اذا كان نيل الحكومة الوليدة ثقة مجلس النواب اليوم ، مضمونا، بعد ان جمعت على طاولتها معظمَ القوى السياسية في تركيبةٍ سياسية بوضوح لم يُحترم فيها معيارُ الاستقلالية او الاختصاص، فإن نجاحها في إنقاذ البلاد من الجحيم الذي تتخبط فيه، غير مضمون، وقد شكّك فيه ليس فقط الرأي العام اللبناني الشعبي والسياسيّ المعارِض، ومعهم دبلوماسيون عرب واجانب، بل ايضا مرجعيات دولية بارزة ومنها وكالة بلومبرغ التي قالت في الساعات الماضية ان “عودة نجيب ميقاتي إلى السلطة كرئيس للوزراء أو التركيبة المألوفة لحكومته الجديدة لا توحي فعلا بالثقة”، مشيرة الى ان “القيادات السياسية في البلاد، خصوصا حزب الله لم يوافق على تشكيل الحكومة إلا لأنّ خيار المزيد من المماطلة لم يعد متوفرا”، معتبرة ان قرار رفع الدعم الذي اتخذه المركزي “أجبر السياسيين على إعادة ترتيب الكراسي. فمن دون المحروقات، تنعدم الكهرباء والمواصلات والعديد من الحاجات الأساسية للمجتمع الحديث”… وليس رفع الحكومة تحدي الانقاذ الاقتصادي وحده موضع تشكيك، بل يضاف اليه تحدّي الدفاع عن هيبة الدولة وسيادتها المنتهكتين “الشهيدتين”. فبعدما تجاوزها حزبُ الله بقرار نقل النفط الايراني الى لبنان والذي اكتفى ميقاتي بالاعراب عن حزنه لحصوله، مقرّا بأن لا قرار للحكومة في هذه المسألة، ها هو العدو الاسرائيلي يستعد ايضا للمس بحقوقنا النفطية البحريّة، مستفيدا من تباين القيادات اللبنانية في مقاربة مسألة ترسيم الحدود ما علّق مفاوضات الناقورة… فهل اهل الحكومة على “قلب واحد” وموقف واحد، ماليا واصلاحيا وسياديا، بما يمكّنهم من تفكيك هذه الالغام كلّها؟ ام ان مجلس الوزراء بيتٌ بمنازل كثيرة بما يجعل فرضية انفجار هذه الالغام على طاولته، مرجحة؟
الثقة الاثنين
اليوم اذا، تعقد في الاونيسكو جلسة لمجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على منح الحكومة الثقة. وفي وقت يرجح ان تكتفي كل كتلة بمداخلة واحدة، ستحصل الحكومة على ثقة كافية ووافية تلامس المئة صوت، ولن يحجبها عنها الا تكتل الجمهورية القوية وعدد من النواب المستقلّين. اما تكتل لبنان القوي فبات منحه الحكومة الثقة شبه محسوم.
ورشة سريعة
وسيتعيّن على الحكومة فور نيلها الثقة، الشروع في ورشة عمل سريعة لرسم خطط اولية لمعالجة القضايا الملحّة التي ما عادت تحتمل تأجيلا وأبرزها الطوابير امام محطات المحروقات والانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي، والشح في الدواء، وذلك قبل ان تتفرّغ لمفاوضاتها مع صندوق النقد ولتهدئة تقلّبات الدولار…
لا تحسن
وبينما لم تلمس البلاد نتائج شحنات الفيول العراقي ولا المازوت الايراني الذي وصلت دفعة جديدة منه مساء اول امس عبر سوريا، لم يبدّل رفع الدعم نهائيا عن المحروقات ولو في شكل مبطّن، في المشهد على الارض. فالمواطنون وقفوا لساعات في صفوف لا تنتهي للحصول على البنزين وقد بقيت محطاتٌ كثيرة مقفلة لانها لم تستلم المحروقات او خوفا من الاشكالات.
