وسط اتساع أزمة الثقة بينهما، اتفق رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مجددا على تأجيل البحث في العقد الحكومية المانعة للتاأليف، فغاب البحث في الحقائب السيادية عن الجولة الخامسة من التفاوض، ما سمح للرئيس المكلف بضخ اجواء ايجابية مشوبة بعلامات الاستفهام، متحدثا عن تقدم بطيء، فيما تشير كل المعطيات الى عدم حصول أي مقاربة جديدة للملفات العالقة حيث لا تزال ثلاثة عقبات كبيرة تحول دون «الولادة» الحكومية والتي تحتاج الى اكثر من «تدوير الزوايا» ومحاولة «التشاطر». في هذا الوقت تصدر التصعيد الاسرائيلي جنوبا الاهتمامات الداخلية والخارجية في ظل محاولات اسرائيلية لتغيير «قواعد الاشتباك» تحت سقف عدم جر المنطقة الى مواجهة مع حزب الله، وهي «مغامرة» محفوفة بالكثير من المخاطر، لان الثابت حتى الان، وبالرغم من «صمت» حزب الله الطويل، والمثير للقلق في اسرائيل، بأن المقاومة لن تسمح بتغيير «قواعد الاشتباك»، وهو ما حذرت منه واشنطن الخائفة من انزلاق الاحداث نحو مواجهة غير محسوبة، ولهذا سعت خلال الساعات القليلة الماضية الى نقل «رسائل» تطمينية اسرائيلية الى بيروت، بعدم الرغبة بالتصعيد.
«رسائل» اميركية «تطمينية»!
وفي هذا السياق، اكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى، ان السفارة الاميركية في بيروت نشطت خلال الساعات القليلة الماضية من خلال التواصل مع عدد من المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمتهم وزيرة الدفاع والخارجية في حكومة تصريف الاعمال زينة عكر، بحثا عن أجوبة حيال احتمال تطور الاحداث جنوبا، ونقلت «رسالة» اسرائيلية واضحة بعدم رغبة اسرائيل في تصعيد الموقف والاكتفاء بحدود الرد الجوي الضيق الذي استهدف مناطق «غير آهلة»، وذلك ردا على اطلاق صواريخ من الاراضي اللبنانية، اي ان الامور بالنسبة الى الاسرائيليين قد انتهت عند هذا الحد. وكان واضحا من خلال كلام السفيرة الاميركية دوروثي شيا انه لا داعي ايضا الى اثارة «زوبعة» دبلوماسية في مجلس الامن، على اعتبار ان الحادث محدود ويجب ان ينتهي عند هذا الحد. لكن اصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على اعتبار الغارات عدوانا جويا على لبنان وتعليماته الحاسمة بالتوجه الى مجلس اللامن ترجمت لاحقا بطلب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الذي لم يتردد بدوره في الطلب من سفيرة لبنان في نيويورك امل مدللي باجراء المقتضى الدبلوماسي اللازم.
البحث عن رد حزب الله ؟
ووفقا للمعلومات، كان واضحا القلق الاميركي من تدحرج الامور نحو مواجهة غير محسوبة، وكان اصرار على معرفة ما الذي سيقوم به حزب الله حيث يتوقع الاميركيون حصول رد دون ان تكون الصورة واضحة حتى الان حيال مجموعة الخيارات المتاحة امام الحزب، وذلك على عكس التقديرات الاسرائيلية المبنية على «صعوبة» الوضع الداخلي في لبنان والذي يكبل المقاومة، وهو امر يسمح لحكومة نفتالي بينت بتعديل «قواعد اللعبة» عشية زيارته الى واشنطن، لكن ثمة اعتقاد اميركي بان التطورات محفوفة بالمخاطر لان كل جانب يعتقد أنه يرد على الآخر، وليس واضحا كيف ستنتهي سلسلة الردود المتبادلة ومن سيتوقف اولا؟!
