وعبثاً تحاول سلطة الفشل ان تنأى بنفسها عن المسؤوليّة، فقرار رفع الدعم عن المحروقات أقلّ ما يُقال فيه إنّه جائر وظالم، لا بل قرار قاتل، جاء في وقت تخطّى فيه المواطن اللبناني ذروة اختناقه. فلماذ اتُخذ الآن هكذا بشكل صادم؟ ولماذا لم يتمّ التدرّج فيه على غرار دول اخرى؟ ومن اتخذه؟ هل حاكم مصرف لبنان وحده؟ أم الحاكم والمجلس المركزي للمصرف؟ وقبل كلّ ذلك، هل ثمّة بدائل تحصّن المواطن في موازاة قرار كهذا، او قرارات مماثلة يمكن ان تُتخذ بعد؟
بالتأكيد لا يتحمّل طرف وحده مسؤولية اتخاذه، بل كلّهم مسؤولون؛ من اتخذ القرار، ومن تسبّب به، ومن دفع اليه، ومن شارك فيه، ومن أوصل البلد الى هذه الأزمة وهذه العتمة الحالكة، ومن سلب المواطن اعزّ ما يملك وأفقده امواله وأمانه ومدخراته، وقبل كل ذلك، من رفعوا الدعم عن البلد دولة وشعباً ومؤسسات، وألقوا به في «جورة» أنانياتهم وحزبياتهم وحساباتهم ومصالحهم وشعبويتهم، ومن باعوا البلد بجبنة حكوميّة وحشروه في حقيبة وزارية.
وبالتالي، لا تنفع هؤلاء كلّهم ان يدّعوا الإنسانية والحمية والنصرة للمواطن اللبناني، ويتدثروا اليوم بثوب الحرص والنزاهة، وان يحاولوا التنصّل من هذه الجريمة، فكل أوراق التوت سقطت وبانت عوراتهم الوسخة، وما عليهم بالتالي سوى ان يوقفوا مسلسل الكذب على الناس، وادّعاء حرصهم عليهم، ويتوقفوا عن البكاء الأصفر وذرف الدموع على ما هم سبب فيه. إنّ أفضل الحلول واسلمها هو ان يخجل هؤلاء إن كانت لديهم ذرة حياء ويطمروا انفسهم في التراب، لا بل في الوحل.
غليان غير مسبوق
مشهد البلد في الساعات الماضية ينبئ بما هو أدهى من قرار رفع الدّعم. بالأمس توزعت التحركات الاعتراضية على هذا القرار في مختلف المناطق اللبنانية، لم تعد تحرّكات عفوية فقط، بل أصبحت تحركات طبيعية للناس في انفعالها وتوترها وحنقها، تحرّكات بلا ضوابط، صار معها البلد على كفّ عفريت، ومفتوح على شتى الاحتمالات، أقلها فقدان الأمن والفوضى التي بدأت تطرق الابواب.
المفاعيل تتفاقم على الأرض، الشارع في غليان غير مسبوق لم يشهده من قبل، طوابير الإذلال امام محطات المحروقات امتدت على كيلومترات، والطوابير نفسها بدأت تتراصف امام الأفران التي بدأت تقطّر في توزيع الخبز، وبعضها أقفل، واستنجد بوزير الاقتصاد، فأحال مراجعيه على وزارة الطاقة قائلاً :»انا ما خصني»… ومخزون الغاز لا يكفي سوى لايام معدودة، ما تبقّى من مصانع ومعامل ومؤسسات أقفل، «كهرباء الدولة» ماتت وانتهى الأمر، واما المولّدات فانضمّت اليها وأطفأت، وصار البلد على العتم.. ويبقى انّ حركة النقل توقفت بالكامل لفقدان البنزين وغلاء التعرفة، فهل ثمة من رأى آلاف الموظّفين المرميين في الشوارع في انتظار سيارة اجرة او «فانّ» تنقلهم الى ضيعهم وبلداتهم. هؤلاء لن يأتوا إلى اعمالهم الاثنين، ما يعني انّ البلد تعطّل بالكامل.
