كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: بقي الملف الحكومي مترنحاً بين احتمالي الاعتذار والتشكيل، في انتظار ان يحسم الرئيس المكلف أمره خلال الأيام المقبلة، علماً ان عدم انعقاد لقاء جديد بينه وبين رئيس الجمهورية أمس أعطى إشارة سلبية وأظهَر ان التعقيدات المتنقلة لم تُعالج بعد. ولاحظت اوساط قريبة من كواليس المفاوضات انه كلما حُلت عقدة او كادت، تعود الأمور إلى الوراء، ما يدفع الى الترجيح بأنّ الضوء الأخضر لتأليف الحكومة لم يُعط بعد، وبأن معادلة “لا حكومة ولا اعتذار” ستظل سارية المفعول لوقت إضافي بعد، الا اذا قرر ميقاتي ان يختصرها عبر قرار في هذا الاتجاه او ذاك. واعتبرت الاوساط ان الاسماء والحقائب المتنازع عليها هي جزء اساسي من المشكلة ولكنها ليست كل المشكلة، وهناك قطبة مخفية في مكان ما لا تزال تحول دون اكتمال التفاهم المطلوب لتشكيل الحكومة.
لا مؤشرات حتى اللحظة تفيد بأنّ الوضع الحكومي سيخرج عن إطار الهبّات الباردة حينا، والساخنة أحيانا، فلا تفاؤل على طول الخط، ولا تشاؤم بشكل متواصل، لكنّ المراوحة في أوضاع كارثية كالتي تعيشها البلاد تعتبر قاتلة، خصوصا انها بدأت تخرج عن حدّها ولم يعد من مبرر يحول دون صدور مراسيم التأليف.
والانطباع العام الذي يمكن ان يخرج به اي متابع لمسار العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي يعكس صورة تفاؤلية لجهة حرصهما على تعميم مناخات إيجابية، وتظهير قدرتهما على إدارة الخلاف حول النقاط المختلف حولها حكومياً، والتشديد على عزمهما تشكيل حكومة جديدة، فأداء رئيس الجمهورية مختلف تماما عمّا كان عليه إبّان تكليف الرئيس سعد الحريري، لكن المهم يبقى في النتيجة وهي انّ الفراغ ما زال سيد الموقف.
فعلى مستوى الشكل، اختلف المشهد بين تكليف الحريري وتكليف ميقاتي، ولكن على مستوى المضمون ما زال التأليف يراوح وسط عقد غير قابلة للحلّ حتى اللحظة، ومن غير المعلوم ما إذا كانت عالقة عند مربّع الأسماء بعد الكلام عن اتفاق على توزيع الحقائب، أم ان التعقيد أكبر من ذلك ويقف عند مربّع الثلث المعطِّل الذي يصرّ العهد على نفيه علناً، فيما الجميع يؤكده ضمناً.
وإذا كان الخلاف الفعلي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف هو حول سعي الأول إلى حكومة يمسك بمفاصلها، وسعي الثاني إلى حكومة منسجمة وقادرة على الإنجاز، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل بالإمكان الوصول لتسوية تفسح في المجال أمام تشكيلة يرتاح عون إلى توازناتها ويرتاح ميقاتي إلى إنتاجيتها؟ وإذا كان شرط عون الأساسي توقيع مراسيم حكومة يُمسك بقرارها، فإن شرط ميقاتي الأساسي تشكيل حكومة مختلفة عن المستقيلة وقادرة على تحقيق الإصلاحات، فسعيه إلى حكومة لا يعني انه يريد حكومة بأي ثمن و”كيفما كان”، لأن مصيرها لن يختلف عن مصير حكومة الرئيس حسان دياب، الأمر الذي لا يريده لنفسه وصورته ودوره، فإما حكومة تنجح في مهمتها وتحقيق أهدافها، وإما اعتذار عن المهمة.
