لأن وضع البلاد بألف خير ولا داعي للاستعجال، حُددت الجلسة الاولى لمجلس الوزراء الجديد، بعد يومين من التشكيل. فأهل التأليف أنهكتهم المحادثات والاجتماعات واللقاءات للخروج بتركيبة تحاصصية مرضية لهم جميعا، على مدى نحو 50 يوما، فاستحقوا بعد إنجازهم التفاهم على صيغة تكنوقراطية نعم، لكن سياسية حتما، وفيما المصائب اليومية تكوي الناس، قسطا من الراحة في الويك أند، استعدادا للمرحلة المقبلة، وهي الاصعب.. لن نحكم على الحكومة الجديدة انطلاقا من هذه المعطيات غير المشجعة كلّها، وسنرصد سرعتها في وضع بيان وزاري وفي الاتفاق على خطة انقاذ في ما بينها للشروع في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي.. فهل ستفلح في هذا التحدي المصيري للبنان واللبنانيين، للبقاء والصمود والنهوض من كبوتهم، غداة تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “اننا سنخرج من المهوار”؟ ام ان الخلافات في المشاريع بين رعاتها السياسيين، في الداخل والمنطقة والعالم، سيمنع هذا الاتفاق؟ وهل سيصمد التقاطع الفرنسي – الاميركي – الايراني الذي أتاح ولادة الحكومة، وينعكس ايضا على ادائها فيتيح تعاونا مع صندوق النقد الدولي مثلا؟ ام ان اللحظة هذه ستنقضي قبل ان يستفيد منها اللبنانيون – ملوكُ تضييع الفرص، فنبقى نتخبط في جهنم؟
البيان الوزاري
الجواب عن هذه الاسئلة كلّها ستحمله الايام المقبلة، وتباشيره الاولى ستظهر في جلسة اليوم التي سيتخللها تكليف لجنة لصياغة البيان الوزاري. بحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة، البيان العتيد لن يثير خلافات كبيرة، ذلك ان سيغلب عليه الطابع الاقتصادي التقني، ولن يخوض في الكليشيهات السياسية – الاستراتيجية التقليدية كثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وهو سيلحظ ايضا تمسكا بالتواصل والتعاون مع الجهات الدولية والاممية كلّها ومع كل دولة مستعدة لمساعدة لبنان وسيجدد ايضا حرص بيروت على افضل العلاقات مع محيطها العربي ومع كل اشقائها واصدقائها التاريخيين. لكن هل ستكفي هذه الجمل الجميلة لارضاء الخارج عموما والعرب والخليجيين خصوصا؟
رصد دولي
بحسب المصادر، اي من العواصم الكبرى لا ولن يحكم على الحكومة مسبقا. فهي سترصد أداءها وسلوكها وافعالها لا الاقوال، سيما على خط محاربة الفساد وتحقيق الاصلاحات. فاذا تمكنت من النجاح في هذه المهمة واتخذت قرارات مشجعة ووازنة في هذا المجال، سيما في ما خص وزارة الطاقة وفي ترشيد الادارة (…) فإن الدول المانحة ستكافئها وستتشجّع على دعمها ورفدها بالاموال والمساعدات، وستتجاهل شكلَها “التكنوسياسي”. اما اذا غلب على عمل الحكومة الطابَع التحاصصي وبقيت تدور حول نفسها، كما حصل مع حكومة حسان دياب، فإن أزمة البلاد ستستمر ولن تُمدّ للدولة يد عون من الخارج… الثقة بالحكومة اذا، شعبيا ودوليا، ستُبنى لبنة لبنة بقرارت يفترض ان تتخذها هي، فهل ستصدق مواقف الرئيس عون والرئيس نجيب ميقاتي، وحديثهما عن فريق متجانس وعن ورشة عمل قوية ستنطلق سريعا للانقاذ؟ ام ان هذه الايجابيات التي تم ضخُّها ستكون مزيّفة وأتت من باب الفولكلور الذي يرافق كل ولادة حكومية؟
بري متفائل
في المواقف الداخليةأبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري في تصريح له ارتياحه لتشكيل الحكومة، معتبرًا أنه “ابتداء من الغد ستنطلق الحكومة الى العمل ونأمل ان توفق لما فيه خير اللبنانيين”.
وفي السياق افيد ان الثقة البرتقالية شبه محسومة وهي جزء من التسوية التي اتاحت ابصار الحكومة النور، وامس رحبت الهيئة السياسية في التيّار الوطنيّ الحرّ بعد إجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل بـ”تشكيل الحكومة الجديدة التي أسقطت بولادتها كل الافتراءات والممارسات والأكاذيب التي استهدفت على مدى سنة كاملة تعطيل المؤسسات لضرب العهد وكسر التوازنات والأعراف والأصول وضرب الدستور بمحاولة الإعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية.
في المقلب الآخر، سارعت القوى المعارضة الى القنص على تركيبة الحكومة ولم تر فيها ما يوحي بالانقاذ. في هذا الاطار، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حديث صحافي “ان النواة الصلبة للمجموعة الحاكمة المكونة من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” مسؤولة عن ايصال لبنان الى الحضيض فكيف لها ان تنتشله عن طريق حكومة هي مسؤولة عن تشكيلها في شكل اساسي؟
ازمات لا تنتهي
وفي وقت من المرجح ان تنتهي مسألة البيان والثقة النيابية الاثنين المقبل (اي في 20 الجاري) في حد اقصى، الانهيار ينخر كل شيء، والشعب والقطاعات يرصدان اجراءات الحكومة. وفيما بات رفع الدعم عن المحروقات نهائيا، أمرا شبه واقع، افيد ان 99% من المحطات ستقفل ابوابها اليوم الاثنين اذا لم تجد السلطة حلا لتزويدها بالبنزين والمازوت بكميات وافية. وفي انتظار وصول النفط الايراني او الغاز المصري لا فرق، لبنان مهدد بالعتمة الشاملة ابتداء من الاثنين ايضا. فقد اشارت معطيات صحافية الى ان الشركة المشغلة لمعملَي دير عمار والزهراني أبلغت مؤسسة كهرباء لبنان في 12 آب الماضي بأنّ المؤسسة لم تقم بتنفيذ التزاماتها تجاه العقد الموقع مع الشركة وقد تم منح المؤسسة مهلة 30 يوماً لتصحيح الأوضاع الخاصة بالعقد”. ولفتت المعلومات إلى أنّه “حتى تاريخه لم تبادر المؤسسة إلى أيّ إجراء لتصحيح تلك الأوضاع، وعليه فإن المعملين سيصبحان خارج الخدمة ابتداءً من صباح اليوم الاثنين بسبب عدم التزام المؤسسة ببنود عقد التشغيل والصيانة، ما سيفقد لبنان حوالى 60 في المئة من الطاقة الكهربائيّة المقننه أصلاً بسبب عدم توفر الفيول، أي أن لبنان سيذهب من العتمة الجزئية إلى العتمة الكاملة”… كل ذلك فيما الخبز والادوية شبه مقطوعين والمستلزمات الطبية ايضا مع شح الدولار وصعوبة فتح الاعتمادات.. فهل ستتمكن الحكومة الوليدة من وضع حدّ للجلجلة هذه؟!