وهو الامر الذي يضع الحزب في عين المراقبة والرصد لتبين ما اذا كان سيترجم دعمه الكلامي بالضغط على العهد وتياره في حال بدأت عرقلة التأليف بحجج مستعادة من تجربة العهد السلبية مع الرئيس سعد الحريري.
وقد أكّدت مصادر مطلعة على لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي امس، أنّ الأخير قدّم لائحة بتوزيع الحقائب الوزارية الـ 24 من دون أسماء مشيرة إلى لقاء ثنائياً آخر سيعقد اليوم “للتوسّع في النقاش”.
كذلك، أشارت المصادر إلى أنّ رئيس الجمهورية أبدى ملاحظاته على تصوّر ميقاتي ويتوسّع في هذه الملاحظات بعد درسها بالإستناد إلى التوجهات المتّفق عليها فيما لا يزال التوزيع العام للحقائب محطّ أخذ وردّ، وحقيبة الداخلية قد تكون العنوان الأبرز، لكن كل عملية التوزيع ما زلت قيد البحث .
وقد أطلع ميقاتي رؤساء الحكومات السابقين في اجتماع عقدوه في مكتبه عصراً على مجريات مسار تأليف الحكومة في ظل الاجتماعين اللذين عقدهما مع رئيس الجمهورية .
وكانت بعبدا أعلنت رسمياً ان عون تابع امس مع ميقاتي درس موضوع تشكيل الحكومة العتيدة “وخلال الاجتماع، قدّم الرئيس المكلّف لرئيس الجمهورية لائحة بتوزيع الحقائب الوزارية، واطلع عليها الرئيس عون تمهيدا لابداء ملاحظاته عليها ودرسها في العمق، بما يتناسب مع التوجّهات العامّة للحكومة الجديدة”. وسيستكمل البحث بين الرئيسين عون وميقاتي بعد ظهر اليوم.
واكد ميقاتي بدوره انه اعطى اقتراحاته، “ومعظمها كانت موضع قبول لدى فخامته. وفي الوقت نفسه فإني آخذ في الاعتبار كل ملاحظات فخامته، وهي موضع قبول”.
أضاف: “نحن نسعى، وفقا لما يقال: “اسعَ يا عبدي لكي اسعى معك”. وان شاء الله نستطيع ان نصل الى حكومة في القريب”.
منع انتشار الحريق
وحذر ميقاتي من “تداعيات انهيار لبنان”، قائلا: “إذا وصل لبنان إلى انهيار كامل، فإن ذلك سيكون قنبلة تصدم الشرق الأوسط بأكمله”.
وبعد 3 أيام على تكليفه تأليف الحكومة، أوضح ميقاتي لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية أنه “لن يستطيع إخماد الحريق”، وقال: “لكنني سأمنع انتشاره وآمل فعل ذلك في أول 100 يوم في المنصب”.
وفي تأكيد لتصريحاته السابقة، أكد ميقاتي أنه “يحظى بالدعم الدولي اللازم من جانب الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا”، وقال: “أنا واثق من أن الولايات المتحدة ستكون منفتحة لتقديم الدعم أيضا”.
وفي ظل اشتداد الأزمة، رأى ميقاتي أنه “يتعين على وزير المال العتيد أن يكون قادراً على التواصل مع صندوق النقد الدولي والشركاء المحتملين في الخارج والتعامل مع المصرف المركزي”. وأشار ميقاتي إلى “نيته الاضطلاع بدور رئيسي على مستوى صناعة القرارات المالية”، متحدثا عن “خبرته في عالم المال والأعمال”، وقال: “سأبدي رأيي بكل القرارات المتعلقة بالشؤون المالية والاقتصادية”. أضاف: “في ظل أزمة مماثلة، ثمة حاجة إلى صانع قرار”.
وفي ما يتعلق بقرار التخلف عن سداد إصدارات “اليوروبوندز” وعدم دفع المستحقات (يقدر حجم جميع إصدارات الدولة اللبنانية من هذه السندات يبلغ 31,1 مليار دولار)، أشار ميقاتي إلى أنه كان “ليتفاوض مع الدائنين لإعادة جدولة الدين وإعادة تمويله، بدلا من التخلف عن السداد”، وقال: “أضر قرار التخلف عن السداد بالبلاد والمصارف التي تضع أموالها في “اليوروبوندز” وسندات الخزينة والودائع في المصرف المركزي”. وإذ اعتبر أن “التخلف عن السداد حصل”، قال: “نريد العمل على كيفية حل هذه المسألة”.
الحريري : نادم
في غضون ذلك أعرب الرئيس سعد الحريري، في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، عن شعوره “بالندم” على التسوية التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، مشدداً على دعم نجيب ميقاتي في تشكيل الحكومة، داعياً أيضاً إلى رفع الحصانات عن الجميع في قضية انفجار مرفأ بيروت . واعتبر الحريري أن “مصلحة لبنان تكمن في أن ينجح الرئيس ميقاتي في تشكيل الحكومة”، مضيفا: “نحن ندعمه بقوة”
وقال الحريري: “لم أكن أتوقع بحياتي أن يكون (عون) بهذه النفسية، لكني أبرمت التسوية لوقف الانهيار والاقتتال”. وبيّن أنه اعتذر عن تشكيل الحكومة، “لاقتناعه بأن الأمر أصبح شخصيا” مع الرئيس عون. وأضاف الحريري: “المشكلة بالنسبة لتشكيل الحكومة تكمن بوجود فريق يواصل فرض شروطه، ويريد حكومة يوجه وزراءه فيها عبر الهاتف حتى يعطل عمل الحكومة. وأنا لن أعمل وفق هذه الشروط”. وأوضح أن “المشكلة قائمة في تطبيق الدستور طالما هناك حزب مسلح وحزب آخر يفسر الدستور بحسب مزاجه السياسي”. وتابع قائلا: “لم ندخل في سياسات تحرق البلد، وتجلب فتناً إلى لبنان كما فعل آخرون”. وفي ما يتعلق باتفاق الطائف، قال الحريري: “نحن ضد تغيير اتفاق الطائف، لكن مواقف الأحزاب المسيحية من ميشال عون إلى سمير جعجع، للأسف هي لتثبيت الفراغ”.وختم قائلا: “الثورة التي نراها في لبنان ستكرس وجودها في نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة”
الى ذلك، وغداة اعلان الرئيس سعد الحريري اقتراح كتلته تجميد كل الحصانات لتهسيل التحقيقات في انفجار المرفأ، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في بيان “طالما ان موضوع رفع الحصانات أصبح “على الموضة” بعد ان كنا قد نادينا به بصوت عالٍ فترة طويلة، ندعو جميع الذين يطالبون برفع كل الحصانات إلى البدء بما هو عاجل وضروري وهو الطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري عقد جلسة عاجلة لرفع الحصانات عن كل الذين طلب قاضي التحقيق في جريمة المرفأ برفعها عنهم. فلا حجة لأحد برفض دعوة الهيئة العامة وتلبية طلبات المحقق العدلي برفع الحصانات في جربمة المرفأ، وتغطية رفضه بانتظار تحقيق المطلب الأبعد”.