كان اللبنانيون ينتظرون مفاجأة سلبية أو إيجابية من بعبدا فإذا بالمفاجأة تأتي من خلدة بعد الجيّة. كانوا ينتظرون حلّاً سياسياً فإذا بهم يغرقون في مشكلة أمنية.
كان يتم البحث في تأليف الحكومة تحت ضغط الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي وفي ظل الخوف من انتشار الفوضى فإذا بهذه العملية تنزل تحت ضغط إضافي هو خطر الإنهيار الأمني الذي أطلت تباشيره من تلال خلدة، تزامناً مع عملية التشكيل التي تستأنف في بعبدا اليوم على وقع “فتنة خلدة” التي يمكن أن تقود إلى أماكن كثيرة وإلى تفجيرات أكبر. على طريقة ما كان يحصل في الحرب يبدأ الحديث عن اشتباك وينتهي الحديث باتفاق على وقف إطلاق النار وسحب المسلحين. ذيول اشتباك آب 2020 انفجرت مجدداً في أول آب 2021 فسقط قتلى وجرحى لكن الجيش في يوم عيده حضر بقوة وطوق الحادث.
في 28 آب 2020 كان اللبنانيون يعيشون قلق الإشتباكات التي اندلعت في خلدة بين “حزب الله” وعرب خلدة. لم يتم توقيف علي شبلي للتحقيق معه وهو أحد أطراف الإشكال. بقي الجمر تحت الرماد حتى تم الأخذ بالثأر. على رغم أن علي شبلي كان مبتعداً عن منزله كمحاولة لفك الإشتباك، فلماذا كان موكب تشييعه يعبر منطقة التوتر في خلدة ولم يعبر الأوتوستراد مباشرة إلى الجنوب؟ ولماذا كان مسلحو العشائر ينتظرون مروره؟ كأن هناك مشكلاً مدروساً من عملية الثأر إلى عملية الإشتباك.
التحدي الذي يواجهه “حزب الله” ليس سهلاً. فهو غير قادر على الحسم وغير قادر على تقبل النتائج وكسر هيبته. هل يستطيع أن يقوم بعملية أمنية كبيرة على غرار ما فعله في 7 أيار؟ هل يستطيع أن يسكت على الإهانة التي تعرض لها؟ موضوع خلدة لا يقتصر على هذا الحادث وذاك الذي حصل قبل عام. موضوع خلدة يتعلق بأمن الطريق الساحلي. منذ ثورة 17 تشرين و”حزب الله” ساكت عن إقفال الطريق إلى الجنوب. في إطلالة له أعلن الأمين العام لـ”حزب الله” أن للصبر حدوداً وأنه من الناس “الذين وصلت معهم لهون”، وأن لديه وسائل كثيرة ليتصرف بها وإن كان دعا إلى ضبط النفس. إلا أنه عندما تم قطع الطريق بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري قيل أن “الحزب” وجه تحذيراً بأنه سيفتحها بالقوة، ما حمل الجيش على تأمينها من خلال انتشار قوى تابعة له على المفارق. وطريق الجنوب يمر في خلدة وفي الناعمة وفي السعديات حيث هناك انتشار لعرب خلدة، وفي برجا والجية وكل هذه النقاط تشكّل تحدّياً لـ”حزب الله” بحيث أن عدم الحسم في خلدة سيسمح بالتجرؤ أكثر على قطع هذا الطريق في هذه النقاط.
عند معبر خلده تتلمس عملية تشكيل الحكومة طريقها. فهل تساهم أحداث أمس في التسريع بعملية التأليف من خلال ارتفاع منسوب الشعور بالمسؤولية تجاه مواجهة الإنهيار الشامل؟ أم أن ما حصل بالأمس ينتمي إلى الأمس ولا يدخل إلى أروقة قصر بعبدا؟ فحتى أمس كانت الأجواء السلبية تطغى على الأجواء الإيجابية التي حاول الرئيسان ترويجها للإيحاء بأن عملية التشكيل تتقدم. ولكن التفاؤل لوحده لا يمكن أن يصنح حكومة.
مصدر قريب من قصر بعبدا اعتبر أن اللقاءات إيجابية على المستوى الشخصي بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي. المصدر قال إن اللقاءات الثلاثة التي حصلت بينهما تم التوصل في خلالها إلى وضع تصور لتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف بشكل عادل، وتبقى الحقائب السيادية الأربع التي سيبدأ البحث فيها في اجتماع اليوم. المصدر قال إن التوزيع الجديد يراعي أكثر التوازن بين الطوائف بحيث لا يكون هناك إجحاف بحق أي طائفة، من حيث الحصول على حقائب عادية وحقائب “مدهنة”. هل تم الإتفاق على التوزيع السياسي؟ ينفي المصدر هذا الأمر ولكنه لا ينكر أن التوزيع السياسي لا يبتعد كثيراً عن التوزيع الطائفي بحيث يمكن معرفة لمن ستؤول الحقيبة بمجرد معرفة لأي طائفة ستكون. وبهذا المعنى يمكن تحديد حقائب الثنائي الشيعي و”المردة” و”القومي” و”الإشتراكي” و”الحزب الديمقراطي اللبناني”. عندما تكون هناك حقيبتان للدروز فهذا يعني واحدة للإشتراكي وواحدة للديمقراطي. ويعني أيضاً أن التوزيع السياسي الذي كان متفقاً عليه بين الرئيسين عون والحريري لا يزال سارياً بشكل عام. أما بالنسبة إلى الحقائب الأساسية الأربع فلا معلومات عن أي توزيع يمكن أن يتم الإتفاق عليه. وكانت معلومات أشارت إلى أن تعديلاً حاول الرئيس عون خلال العطلة إدخاله على ما تم الإتفاق عليه وأن الرئيس ميقاتي لم يقبله.
مصدر آخر قريب أيضاً من بعبدا، وقد يكون شارك في لقاءات الرئيسين، اعتبر أن المفاوضات لا تزال في طور النقاش والتفاهم، لأنه لا بدّ أن يتوصّل الرئيسان إلى حكومة في أسرع وقت يكون في برنامج عملها السير بالاصلاحات واستكمال التفاوض مع صندوق النقد، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها ومعالجة الملفات الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطنين.
هل تم التوافق على التوزيع الطائفي للحقائب بطريقة جديدة؟ وماذا عن الحقائب الأربع السيادية؟ وعن تمسك الرئيس بالداخلية؟
قال المصدر إن التوزيع قيد البحث وأنه يعتقد ان الحقائب السيادية ستبقى كما كانت طائفياً. اما توزيعها ما زال قيد البحث ولا شيء نهائياً حتى الآن والأجواء جيدة جداً وجدية للتوصل إلى تشكيل سريع جداً.
إذا كانت جريمة خلدة حصلت على قاعدة العين بالعين والسن بالسن في غياب كامل لمنطق الدولة والمؤسسات والمحاسبة، فهل تكون الجريمة السياسية المتمادية التي يرتكبها أهل السلطة بحق اللبنانيين من دون محاسبة أيضاً؟ أم أن الحساب سيكون قريباً مع موعد الذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ بيروت في 4 آب؟ وهل يستخدم أهل السلطة في صراعاتهم القاعدة العشائرية أيضاً العين بالعين والسن بالسن؟ وهل يكون حادث خلدة جرس إنذار للجميع من أجل الخروج من المأزق وبدء العد العكسي للخروج من جهنم؟