فقر وذل… ولا حلول
الازدواجية التي أظهرتها الطبقة السياسية في مقاربة ملف رفع الدعم تنذر بتدمير ذاتي غير مسبوق. وبات البلد بين شاقوفين: رفع الدعم بلا إجراءات استثنائية، يعني الدخول في دوامة التضخّم المفرط، مع ما يستتبع ذلك من انهيار القدرات الشرائية لدى المواطن بشكل خطير، وإبقاء الدعم كما هو سيكون بمثابة انتحار جماعي ونحر للشعب ولمستقبله، بحيث انّ إنفاق ما تبقّى يعني ان لا قيامة للبنان لا اليوم، ولا بعد خمسين سنة…
في غضون ذلك، يَنذلّ اللبنانيون بحثاً عمّا تبقّى من بنزين على السعر المدعوم الى حين نفاد مخزون الشركات المستوردة، والتي لن تسلّمه قبل تحديد وزارة الطاقة الآليّة او التسعيرة التي سيتمّ اعتمادها. تلك الآلية تعتمد على تشريع استخدام الاحتياطي الإلزامي من العملات الاجنبية في مصرف لبنان لمواصلة دعم المحروقات، وذلك عن طريق إقرار مجلس النواب لهكذا قانون، او تقبّل قرار البنك المركزي ورفع الدعم كليّاً عن المحروقات لتصبح أسعارها حوالى 350 الف ليرة لصفيحة البنزين. هذا الواقع يضع الكرة في ملعب الحكومة ومجلس النواب اليوم لاتخاذ هذا القرار، على ان يكون مصحوباً بتوفير شبكة أمان اجتماعي، لأنّ مصرف لبنان ليس مسؤولاً عن ذلك، ولا يمكنه وليس من المفترض به أن ينتظر أكثر صَحوة ضمير الحكّام.
وبانتظار الإجراءات المطلوبة، ستبقى مادتا المازوت والبنزين مقطوعتين من السوق، أي انّ البلاد مقبلة مع بداية الاسبوع المقبل على شلل تام سيطال كل المرافق، بما فيها الافران والمؤسسات، وستكون ضربة قاصمة لما تبقّى من اقتصاد.
في المقابل، فإنّ قرار رفع الدعم منفرداً من دون موازاته مع أي بديل او خطة للتعويض على الطبقة الفقيرة، والتي أصبحت غالبية في البلاد، ستكون له عواقب وخيمة ويهدّد بوقوع انفجار اجتماعي غير محسوب.
حكومة سريعاً… وإلّا
السلطة الناقصة الفاقدة لنفسها، في ذروة تخبّطها، رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب يهاجم قرار سلامة، وجعبته خالية من أي اجراء، وأصلا لا يستطيع ان يفعل شيئاً. واما رئيس الجمهورية ميشال عون فليس في يده ان يفعل شيئاً، يستدعي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فيسمع مضمون بيانه لا اكثر، ولكن الجديد، انّه دعا الى عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة طبقاً للبند 12 من المادة 53 من الدستور، وذلك للنّظر في معالجة هذه الازمة، وتداعياتها والذيول الخطيرة لاسباب عدم توافر المشتقات النفطية على انواعها في السوق المحلية..
وقال الرئيس عون في رسالة الدعوة: «حاكم مصرف لبنان لا يزال مصراً على موقفه رغم القوانين والقرارات التي تمكنه من العودة عن قراره وإعادة توفير الدعم للمشتقات النفطية، لاسيما قانون البطاقة التمويلية والموافقة الاستثنائية لفتح اعتمادات لشراء المحروقات على اساس 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة للدولار الواحد».
وأضاف: «المصرف المركزي هو شخص من اشخاص القانون العام، والحكومة هي التي تضع السياسات العامة في كل المجالات وفق المادة 65 من الدستور، وتصريف الاعمال بالمعنى الضيق لا يحول على الاطلاق دون انعقاد مجلس الوزراء عند توافر عناصر الضرورة القصوى» .