«حبس الانفاس»
لكن ما يقلق الاسرائيليين حتما هو «الصمت» الطويل لدى حزب الله الذي لم يعلق فورا على الاحداث، وهم يدركون ان «سقف» الصمت سيكون مساء السبت في كلمة السيد حسن نصرالله المقررة مسبقا، ولهذا تعيش المنطقة الحدودية «ساعات» من «حبس الانفاس» بانتظار رد الفعل السياسي والميداني لحزب الله في ظل ترقب لمن يسبق الآخر. وبحسب مصادر معنية بالملف فان ما حصل تطور خطير بعدما خرقت الغارات الاسرائيلية قواعد الاشتباك التي نجح حزب الله في تكريسها منذ عام 2006 اللبناني، فهذه المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل طيرانها الحربي ضد أهداف في لبنان منذ حرب تموز بعدما كانت اعتداءاتها تقتصر على قصف مدفعي على الحدود، وهنا يجب على الاسرائيليين ان يقلقوا لان حزب الله لن يقبل قطعا بأي تعديل «لقواعد الاشتباك»، وستكون «الكلمة الاخيرة» للمقاومة وستدرك اسرائيل ان الاخلال بقواعد اللعبة سيكون مكلفا.
إرباك اسرائيلي
وفيما أشارت وسائل الاعلام الاسرائيلية الى وجود ارباك رسمي اسرائيلي في التعامل مع الجبهة اللبنانية من خلال الرغبة في عدم الدخول في حرب لكن مع اصرار على توجيه «رسائل» نارية محدودة الى الجانب اللبناني، كان لافتا الاصرار الاسرائيلي على تحييد حزب الله، حيث سعى كبار المسؤولين الاسرائيليين وفي مقدمتهم وزير الحرب بيني غانتس الى «تبرئة» الحزب من المسؤولية عن اطلاق الصواريخ، وذلك في محاولة للتأكيد بأن اسرائيل لا تريد استدراج حزب الله الى مواجهة، ولكنها تسعى بحسب محللين اسرائيليين الى احراجه في الداخل اللبناني الذي يشهد فوضى عارمة.
تحييد حزب الله
وفي محاولة واضحة لخفض التصعيد اشارت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية الى ان اسرائيل وحزب الله يردعان الواحد الآخر في السنوات التي انقضت منذ الحرب في صيف 2006، بسبب الأثمان الباهظة الكامنة فيها والضرر المحتمل في سير حياة المواطنين وفي الاستقرار الأمني في المنطقة. للطرفين الكثير مما يخسرانه في المواجهة، ولهذا يعملان انطلاقاً من مصلحة أن تبقى الحدود الشمالية هادئة، في خلاف تام مع خط المواجهة العنيف في الجنوب .ونقلت الصحيفة عن مصادر امنية اسرائيلية تقديرها ان الهجمات الصاروخية لا ترتبط بحزب الله، ولم تنفذ كرد على الهجوم المنسوب لإسرائيل في سوريا، وقالت ان احتمال وقوف حزب الله وإيران وراء هذا الحدث بتغيير المعادلة والرد على أعمال إسرائيل في سوريا، بالذات على الحدود مع لبنان، هو احتمال مستبعد. وباعتقاد تلك الاوساط فإنه في ضوء الفوضى التي في لبنان المتحطم، تسمح «لمنظمات فلسطينية»ان تعمل بحرية دون مراعاة مصالح حزب الله.
الاعتداءات الجوية
وكان طيران العدو قد شنّ غارات جوية استهدفت، بُعيد منتصف ليل الأربعاء – الخميس، منطقة الدمشقية في خراج بلدة المحمودية بين جزين ومرجعيون والبقاع الغربي، على مقربة ممّا يسمى جسر لحد. وألقت الطائرات المغيرة صاروخَي جو أرض على طريق فرعيّ، ما أدى إلى قطعها بالكامل وإحداث حفرة ضخمة في المكان، كما سقط صاروخ موجّه على منطقة الشواكير الواقعة عند أطراف محمية شاطئ صور الطبيعية، بين مخيم الرشيدية والمدخل الجنوبي لمدينة صور، وقد سقط الصاروخ بالقرب من معسكر تدريب للجيش اللبناني في منطقة زراعية، وبحسب مصادر عسكرية فان عمق الحفرة التي نتجت عن انفجار الصاروخ تُقدّر بثلاثة أمتار وقطرها عشرة أمتار ويرجح ان يكون الصاروخ قد اطلق من إحدى البوارج الحربية الإسرائيلية من البحر، أو طائرة معادية رمته من فوق البحر من مسافات بعيدة.
