ليس في الاجندة اللبنانية التي باتت مواعيدها السياسية مقتصرة على تعداد زيارات الرئيس الثالث المكلف تشكيل حكومة الى قصر بعبدا، فيما البلاد ماضية في سرعة جنونية نحو الفوضى والانهيار، سوى يوم 4 آب وذكراه الاليمة في نفوس واجساد اللبنانيين اليوم سيستذكر الشعب بحرقة من امام عنابر الموت التي خزّن فيها السياسيون نيتراتهم المشؤوم، حجم معاناة لم تفلح الايام الـ365 في التخفيف منها، ويعاين وجع ذوي شهداء ممنوعة عليهم العدالة ومحجوبة الحقيقة، والآم مصابين تشهد ندوبهم على فداحة كارثة ارتكبها كل من تولى منصبا مسؤولا منذ العام 2014 حتى لحظة الانفجار.
بحجم الكارثة هذه، لا بدّ ستكون انتفاضة الشعب وصرخته اليوم في وجه “عديمي المسؤولية” ممن لم يكلفوا انفسهم عناء الاستقالة من مناصب لازالت هي نفسها تمنع تأليف حكومة تشكل حبل الخلاص الاخير من جهنمهم الموعودة، وكأن شيئاً لم يكن. ولئن أعدت المنظومة الفاسدة عدة المواجهة الامنية بإتقان لقمع اصواتهم التي ستصدح مطالبة بالحقيقة ورفع الحصانات عن المدعى عليهم، فإن اللبنانيين الشرفاء لن يأبهوا للنظام القمعي ولا للممارسات “البلطجية” المعهودة لأجهزة السلطة ولا لقنابلهم المُسيّلة للدموع، فدموعهم جفت لكثرة ما ذرفوا منها. سيتحركون ويملأون الطرق والساحات ويرفعون الصلوات، علّها توقظ الضمائر الغائبة، ان تبقى لديهم منها.
الانظار الى المرفأ
الانظار كلّها تتجه اذا اليوم الى المرفأ. فإحياء الذكرى السنوية الاولى على انفجاره يبدو ستكون كبيرة شعبيا، توازي حجم الجريمة التي حصلت واودت بحياة 218 شخصا في ثوان فيما اصابت المئات بجروح وشردت الآلاف. وبالتزامن مع الحدث “الميداني” في بيروت، ستجتمع افتراضيا الاسرة الدولية حول الشعب اللبناني في مؤتمر دعم مخصص له تقيمه فرنسا بالتعاون مع الامم المتحدة.
كانوا يعلمون
في الاثناء، برز تقرير صادر عن هيومن رايتس واتش دلّ مجددا الى تقصير الطبقة الحاكمة في حماية المدنيين من الانفجار. فقد خلص تقرير أصدرته المنظمة الدولية امس إلى وجود أدلة قوية تشير إلى أن بعض المسؤولين اللبنانيين علموا وقبلوا ضمنيا بالمخاطر التي تشكلها مادة نيترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت قبل الانفجار المروع الذي دمره في الرابع من آب من العام الماضي. ويقع تقرير المنظمة الدولية في أكثر من 127 صفحة ويشمل نتائج ووثائق. وخلص إلى أن هناك أدلة الى أن عددا من المسؤولين اللبنانيين ارتكبوا جريمة الإهمال الجنائي بموجب القانون اللبناني. وتتبع التحقيق أحداثا ترجع إلى عام 2014 وما بعده في أعقاب جلب الشحنة إلى مرفأ بيروت، كما رصد تحذيرات متعاقبة بشأن خطورة هذه الشحنة إلى عدة جهات رسمية. وجاء في التقرير “تشير الأدلة بقوة إلى أن بعض مسؤولي الحكومة توقعوا الموت الذي قد ينجم عن وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ وقبلوا ضمنيا باحتمال حدوث وفيات”.
ودعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في الانفجار وحثت الحكومات الأجنبية على فرض عقوبات على المسؤولين تتعلق بحقوق الإنسان والفساد. وقال تقرير هيومن رايتس إن الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ووزراء سابقين طلب القاضي بيطار إفادات منهم، تقاعسوا في اتخاذ إجراءات لحماية الناس على الرغم من إبلاغهم بالمخاطر. وأفادت وثيقة اطلعت عليها رويترز وأُرسلت قبل أسبوعين تقريبا من الانفجار بتحذير الرئيس ورئيس الوزراء من المخاطر الأمنية التي تشكلها الكيماويات المخزنة في المرفأ ومن أنها قد تدمر العاصمة.
مجموعة الدعم
الى ذلك، وعشية مؤتمر الدعم، اجتمعت مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان امس وفي بيان صادر عنهم، أعرب جميع الأعضاء عن تضامنهم مع عائلات الضحايا ومع كل من تضررت حياتهم وسبل عيشهم. وحثوا السلطات على الإسراع في استكمال التحقيق في انفجار المرفأ من اجل كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
وأخذت علماً “بتكليف رئيس وزراء جديد”، فإنها دعت “القادة اللبنانيين إلى أن يبادروا دون تأخير الى تقديم الدعم لتشكيل حكومة ذات صلاحيات تمكنها من تطبيق إصلاحات مجدية. ودعت المجموعة مجدداً إلى أهمية إجراء الانتخابات في مواعيدها حفاظا على ديموقراطية لبنان ولاستعادة ثقة وامل الشعب اللبناني”.
تلبّد الاجواء
على الخط الحكومي، لا جديد غداة تلبّد اجواء التأليف اثر اللقاء الرابع بين عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي. وعشية اجتماعهما الخامس الخميس، وبينما يتحدّث الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصراللّه السبت المُقبل، في الساعة الثامنة والنصف مساءً بمناسبة ذكرى حرب تموز، زار عضوا “كتلة الوسط المستقل” النائبان نقولا نحاس وعلي درويش البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان. وقال نحاس على الاثر: “بتكليف من دولة الرئيس نجيب ميقاتي، قمنا بزيارة البطريرك الراعي واطلعناه على الاجواء السائدة في عملية التأليف الحكومي، واطلعنا على ارائه، وتمنينا ان يستمر التواصل من اجل الوصول الى الغاية التي نريدها جميعا”. اضاف: “البطريرك مهتم جدا بأن تبصر الحكومة النور سريعا من اجل الوطن والناس والبلد، وباذن الله فان التواصل سيستمر والامور مرهونة باوقاتها، والمهم، كما يقول غبطته، ان نتعلم من عبر الماضي، ونسعى للبحث في ازالة كل المعوقات، لأن الوصول الى تشكيل حكومة أمر اساسي من اجل مستقبل اللبنانيين واستمرار لبنان”.
الاعتذار..مسألة ايام
من جهته، أعلن عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار في حديث الى اذاعة “صوت لبنان”، أن “كلام ميقاتي عن أن المهلة غير مفتوحة تدل بتقديري الى أن القصة مسألة أيام”. وردا على سؤال عن بديل لميقاتي، لفت إلى أن “مع رئيس الجمهورية ميشال عون، إما الإتيان برئيس يبصم فقط أو لا رئيس”.