دياب يرفض
في أعقاب الدعوة الرئاسية، اعلن المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء في بيان انه :
«بما أنّ الحكومة مستقيلة منذ 10 آب 2020، و التزاماً بنص المادة 64 من الدستور التي تحصر صلاحيات الحكومة المستقيلة بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. ومنعاً لأي التباس، فإنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب لا يزال عند موقفه المبدئي بعدم خرق الدستور، وبالتالي عدم دعوة مجلس الوزراء للاجتماع».
دعوة غير مسبوقة؟
ما ينبغي لحظه هنا، انّ الدعوة هذه لعقد مجلس الوزراء في ظل حكومة مستقيلة تصرّف الاعمال في حدودها الضيّقة، هي دعوة غير مسبوقة. والسؤال هنا، هل تستطيع حكومة مستقيلة وتصرّف الأعمال أن تجتمع حتى في ظل ظّروف استثنائية وتتخّذ قرارات؟ يتفق الدستوريون والقانونيون على ان ليس في مقدور مثل هذه الحكومة ان تجتمع وتقرر، فلا نص دستورياً يجيز لها ذلك، بل قيّدها بالحدود الضيّقة لتصريف الاعمال لا اكثر. ثم إذا كان في مقدور هذه الحكومة ان تجتمع تبعاً للظروف الاستثنائية، فظروف البلد استثنائية منذ اشهر طويلة، وزادت في استثنائيتها منذ استقالة حكومة دياب في 10 آب 2020، أي قبل سنة، فلماذا لم تجتمع، بل لماذا لم تدعَ الى الاجتماع؟
وقبل كل ذلك، وطالما انّ الظروف استثنائية، فلماذا عطّل تشكيل الحكومة والجديدة؟ ولماذا لا يسرّع الآن في تشكيل هذه الحكومة ويُفرج عنها، لتأخذ دورها وتقرّر ما هو مناسب من خطوات واجراءات؟
المستقبل» يُحذّر الرئيس وفريقه
وفي هذا الإطار، صدر عن تيار «المستقبل» البيان الآتي:
شهد اللبنانيون في اليومين الماضيين، على واحد من أسوأ العروض السياسية والشعبوية للعهد القوي وتياره السياسي، وهو العرض الذي انتهى في الساعات الماضية الى توريط رئيس الجمهورية شخصياً في منزلقات التطاول على الدستور ومخالفة ألف باء الأصول التي تحكم العلاقة بين أطراف السلطة التنفيذية.
ان الدعوة التي وجّهها رئيس الجمهورية لإنعقاد مجلس الوزراء، لا تُشكل بدعة دستورية وإجراء يرقى الى مستوى المخالفة الموصوفة، بل هي خطوة متعمدة يرمي منظمها وكاتبها الى إهانة موقع رئاسة الجمهورية، وتحميله تبعات كذبة دستورية تستند الى اتفاق لم يحصل أساساً مع رئيس مجلس الوزراء.
ومن المؤسف أن يوافق رئيس الجمهورية على هذه الكذبة، رغم تبلّغه مباشرة من رئيس الحكومة حسان دياب خلال اتصالهما الهاتفي رفضه الدعوة وتمسّكه بعدم تجاوز الدستور ومخالفته.
لقد بات القاصي والداني في البلاد يعلم أن محركات جبران باسيل هي القائمة على تسيير شؤون الرئاسة في بعبدا، وإن الرئيس ينفّذ الأجندة السياسية التي يطلبها رئيس التيار الوطني الحر.
ويعرف رئيس الجمهورية وكل من شارك في إجتماع المجلس الأعلى للدفاع – الذي رفض خلاله الرئيس عون إعطاء الإذن لملاحقة مدير أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا في قضية إنفجار مرفأ بيروت – يعلم الرئيس أن حاكم مصرف لبنان أبلغ المجتمعين حقيقة الواقع المالي في مصرف لبنان والإحتياط الإلزامي من ودائع اللبنانيين، الذي لا يمكنه التصرف به خلافاً للقانون، وانه ازاء هذا الواقع لا بديل عن وقف رفع دعم استيراد المحروقات إلّا اذا كانت هناك من بدائل لذلك، لكن رئيس الجمهورية وافق على رفع الدعم وطلب من حاكم مصرف لبنان مغادرة الإجتماع بعد الإنتهاء من مناقشة الملف الإقتصادي، وكان ما كان بعد ذلك من إشعال مواقع التواصل الإجتماعي بتغريدات لرئيس التيار الوطني الحر أيقظت دوائر القصر الجمهوري من غفوتها، لتنطلق الهجمة البرتقالية على الحاكم في محاولة لقلب الحقائق وتزوير وقائع الاجتماعات.