ولاحظت مصادر مطلعة ان الوقت لا يعمل لمصلحة الرئيس المكلّف الذي يتعرّض لضغوط من كل حدب وصوب، الأمر الذي يعرفه تماما رئيس الجمهورية، لأنه بمقدار ما يتم تسريع التأليف بمقدار ما ترتفع فرص ولادة الحكومة، وبمقدار ما يتأخر التأليف، بمقدار ما يتجه ميقاتي نحو الاعتذار. وقد يكون هذا الأسبوع أسبوع الحسم فعلا، في اعتبار ان الأوضاع لم تعد تحتمل المراوحة في ظل تساؤل يتردد لدى أكثر من وسط سياسي وديبلوماسي: هل هناك من لا يريد حكومة؟
محاذير الثلث المعطّل
وعلمت “الجمهورية” ان ميقاتي كان قد قرر امس الاول تأجيل زيارته الى رئيس الجمهورية التي كانت مقررة أمس، وكشفت أن الخلاف ما زال دائراً حول الوزيرين المسيحيين ومحاذير “الثلث الضامن”. لكن مصادر أخرى اشارت الى أن “حزب الله” يمارس ضغوطا قوية على المعنيين من أجل توليد الحكومة، مشيرة الى انّ نسبة التأليف من عدمه هي FIFTY FIFTY اي 50% تأليفاً و50% اعتذاراً. فيما ردت مصادر متفائلة سبب تأجيل لقاء الامس الى انّ لدى الرجلين صيغة جدية يعملان على إنضاجها.
بعبدا تنتظر
وساد صمت في بعبدا أمس بالنسبة الى الملف الحكومي وغابت اللقاءات العلنية المخصصة له، ما خلا متابعة رئيس الجمهورية لحصيلة الاتصالات الجارية في انتظار خطوة ميقاتي بإحضار تشكيلته الى بعبدا. وفيما اكدت المصادر انه لم يكن هناك اي موعد امس للقاء بين الرجلين، اشارت في الوقت نفسه الى “ان الاتصالات جارية ولم تنته بعد الى نتائج حاسمة بعد، ولو حصل العكس لرأينا ميقاتي في بعبدا”. ولفتت الى انه حتى ساعة متقدمة من بعد الظهر لم يطلب ميقاتي اي موعد لزيارة بعبدا كما جرت العادة.
تحضير لقاء منتج
وفي هذه الاجواء التقت مصادر ميقاتي مع مصادر بعبدا وقالت لـ”الجمهورية” ان الحديث عن إلغاء اللقاء الثالث عشر الذي كان مقررا أمس في بعبدا ليس صحيحاً، لا بل لم يكن وارداً. ففي الاتصالات الاخيرة تم اتفاق على عقد اللقاء فور جهوزية الرئيس المكلف في تحضير التشكيلة الحكومية كاملة، بحيث سيكون للقاء معنى وانتاجية متوخّاة ولن يكون هناك لقاء لمجرد اللقاء.
الى بعبدا
وقالت هذه المصادر التي تواكب حركة الاتصالات عن قرب ان ميقاتي اقترب من انجاز تشكيلة متكاملة من 24 حقيبة بصيغة تسقط فيها الاسماء على الحقائب كاملة، وليس بالتقسيط. فالموضوع ليس وقفا على التفاهم على اسماء الوزراء للحقائب الوزارية الأربع التي يدور حولها الكلام في الساعات الماضية، وهي: الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية والطاقة، بل ان مهمة ميقاتي تقديم تشكيلة كاملة.
ولفتت المصادر الى ان الاتصالات مستمرة يوميا وعلى مدار الساعة عبر زوار واتصالات هاتفية، وهي لم تتوقف مع أكثر من مرجع سياسي وحزبي، فالمساعي ليست مقفلة وهناك من يشارك فيها الى جانب موفدي رئيس الجمهورية.
طبخة ميقاتي
وعبرت المصادر عن اقتناعها بأنّ “الطبخة استوت”، وانه لا بد من ان يقدم ميقاتي على الخطوة الكبيرة في الساعات المقبلة وقد يكون ذلك ممكنا ظهر اليوم أو غداً ليزور بعبدا ويقدم التشكيلة الى رئيس الجمهورية.
وردا على سؤال يتصل بمدى قبول رئيس الجمهورية التشكيلة المقترحة لئلّا تتكرر التجارب السابقة مع الرئيس سعد الحريري من خلال الحديث مجدداً عن تشكيلة “أمر واقع”، أجابت المصادر ان الرجلين “باتا يعرفان بعضهما بعضاً، وكل منهما يعرف ما يريده الآخر”. وهي المعادلة التي تحكم التشكيلة الجديدة. وما يسعى اليه ميقاتي يمكن بناؤه على قاعدة اخرى تحت عنوان “ما هو الممكن وما هو غير الممكن”.