شكوى رسمية
وفيما فتحت قوات «اليونيفيل»، تحقيقاً حول الغارات الإسرائيلية، وتواصل قائد القوة ستيفانو ديل كول، مع الجانبَين اللبناني والإسرائيلي، وحثّهم على «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، من وزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر، الإيعاز إلى مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وفيما حذرت الجامعة العربية من مغبة التصعيد في جنوب لبنان، اطلع رئيس الجمهورية من قيادة الجيش على نتائج التحقيقات المتعلقة بإطلاق صواريخ من الاراضي اللبنانية واكد ان «استخدام اسرائيل سلاحها الجوي في استهداف قرى لبنانية هو الاول من نوعه منذ العام 2006، ويؤشر الى وجود نوايا عدوانية تصعيدية تتزامن مع التهديدات المتواصلة ضد لبنان وسيادته.
التوتر الاقليمي
التوتر جنوبا، ياتي على خلفية «الغليان» في المنطقة حيث هدد وزير الامن الاسرائيلي بيني غانتس، بان اسرائيل «مستعدّة لمهاجمة إيران. وزعم إيران «تحتاج إلى حوالى 10 أسابيع فقط، للحصول على المواد الصالحة لصنع الأسلحة اللازمة لصنع سلاح نووي هذا التصعيد الاسرائيلي قابله رد من القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي الذي اكد إن قوات بلاده مستعدة» لأي سيناريو وجاهزة تماما للرد على أي عدو.
«مراوغة» حكومية
حكوميا، لم ينجح رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي باقناع احد بحصول تقدم ايجابي في عملية تاليف الحكومة، فحديثه عن التقدم البطيء، لا يعكس واقع انه لا شيء جديدا حصل منذ اجتماعه الاخير يوم الاثنين الماضي مع رئيس الجمهورية ميشال عون، بالامس خرج من بعبدا موحيا ان الاجواء اكثر ايجابية، لسبب واحد، انه لم يتم البحث في نقاط الخلاف، ودون ان يقدم اي معطيات جدية حول ما حصل داخل الجلسة التي خصصت في القسم الاكبر منها للحديث عن مؤتمر المانحين الدوليين، والتطورات الامنية جنوبا، بقيت العقد الحكومية على حالها، ومن المنتظر ان يحمل معه اليوم تصورات جديدة لكيفية مقاربة عقدة المداورة. ولان شيئا جوهريا لم يبحث بالامس اختار ميقاتي الايحاء امام المجتمع الدولي الذي منحه حق المشاركة كمراقب في المؤتمر امس الاول، بانه لا يزال جادا في تحمل مسؤولية تاليف الحكومة ولم يستسلم بعد «للشروط» الرئاسية.
تغيير في «التكتيك»
ووفقا لمصادر مطلعة، فان جملة اللاءات الايجابية التي حاول ميقاتي اشاعاتها، وتتعلق بتخليه عن المهل، ونفيه النية بالاعتذار، وحديثه عن عدم وجود افق مسدود، والتقدم خطوة الى الامام، لم يكن الا تغييرا في «التكتيك»، وليس في الجوهر، والحديث عن ايجابيات يرتبط بالنقاش في الحقائب غير السيادية غيرالمختلف عليها اصلا، وثمة مهلة اضافية ليست مفتوحة على عكس ما اوحى به الرئيس المكلف بالامس، وهو سيطرح اليوم صيغة التسوية بابقاء الحقائب على حالها على ان تكون الاسماء توافقية، وعندها سيتكون لديه تصور واضح عما اذا كانت التفاهمات ممكنة.
ثلاث عقبات صعبة
ووفقا لمصادر متابعة لعملية التاليف، يمكن الحديث عن استمرار «المراوغة» المتبادلة بين فريقي التاليف حيث يحاول كل طرف الايحاء بالايجابية ورمي اتهامات التعطيل عند الطرف الآخر، علما ان الازمة لا تزال في مرحلتها الاولى بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فمع الافتراض انه تم الوصول الى تسوية حيال وزارتي العدل والداخلية، سيبرز التحدي الثاني في مسألة تسمية الوزراء المسيحيين حيث يتمسك عون بحق تسميتهم في غياب اكبر كتلتين مسيحيتين عن الحكومة، ومع افتراض حل هذه المعضلة تبقى العقدة الاهم «الثلث المعطل» او «الضامن» الذي يرغب رئيس الجمهورية في الحصول عليه لضمان التحكم في حكومة نهاية عهده وادارة الفراغ الرئاسي المحتمل.