ان التخبط الذي يعيشه العهد وفريقه، يرمي بأضراره على الشأن الوطني برمته، ولقد كان جواب رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب لرئيس الجمهورية ورفضه الدعوة لجلسة إستثنائية لأنه لا يريد ارتكاب مخالفة دستورية، هو جواب يقع في مكانه الصحيح، وكذلك فعل حاكم مصرف لبنان الذي رفض المس بالإحتياط الإلزامي أي بودائع اللبنانيين وطلب باجتماعه مع رئيس الجمهورية امس إصدار قانون بهذا الخصوص في حال أراد المس بالإحتياط.
ان تيار المستقبل اذ يحذر رئيس الجمهورية وفريقه السياسي من التمادي في خرق الدستور والتعدي عليه وتسخير مؤسسات الدولة للتيار الوطني، لن يقف مكتوف الأيدي، وسيواجه هذه التعديات في نطاق الأصول والقوانين وموجبات الدستور، وهو يحث كافة القوى اللبنانية على التصدي لسياسات التلاعب بالدستور وتحويل رئاسة البلاد مقراً لتلبية طموحات حزبية.
سلامة: جميعهم يعلمون بالقرار
الى ذلك، أكّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أنّ «جميع المسؤولين في لبنان كانوا يعلمون بقرار رفع الدعم، بدءًا من رئاسة الجمهورية مروراً بالحكومة وليس انتهاءً بمجلس الدفاع الأعلى».
وقال سلامة: «أبلغت الجميع بأنّهم إن ارادوا الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي فعليهم إقرار قانون في مجلس النواب يسمح لنا بذلك».
وغمز سلامة من قناة الذين يتهمونه بافتعال أزمة، أنّ «سبب استفحال الأزمة هو تعطيل تشكيل الحكومة منذ سنة». وردّ بعنف على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وكلام سلامة جاء في مقابلة عبر إذاعة «لبنان الحر» تُبثّ اليوم السبت، ويشرح فيها كل وقائع الدعم وأرقامه وحقيقة ما جرى في المرحلة الماضية، إضافة إلى الأسباب التي أدّت إلى وصول لبنان إلى الانهيار، كما يردّ على كل الحملات التي تطاله بشكل مفصّل، كما عن واقع الملفات القضائية.
قبل فوات الأوان
ولعلّ خطوة العلاج الأولى تتبدّى في تشكيل حكومة، على ما يقول مسؤول كبير لـ»الجمهورية»، ويضيف: «إنّ المطلوب حكومة قبل فوات الأوان، وإن لم تتشكّل هذه الحكومة من الآن وحتى يوم الاثنين المقبل، أخشى أنّنا لن نتمكّن بعد ذلك من احتواء ما سيجري في الشارع، أنا خائف هذه المرة من غضب الناس اكثر من أي وقت مضى، فلم تعد لدى الناس ما تخسره. وبالتالي، يجب ان نتوقع كل شيء، ولا تُلام الناس مهما فعلوا، وساعد الله الجيش في الأيام المقبلة».
قلق أمني
وفي هذا السياق، أعرب مصدر أمني مسؤول، عبر «الجمهورية»، عن قلق شديد من الوضع المستجد. وقال: نشعر أننا امام انفجار اجتماعي كبير جداً، والمواطنون غاية في التوتر. وما نخشاه هو ان تنفلت الامور وتؤدي الى خَلق وقائع غير محسوبة لا تحمد عقباها، ومع الأسف اقول انّ كل الاحتمالات السلبية واردة. وكشف المصدر عن توجّه لحضور أمني على الارض أكثر كثافة وفعالية.
