لن ينتظر استحقاق #رفع الدعم عن المحروقات مهزلة المواعيد الهابطة والطائرة لإعلان ولادة حكومة جديدة صارت وهمية بعدما تبخرت الأجواء الإيجابيّة المفتعلة التي عمت البلاد قبل يومين. وفي حين بدأ هاجس رفع الدعم يزحف في كل الاتجاهات، عادت الضبابيّة لتسيطر على المشهد الحكومي من جديد، من دون تسجيل أيّ تطوّر جدي.
ومع ان الاتّصالات غير المباشرة لم تنقطع خلال اليومين الماضيين بين رئيس الجمهورية #ميشال عون والرئيس المكلف #نجيب ميقاتي، للاتّفاق على حلّ لعقدة حقيبة الاقتصاد، لم تتبلور نتائج واضحة بعد، ولو ان أوساطاً معنية تقول انه سجل بعض التقدّم لاسيّما لجهة إمكان التوافق على اسم وزير مقبول من الطرفين. وفيما أكّدت عدم تحديد موعد لزيارة ميقاتي إلى قصر بعبدا، أشارت إلى أنّ الزيارة مرهونة بالاتفاق على الصيغة النهائيّة للحكومة، وتحديد موعد إعلانها.
والواقع ان التشكيلة الحكومية شبه جاهزة منذ ان وضعها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بين يديّ رئيس الجمهورية في آخر زيارة له إلى بعبدا. فِيها تم توزيع الحقائب ووضعت لغالبيتها اسماء مرشحين. ومنذ تلك الزيارة وحتى قبلها، فان العقد المتبقية هي نفسها، وما ان يقال انها حلٌت حتى تعود مجدداً إلى الواجهة رغم انها قابلة للحل في اي لحظة، فحقيبة الاقتصاد ما ان يقال ان رئيس الجمهورية قبل التنازل عنها واعطيت للرئيس المكلف حتى يقال مجدداً إنه يجب تسمية شخص لها بالتوافق بينهما. وتبقى ايضا حقيبة السياحة وحقيبة المهجرين ومن سيسمي لهما وزيرين مسيحيين هما المتبقيتان من الحصة المسيحية بعد توزيع العشرة الآخرين بين رئيس الجمهورية 6 (5 للرئيس +1 للطاشناق) والمردة 2 والقومي 1. والمرشحان الـ 11 و12 يجب ان يتم التوافق حولهما بين عون وميقاتي.
ولم يعد سراً ان عقدة الثلاثة وزراء التوافقيين هي التي تحمل في هوية مرشحيها خطر الثلث المعطل الممنوع على اي فريق بدءاً من رئيس الجمهورية. فكل الوساطات المتعاقبة بما فيها تلك التي يقوم بها القنصل مصطفى الصلح بين الرئيس المكلف ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لم توفر الثقة المطلوبة بين فريق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لتشكيل حكومة خالية من الافخاخ والمتاريس. والهواجس المتبادلة يبدو واضحاً انها لا تقتصر على شريكي التأليف، ولا تنحصر بالمدة المتبقية من الولاية الرئاسية. فهناك فريق يخشى من استحواذ الفريق الرئاسي على ثلث خفي قد يعطيه مفتاح التعطيل والتحكم بالسلطة التنفيذية في ما تبقى من العهد وما بعده من فراغ محتمل. وهناك ايضاً خشية لدى الفريق الرئاسي من قيام تكتل حكومي واكثرية مقررة (ميقاتي مع الحريري وبري وجنبلاط وفرنجية) قد تتحكم بما تبقى من الولاية الرئاسية وبما بعد هذه الولاية. وإذا كان هناك من ضمان يمكن ان يعطى للعهد فيمكن ان يوفره “حزب الله”، فهما معاً يشكلان اكثر من ثلث ضامن. لكن السؤال الذي لا جواب عليه حتى الآن ان “حزب الله” يقول انه يعمل من اجل قيام حكومة لكن هل هو مستعد في هذه اللحظة لاستباق التحولات الاقليمية والدولية بإعطاء ضمانات لفريق في الداخل يمكن ان تقيده في استحقاقات مقبلة؟
إذاً العقد الثلاث المتبقية هي نفسها تجرجر من الرئيس سعد الحريري إلى الرئيس ميقاتي ومن وسيط إلى موفد مع بعبدا، فيما حلها بسيط جداً: أي حكومة لأي مهمة ولأية استحقاقات يجب ان تتشكّل؟ عندما يتقاطع القراران الدولي مع الاقليمي تزول كل الاوهام.