عون لايثق بميقاتي؟
وفي هذا السياق، نقل زوار عون عنه كلاما واضحا، سبق جولة التفاوض بالامس، اكد فيه رفضه تسليم «مفاتيح» السلطة التنفيذية لفريق سياسي همه الاول والاخير «اسقاط» العهد ومنعه من تحقيق اي انجاز، واللافت في كلام الرئيس توجيهه انتقادات لاذعة لميقاتي حيث شبهه بالنسخة السيئة عن الحريري، متحدثا عن الملفات القضائية المفتوحة ضده، مشيرا الى ان كل ما يسمعه مجرد «اكاذيب» لا يمكن ان تنطلي على احد. وقد علقت تلك الاوساط بالتساؤل عما اذا كان»بالامكان انتظار ولادة الحكومة في ظل هذه المناخات الملبدة وانعدام الثقة»، وتجزم ان الامر يحتاج الى معجزة، لان ميقاتي التزم أمام رؤساء الحكومات السابقين بعدم التنازل عن سقف الرئيس سعد الحريري، فيما الترويج لقبول رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتخلي عن وزارة المال مجرد تسريبات غير واقعية.
التقدم البطيء…!
وأعلن ميقاتي الذي التقى عون امس في جولة خامسة، انه احرز مع الرئيس تقدماً في موضوع تأليف الحكومة حتى ولو كان هذا التقدم بطيئاً، وأكد رداً على المهلة غير المفتوحة التي كان تحدث عنها أنه دستورياً لا مهلة أمام الرئيس المكلف، وقال «لن أترك المهلة مفتوحة وجلسة اليوم خطوة إيجابية للأمام ولا التزم بأي مهلة زمنية، إنما أسعى لتشكيل الحكومة وقبلت التكليف لتأليف ولم آتِ على ذكر الاعتذار الذي لا مكان له حتى الساعة. وعندما أشعر أنّ الطريق بات مسدوداً للتجانس سأخبر اللبنانيين والآن لن أخلق مشكلاً».
سلامة امام القضاء
قضائيا، استمعت النيابة العامة التمييزية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في قضايا عدة بينها اختلاس اموال عامة وتهرب ضريبي، ووفقا للمعلومات، فإن الاستجواب لم يحصل لغياب محاميه بسبب اضراب المحامين، وتم الاستعاضة عن ذلك بجلسة استماع لم تكن مرتبطة بمسيرته المالية ولا السياسة النقدية التي اعتمدها منذ ثلاثة عقود ولا بانهيار سعر صرف الليرة، بل بأفعال ووقائع محددة ذات وصف جرمي والتركيز الان هو على مدى توفر أدلة وإثباتات قد تستدعي محاكمته؟
الحاكم «مرتاح»
ووفقا لمصادر قضائية مطلعة على الملف استمع المحامي العام التمييزي القاضي جان طنوس اليه على مدى ثلاث ساعات، وقرر في نهاية الجلسة تركه رهن التحقيق بانتظار استكمال الاستجواب في جلسات لاحقة.
تجدر الاشارة الى ان الاتهامات بحق سلامة الذي اكد بعد الجلسة انه «مرتاح»، كبيرة ومتشعبة، ووفقا للمصادر فان خلفية التحقيق بدات مع ورود الاستنابة المرسلة من القضاء السويسري الذي طلب مساعدة قضائية من السلطات اللبنانية في اتهامات لسلامة وشقيقه رجا بالقيام منذ عام 2002 بعمليات اختلاس لأموال قُدرت بأكثر من 300 مليون دولار أميركي على نحو يضرّ بمصرف لبنان، الجلسة المقبلة في 28 ايلول، وقد طلب القاضي مستندات وعد سلامة بتأمينها.