وانتهت المصادر الى القول انه بالنسبة الى الرئيس المكلف “ان الجميع استنفدوا ما لديهم، ولم يعد هناك هامش واسع للحركة، وأن عملية انقاذ البلد باتت واجباً، وما يعوق هذه المهمة لا يمكن إخفاؤه في نتيجة المساعي المبذولة، وسيُبنى القرار على كل جديد في الساعات المقبلة.
فيتو “سري”
وفي هذه الاجواء كشفت مصادر وسيطة لـ”الجمهورية” انه، وفي الوقت الذي انصَبّت المساعي لتحقيق التوافق على اسماء وزراء الحقائب الاربع (الداخلية والشؤون الاجتماعية والطاقة والعدل)، برز “فيتو” جديد على اسم عبدالله ابو حبيب لوزارة الخارجية الذي كان يحظى بأوسع إجماع وتوافق قبل كل الحقائب الاخرى. وقالت المصادر: “يبدو ان الفيتو “سري”، فأوساط عون وميقاتي تتبادل النصيحة بتوجيه السؤال الى كل منهما من دون الكشف عن حقيقة ما حصل. لكن مصادر عليمة حَسَمت الجواب الذي تجنّبَته أوساط عون وميقاتي، وربطت عبر “الجمهورية” بين الفيتو الذي وضعه ميقاتي على اسم وزير العدل رئيس مجلس شورى الدولة السابق هنري خوري و”فيتو” بعبدا على ابو حبيب.
“لبنان القوي”
وفي المواقف أمس إمل تكتل “لبنان القوي”، في اجتماعه الدوري، “أن ينتهي دولة الرئيس المكلف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية من تأليف الحكومة العتيدة وإصدار مراسيمها هذا الأسبوع، على ما أظهرا من نيّة في التعاون والاسراع في التأليف ضمن مهلة معقولة ومنطقية نظراً الى ما تمر بها البلاد”. واعتبر أنّ “مسار القرار المشبوه برفع الدعم الفجائي عن المحروقات أظهرَ أنّ القيمين عليه لم يقووا على تغطيته والسير به حتى النهاية، بعدما تبيّن لهم أنه قرار كارثي يصيب كل اللبنانيين من كل الأطياف بأذى غير مسبوق. لذلك، إضطر هؤلاء الى تعديل قرارهم، فكان قرار تسعير المحروقات على الـ8000 ليرة بسَعي حازم من رئيس الجمهورية كخطوة انتقالية وموقتة يجب أن يواكبها إسراع حكومة تصريف الأعمال في إصدار البطاقة التمويلية وتوزيعها على مستحقيها في مهلة أقصاها شهر، بالتوازي مع وجوب إقرار اقتراح القانون الذي تقدّم به التكتل لِمنح موظفي القطاع العام والأسلاك العسكرية مساعدة إجتماعية. حينها، يمكن الإنتقال الى مرحلة جديدة من التحرير المتدرّج للدعم على للمحروقات. وطالب حكومة تصريف الأعمال بوضع آلية لبدء اعتماد نظام الحصص في بيع المحروقات للبنانيين وللقطاعات المعنية، بما يسهم في وقف الإزدحام على المحطات وتنظيم الطلب على المازوت، والأهم يؤدي الى مكافحة التخزين والتهريب. وشدد على وقف النكايات في موضوع الكهرباء، والمبادرة الى منح مؤسسة كهرباء لبنان ما يلزمها من إمكانات تمويلية للتشغيل والتصليح، ومن نفط عراقي أو غاز مصري لاحقاً، لكي تتمكن من تأمين ساعات تغذية تفوق الـ 16 ساعة يومياً، معتبراً انه الحل الوحيد لإعادة التيار الكهربائي الى اللبنانيين بأقل كلفة.
