ما كان ينقص اللبنانيين سوى تحذير “اليونيسف” من خطر النقص الحاد في المياه، ليصطفوا في طابور جديد اكتملت معه دائرة “النظام المرصوص” بطوابير الذل على امتداد انقطاع السلع الحياتية الحيوية… وما كانت تنقصهم أمام هول المصائب المنهمرة فوق رؤوسهم سوى “بكائية” جديدة من سلسلة بكائيات “ما خلوني”، التي أطل بها رئيس الجمهورية ميشال عون ليل السبت مستعرضاً “البطولة المطلقة” التي يلعبها على “خشبة” الخلاص والإنقاذ تحت وطأة تهاوي مؤسسات الدولة وانهيارها الواحدة تلو الأخرى، متعامياً عن تقاطع أصابع الاتهام من مختلف الاتجاهات الداخلية والخارجية في التصويب نحو تحميل العهد وتياره المسؤولية المباشرة عن هذا التهاوي والانهيار، في ظل امتهان الأجندة العونية سياسة التعطيل والعرقلة… من احتجاز التشكيلات القضائية إلى إجهاض التشكيلات الوزارية.
ولأنّ الطبقة الحاكمة أمعنت في “تعاسة الشعب” ولا يصغي المسؤولون فيها “إلا إلى مصالحهم وحساباتهم”، لم يجد البطريرك الماروني بشارة الراعي ما يصحّ في توصيفهم أدق من قول بولس الرسول “بطونهم آلهتهم”، مشدداً على أنّ مكمن العلة في “مأساة” اللبنانيين هي في “انهيار أخلاق المسؤولين”، الذين تبيّن “بعد سنة وشهر من الوعود الفارغة” أنهم “لا يريدون حكومة”، مندداً بالتزامهم أجندة “تصفية الدولة”، وتوجه إليهم بالقول: “أوقفوا تعذيب الشعب واستنزاف تشكيلة وزارية بعد تشكيلة واختلاق الشروط، ضعوا حداً لنهج التعطيل ودرب الانتحار (…) لقد بات واضحاً أنكم جزء من الانقلاب على الشرعية والدولة”.
وفي الإطار الحكومي، بدأ الحيّز الزمني للمهلة التي وضعها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يضيق مع اتجاه الأمور نحو “أسبوع الحسم” في المواقف والتوجهات، وفق ما أكدت مصادر مواكبة لملف التأليف، موضحةً أنّ مسار الأحداث سيتبلور عملياً من خلال نتائج اللقاء المرتقب خلال الساعات المقبلة في قصر بعبدا بين عون وميقاتي، والذي في ضوئه يمكن أن تتحدد “البوصلة” بين التأليف “إذا صدقت الوعود المعسولة”، أو الاعتذار “إذا استمر نهج المناورة والمراوغة”.
أما في مستجدات أزمة المشتقات النفطية، فاسترعى الانتباه أمس إعلان السيد حسن نصرالله على هامش تأكيده إبحار باكورة البواخر الإيرانية باتجاه لبنان، جهوزية “حزب الله” للاستعانة بشركة إيرانية “للحفر واستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية” اللبنانية، بينما لا تزال الدولة غارقة في “شبر مياه” الصراعات الشعبوية التي تمخضت عن إقرار تسعيرة مستحدثة للمحروقات إثر اجتماع قصر بعبدا، “رضخ بموجبها رئيس الجمهورية مواربةً لقرار حاكم المصرف المركزي رفع الدعم بعد التسليم بتوفير مصرف لبنان الدولارات لواردات الوقود وفق سعر السوق، على أن تتحمّل ميزانية الدولة الفارق بين هذا السعر وبين تسعيرة الـ8000 ليرة لكل دولار”، وفق تعبير مصادر مالية، كاشفةً أنّ دعم المحروقات بهذه “البدعة” الجديدة سيكلف الخزينة “ديناً يفوق 1000 مليار ليرة ليضاف إلى العجز الكبير في الموازنة، وهذا فقط لتغطية نفقة شهر واحد من استهلاك السوق للفيول”.
وإذ أعربت عن قناعتها بأنّ “زيادة رواتب القطاع العام وبدلات النقل سيمتصها التضخم بفترة قياسية”، شددت المصادر على أنّ “الحلول الترقيعية التي تنتهجها السلطة هي أكثر كلفة من الحل الشامل، الذي يتمثل برفع الدعم كلياً والانتقال إلى الدعم المباشر للأسر والأفراد”، وأسفت لتحويل المواطن إلى “فأر تجارب” في مقاربة سياسة الحلول المجتزأة، معتبرةً أنّ هذه السياسة “سيدفع ثمنها اللبنانيون مزيداً من التدهور في قدرتهم الشرائية”. وأكدت أنّ “الدعم المحدد بـ225 مليون دولار سيدفع بالدولار النقدي وسيؤمن بالنهاية من التوظيفات الإلزامية التي تعود إلى المودعين، وبالتالي فإنه مع كل مسّ في هذه التوظيفات سيزداد الضغط على سعر صرف الليرة ما سيؤدي حكماً إلى ارتفاع الدولار”.
وأشارت المصادر إلى أنّ “المبلغ المخصص لشراء البنزين والمازوت بعد حسم حصة مقدمي الخدمات وصيانة المعامل يكفي لشراء 12 مليون صفيحة من المادتين لمدة 6 أسابيع، في حين أن السوق استهلك شهرياً في العام 2020 ما يقرب من 17.3 مليون صفيحة”، وبناءً على هذه المقاربة “سيبقى الطلب أعلى بكثير من العرض، خصوصاً وأن التهريب إلى سوريا سيستمر طالما استمرّ سعر المحروقات محلياً أقل من النصف عما هو عليه في سوريا”.
أما عن إقرار مساعدة غلاء معيشة بكلفة تقدر بحوالى 600 مليار ليرة، وزيادة بدل النقل بكلفة 1200 مليار ليرة، فرأت المصادر أنّ هذه المبالغ ستؤمن بطبيعة الحال من “طباعة الليرة” خصوصاً إذا ما شملت الزيادة كل العاملين في القطاع الخاص، ولم تقتصر على موظفي الإدارة العامة كما كان اقتراح وزارة المال، منوهةً في هذا الإطار بأن “زيادة الكتلة النقدية سترفع الطلب على الدولار بشكل مباشر وغير مباشر، وستؤدي في نهاية المطاف إلى مواصلة سعر الصرف طريقه صعوداً”.