وكانت تطورات الوضع محور بحث مستفيض في الاجتماع الامني الذي عقد في قيادة الجيش، وضَم إلى قائد الجيش العماد جوزف عون كلّاً من: مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ومدير المخابرات في الجيش العميد أنطوان القهوجي، ومساعد مدير عام الأمن العام العميد الركن سمير سنان، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد خالد حمود، ورئيس مكتب شؤون المعلومات العميد يوسف مدوّر. وتداولَ المجتمعون في تداعيات الأزمة الاقتصادية والتحركّات الشعبية احتجاحاً على فقدان مادتَي البنزين والمازوت وما يترتّب عنه، واتّفقوا على مواصلة التنسيق فيما بينهم واتخاذ خطوات عملانية للحؤول دون تكرار الحوادث الأمنية التي حصلت أخيراً في أكثر من منطقة
وكانت شبكة»CNN» الإخبارية قد أعدّت تقريراً حول قرار رفع الدعم عن المحروقات المفاجئ في لبنان، مشيرةً إلى أنّ الكهرباء والمواصلات تحوّلت إلى كماليات بين ليلة وضحاها، ومحذّرة من تَسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي.
وكتبت الشبكة الأميركية: «مساء الأربعاء، أطلق مصرف لبنان المركزي تصريحاً أذِن أخيراً بنهاية اقتصاد البلاد المتعثّر على ما يبدو»، مضيفة: «على رغم عدم تحديد أسعار المحروقات الجديدة، يتوقع خبراء أن تتضاعف 4 مرات، ما من شأنه أن يُحدث صدمة تضخمية في البلاد حيث سجلت معدلات الفقر ارتفاعاً حاداً، واختفت الأدوية من الصيدليات، وانخفضت التغذية الكهربائبة إلى أكثر من النصف».
ونقلت الشبكة عن هايكو ويمين، مدير مشروع لبنان وسوريا والعراق في «مجموعة الأزمات الدولية»، تحذيره من أنّ تداعيات هذا القرار ستطال «الاقتصاد برمّته». ويحذّر ويمين: «بالنسبة إلى جزء كبير من السكان، ستصبح الكهرباء من الكماليات»، مضيفاً: «قيادة سيارتك ستصبح من الكماليات أيضاً، والمواصلات كذلك».
وتحذر الشبكة: «يُتوقّع لتداعيات قرار المصرف المركزي أن تتفاقم وأن تصبح أكثر شمولاً، بحيث تتسبب في انقطاع إمدادات سلع أساسية إضافية، مثل عبوات المياه».
وفي هذا الإطار، يوضح ويمان: « ترتبط مياه الشرب بالمواصلات بشكل أساسي. فإذا فُقد المازوت، لا يمكن نقل المياه من الجبل إلى الساحل». كذلك، يتطرّق ويمان إلى السلع التي تُعتبر المواصلات عنصراً أساسياً في عملية تأمينها، متوقعاً أن تسجل أسعارها «ارتفاعاً جنونياً». ويضيف: «ستزداد الغالبية العظمى من اللبنانيين.. فقراً بشكل كبير».
وختمت «CNN» تقريرها: «التوقعات بشأن لبنان قاتمة إلى حد كبير، فقليلون الذين يتوقعون احتمال حصول خرق اقتصادي أو سياسي قبل انتخابات البلاد البرلمانية المزمع إجراؤها العام المقبل. ويقول الخبراء إنّه في غياب تغيير سياسي كبير، فإنّ دوامة الانحدار ستستمر».
إيجابيات ولكن
حكومياً، ومن لحظة انتهاء اللقاء الثّامن بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، أُشيع في البلد مناخ إيجابي أوحَى بأنّ الحكومة ستولد الأسبوع المقبل. ولكن من دون أن يصدر عن الرئيسين ما يؤكّد ذلك أو ينفيه. فهل ثمة ايجابيات بالفعل؟ وإن كانت موجودة، فعلى أساس بُنيت؟ ولماذا لا يستثمر عليها سريعاً وتترجم اليوم او غداً، بدل أن يُدفَش» اللقاء التاسع بين عون وميقاتي الى الاسبوع المقبل؟ واذا كانت غير موجودة فما هي الغاية من ضَخ إيجابيات وهمية؟
مصادر متابعة لحركة الاتصالات حول الملف الحكومي أكدت لـ»الجمهورية» وجود معطيات ايجابية يمكن البناء عليها لإمكان ولادة الحكومة في وقت قريب جداً.