“الكتائب”
واعتبر حزب الكتائب، في بيان، أنّ “كل المسرحيات التي تجري لتأليف الحكومة ما هي سوى فصل جديد من خداع الشعب اللبناني وستُفضي حتماً الى الفشل، فالفراغ والفوضى هما مطلب “حزب الله” الذي يتغنّى باختراق القوانين الدولية والمحلية بحجّة إراحة اللبنانيين، ولا يحرّك ساكناً للانخراط في محاربة المحاصصة بل يشجّع على تقاسم مقدرات البلد تحت مظلته، ليبقى الحاكم الأكبر والمتحكّم الأوحد”. وقال انّ “كل ما تقدم عليه المجموعة الحاكمة محكوم بحاجتها الملحّة للحفاظ على مواقعها، وان النزاعات التي تختلقها بين أركانها هدفها شد العصب كلّ من موقعه”. ورأى في “غياب رد الفعل الرسمي على اعلان نصرالله الاتيان بالمحروقات الايرانية، سقوطاً متجدداً في قبضة المشروع الايراني الذي ينمو مستفيداً من التواطؤ والاذعان والفشل”.
واشنطن والنفط الإيراني
الى ذلك، قال الناطق الرسمي في الخارجية الأميركية امس إن القيود المفروضة على بيع النفط الإيراني “ما زالت على حالها”. وجاء تأكيده هذا في إطار ردّه على سؤال عما إذا كانت الإدارة تنوي تطبيق هذا المنع على شحنة النفط الإيراني المتجهة إلى لبنان.
وخلت الإجابة من أي إنذار صريح للبنان بتعريض نفسه للعقوبات إذا تسلّم هذه الشحنة، بحيث بَدا كلام الناطق أقرب إلى التذكير أكثر منه إلى التحذير.
توزيع المحروقات
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ترأاس اجتماعاً، أمس في السرايا الحكومية، خُصّص لدرس آلية توزيع المحروقات ومتابعتها. وخَلُص الاجتماع الى ضرورة تفعيل غرفة العمليات المشتركة واعتماد السرايا الحكومية مقراً لها، والتشديد على التعاون مع القضاء، واتخاذ التدابير المشدّدة بحقّ كل من يشارك في تخزين واحتكار وتهريب المحروقات والتلاعب بأسعارها ونوعيتها. كذلك، إعتماد آلية تضمن مراقبة المحروقات منذ لحظة وصولها الى لبنان وحتى تسليمها الى المواطنين والقطاعات المعنية بها، إضافة الى ضمان تأمين المازوت للقطاعات الحيوية (المستشفيات والأفران والمطاحن والسنترالات)، والطلب الى المحطات تشغيل كلّ الخراطيم الموجودة فيها لتسريع تعبئة البنزين وتخفيف الازدحام، مع ضبط الأسعار ومنع التلاعب بالعدادات ونوعية المحروقات تحت طائلة اتخاذ أقصى العقوبات القانونية بحق المتلاعبين، وضرورة التنسيق بين وزارة الطاقة والبلديات والقوى الأمنية لتوزيع المحروقات على المولدات الخاصة، وختاماً الطلب من أصحاب المولدات التزام التسعيرة التي تضعها وزارة الطاقة.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”الجمهورية” ان الهدف من اجتماعات السرايا هو وضع خطة لتوزيع المحروقات بشكل يمنع تخزينها بدءاً من نقطة تفريغها من الكازخانات الى حين وصولها الى المحطات، حيث اكدت مصادر المجتمعين لـ”الجمهورية” انّ الخطة التي تم الاتفاق عليها بين الشركات المستوردة وموزعي المحروقات واصحاب المحطات بمشاركة الاجهزة الامنية كافة والجيش اللبناني هي الاولى من نوعها لناحية تَتبّع المحروقات منعاً للتهريب والتخزين، لكنّ العبرة في التنفيذ. وقالت هذه المصادر انّ الخطة على الورق مقبولة في الشكل لكن التنفيذ يحتاج الى متابعة دقيقة وحثيثة والى عديد كبير وتقنية تَتبُّع عالية، مرجِّحةً ان تحدّ هذه العملية بنسبة 50 الى 60 في المئة من ضياع المخزون. ولكن المصادر سألت عن مدى جدية هذه الخطوة في ظل الفوضى الراهنة، لا سيما الارباك السياسي نتيجة الحديث عن قرب ولادة الحكومة الجديدة وهل أنّ الحكومة المنتظرة ستكمل الطريق وتنفذ الخطة نفسها؟ كذلك سألت المصادر عن توقيت استفاقة دياب على هذه الاجتماعات والترتيبات فيما الازمة كانت قد استفحلت منذ مدة، وعلّقت: “هل هذا عِزّ بعد فاقَة؟”.