وفي موقف أوروبي جديد وحازم من ازمة تأليف الحكومة في لبنان، دعت الكتلة الاشتراكية الأوروبية إلى معاقبة معطّلي حل الأزمة اللبنانية، مشددة على وجوب الحد من سياسة الإفلات من المحاسبة داعية القضاء اللبناني إلى تحمل مسؤولياته. واعتبرت الكتلة أن النظام الطائفي في لبنان عقبة في مستقبل البلاد.
المساعدات الأميركية للجيش
أما التطور الإيجابي الذي برز أمس فكان في اعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تفويض وزير الخارجية أنتوني بلينكن بموجب المادة 552 من قانون المساعدة الخارجية لعام 1961 لتوجيه سحب ما يصل إلى 25 مليون دولار من السلع والخدمات من مخزون وموارد أي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة لتقديم مساعدة فورية إلى الجيش اللبناني، بموجب السلطة المخولة له بصفته الرئيس بموجب دستور وقوانين الولايات المتحدة الأميركية “.
وفوّض بايدن وزير الخارجية “لتوجيه سحب ما يصل إلى 22 مليون دولار من المواد والخدمات الدفاعية من وزارة الدفاع لتقديم المساعدة الفورية للجيش اللبناني”، حسبما ذكر في رسالة نشرها البيت الأبيض، مضيفاً: “يحقّ لوزير الخارجية إجراء إخطار الكونغرس المناسب والقرار المطلوب بموجب كل قسم لتوجيه هذا السحب”.
استحقاق رفع الدعم
وسط ارتفاع منسوب التأزم السياسي بدأ موعد رفع الدعم تماماً عن المحروقات خلال أيام قليلة يشكل الهاجس الأكبر الذي يلف البلاد خصوصا ان ازمة المحروقات أخذة في الاشتداد وصفوف الطوابير لا تنتهي امام المحطات، وتفيد المعطيات أن لا خطة موضوعة حتى الآن فيما يخصّ موضوع رفع الدعم عن المحروقات. وتحدثت معلومات عن أيام صعبة للغاية تنتظر اللبنانيين فيما يخصّ مادة البنزين التي يكفي مخزونها حتى الثلثاء المقبل فقط. وكشفت هذه المعلومات ان مخزون المازوت بلغ الخط الأحمر ولا بواخر في السواحل والكميات المتبقية من المازوت تكفي فقط حتى نهاية الأسبوع.
وتؤكد معلومات “النهار” ان الانظار تتجه نحو موعد يسبق نهاية شهر أيلول الحالي أي الموعد الرسمي للإعلان عن رفع الدعم كليا عن المحروقات وبعض السلع التي ما زال مصرف لبنان يؤمن الدولارات لتمويل إستيرادها، فيما يمكن لهذه الخطوة أن تُعلن قبل حلول نهاية الشهر وربما الأسبوع المقبل مع نفاد الاموال اللازمة لتغطية عملية إستيرادها.
ومعلوم أن مصرف لبنان كان أعطى موافقات مسبقة بناءً على القرار المتخذ من الدولة اللبنانية لفتح اعتمادات للمحروقات لغاية 200 مليون دولار فيما تشير المعلومات إلى ان المصرف المركزي لن يعطي المزيد من الموافقات لاستيراد المحروقات على اساس آلية تسعير 8000 ليرة للدولار. فالاموال التي رصدت لتمويل الاستيراد على اساس هذه الالية خلال الاجتماع الذي عقد في قصر بعبدا قبل أسابيع لم تعد كافية، مما يعني حتما التحضير رسمياً لرفع الدعم نهائياً عن المحروقات خلال الايام المقبلة. ولعل هذا الاستحقاق سيشكل كرة النار الأولى والأصعب التي ستواجهها الحكومة الجديدة في حال أبصرت النور خلال الايام المقبلة. والاتجاه لمواجهة هذا الاستحقاق يكمن في خيارين: إما رفع الدعم بشكل كامل فيبقى الموضوع بيد مصرف لبنان لجهة الموافقة على استيراد المحروقات ولكن على سعر السوق، وإما تحرير الاستيراد فيصبح الموضوع بيد الشركات المستوردة ما يتطلب دراسة لتحديد الآلية المعتمدة وإصدار الأسعار. وعاد مصرف لبنان ليؤكد انه بالنسبة إلى موضوع اختيار بواخر المحروقات التي سيتم إدخالها لتفريغ حمولتها او تستفيد من الاعتمادات فذلك ليس من صلاحية المركزي انما من صلاحية وزارة الطاقة التي تعطي التعليمات ضمن المبلغ المتاح ليبقى عمل مصرف لبنان على بيع الدولارات بالسعر المتفق عليه وهو 8000 ليرة للدولار بهدف دعم استيراد البنزين إلى حين نفاد الامكانات والدولارات على ألا يمس بشكل مطلق بالتوظيفات الالزامية ليبقى مصير خطة رفع الدعم بيد الحكومة.