لمَن النيترات؟
وسط هذه الاجواء التي تركت المواطنين وقطاعات النقل والاستشفاء والسياحة والخبز، في حال ضياع وتخبط، قفز الهمّ الامني الى الواجهة من جديد، من بوابة البقاع هذه المرة. فقد تم ضبط شاحنة محملة بـ20 طنا من نيترات الأمونيوم في بدنايل. وتفقّد وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي المكان وهو كان عقد اجتماعا أمنيا في زحلة قبل ان ينتقل الى بلدة بدنايل… وسألت مصادر معارضة عما اذا كان سيتم الكشف عن الجهة التي ستسخدم هذه المواد، وما اذا كانت للزراعة، ام مرتبطة بما حكي في الاشهر الماضية عن دور لحزب الله بنقل النيترات من المرفأ، قبيل انفجاره، الى مناطق نفوذه، مضيفة “هل يمكن لوزير الداخلية الجديد ان يقول الحقيقة كما هي للبنانيين”؟
وفي السياق افيد ان شعبة المعلومات استدعت مارون الصقر للاستماع الى افادته في موضوع النيترات الذي ضُبط في البقاع.
ولفتت الى ان وكيل صقر القانوني يؤكد انه سيمثل وان نوعية النيترات المضبوط تختلف عن تلك الموجودة في مستودعات الصقر.
واشارت الى ان “الصقر اكد خلال التحقيقات أن علاقةً تجارية تجمعه بسعد الله الصلح الا ان الكمية التي صودرت لم تخرج من مزارعه في البقاع”.
الاستنساب والعدالة
وليس بعيدا من جريمة المرفأ، التي يختلف اركان الحكومة ايضا في مقاربة تحقيقاتها ما يثير مخاوف من خلافات ستنشب سريعا بينهم في شأنها، وبينما افيد ان دورية من امن الدولة قصدت منزل رئيس الحكومة السابق حسان دياب بغية تنفيذ مذكرة الاحضار الصادرة في حقه وتم اتخاذ الاجراءات المرعية بفعل غيابه، دعا المجلس الشرعي الاسلامي “الى رفع كل الحصانات دون استثناء من خلال إصدار قانون جديد في المجلس النيابي، ولمنع إدخال هذا الملف في الاستنساب والانتقام السياسي”.
بري للخارجية
على صعيد آخر، وتعليقاً على التقارير الواردة حول فوز شركة هاليبورتون بعقد للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وفلسطين المحتلة، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري وزارة الخارجية اللبنانية الى تحرك عاجل وفوري بإتجاه مجلس الامن والمجتمع الدولي للتحقق من إحتمالية حصول إعتداء إسرائيلي جديد على السيادة والحقوق اللبنانية.
دفن آخر شبر
من جانبه، غرّد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عبر “تويتر”: “أعلنت شركة Halliburton فوزها بعقد حفر آبار نفط في المنطقة المتنازع عليها مع اسرائيل. نفس المنطقة التي كدنا نستعيد قسماً منها لولا المزايدات. هذا يعني دفن آخر شبر سيادة في لبنان على ثرواته ومقدراته”.
طهران تزعم وميقاتي ينفي!
نقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصادر مطلعة امس أن رئيس الحكومة الجديدة، نجيب ميقاتي، لم يطلب أي شحنة وقود من إيران، لحل أزمة المحروقات الخانقة في البلاد.
ويأتي ذلك بعدما ذكر مسؤولون إيرانيون بأن طهران – أرسلت شحنات الوقود إلى لبنان – عن طريق سوريا، بناء لطلب من السلطات اللبنانية.
وكان ميقاتي قد اعتبر في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، قبل يومين، بأن شحنة الوقود التي أدخلتها ميليشيات حزب الله إلى البلاد “انتهاك لسيادة لبنان”.
وقال: “أنا حزين على انتهاك سيادة لبنان”.