الا انّ المصادر لم تكشف ماهية هذه المعطيات، مكتفية بالقول انّ الأمور صارت في خواتيمها.
وفيما تحدثت بعض المصادر عن انّ الرئيسين عون وميقاتي أنجزا خريطة التوزيع الطائفي للحقائب الوزارية، بحيث تم حسم بقاء الحقائب السيادية وكذلك غالبية الحقائب الاخرى وفق التوزيع الحالي. إنتقلا الى مرحلة إسقاط الاسماء على الوزارات، مشيرة في الوقت نفسه الى حضورٍ لافت ومكثّف للرئاسة الفرنسية على خط دفع الرئيسين في اتجاه التسريع بولادة الحكومة. في المقابل، تساءلت مصادر سياسية انه طالما ان المناخ ايجابي فلماذا إذاً قذف الاجتماع التاسع بين عون وميقاتي الى الاسبوع المقبل وليس الى اليوم او غداً؟
أوساط قريبة من رئاسة الجمهورية تبدي تفاؤلاً ملحوظاً قالت لـ»الجمهورية» إنّ «طريق الحكومة سالكة، والاسبوع المقبل حاسم ايجاباً على هذا الصعيد»، فيما تعتصم اوساط الرئيس المكلف بصمت مطبق، مكتفية بالقول لـ»الجمهورية» انّ الرئيس ميقاتي يتابع حركة اتصالاته مع مختلف القوى السياسية بهدف إنضاج سريع للحكومة.
وبحسب هذه الاوساط، فإنّ الرئيس المكلف يأمل ان تبلغ الامور الخير المطلوب، خصوصاً انه يعتمد الايجابية المطلقة في مقاربته ملف التأليف، وتحكمه الرغبة في إنجاز تشكيل سريع الحكومة، تَحدّ من الانهيار الحاصل وتضع سبل المقاربات والمعالجات الجذرية للأزمة الخانقة.
وتأمل المصادر ان يكون الاسبوع المقبل حاسماً على الصعيد الحكومي.
ولفتَ ما ذكره موقع «لبنان 24»، التابع للرئيس المكلف، عن انّ ميقاتي يعتبر «انّ الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد يقتضي مقاربة مختلفة لعملية التشكيل وتغاضياً عن بعض الامور التي لطالما شدد عليها، «فنحن في ظرف استثنائي، والمهم إنّو نشَكّل حكومة تشتغِل وتساعد الناس».
واشار الموقع الى انّ الرئيس المكلف استأنف اتصالاته واجتماعاته التي لا يُفصح عنها مسبقاً، لكنه يؤكد انه يلتقي الجميع من دون استثناء».
الراعي في بعبدا
الى ذلك، كان الملف الحكومي محور اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في القصر الجمهوري امس، حيث أكد الراعي بعد اللقاء أنه لا بد من تشكيل حكومة جديدة قادرة على تحقيق الاصلاحات، وتكون مدخلاً للحلول، لافتاً الى أنّ الجميع مسؤول من موقعه في مواجهة الصعوبات ومساعدة الناس على الصمود.
ودعا البطريرك الراعي، وسائل الاعلام الى الاضاءة على الامور الايجابية والمساهمة في التخفيف من التأثير السلبي للازمات على المواطنين ومعنوياتهم. وقال: لا بد من أن تتشكل الحكومة الجديدة، ليس لحل جميع المشاكل والقضايا، بل لتكون مدخلاً لحل الازمات. ما نتمنّاه هو أن تتشكّل الحكومة في أسرع وقت ممكن ونصلي من أجل ذلك، ونأمل في أن يتمكن عون وميقاتي من تأليفها في أسرع وقت. فجميعنا يعلم أنّ شعبنا يعيش في حالة انتظار صعب ومر، ونحاول بمختلف الوسائل دعمه كي يتمكن من الصمود، وإيقاف النزف من عناصر القوة التي يتميّز بها لبنان».