تنعقد الهيئة العامة اليوم على نية تجديد المنظومة “الثقة” بنفسها، بمباركة العهد العوني وبمشاركة تكتله النيابي في عملية التغطية على إعادة تثبيت الركائز الحكومية للمنظومة عينها، التي لا يترك رئيسا الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، ميشال عون وجبران باسيل، منصة “شعبوية” إلا ويطلقان عبرها شعارات ضارية ضدها، بينما على أرض الواقع لا يتردد الأول في توقيع مراسيم ولادة حكومة يتقاسم فيها الحصص الوزارية مع هذه المنظومة، ولا يتوانى الثاني عن تجيير أصوات نوابه لصالحها، بموجب مقتضيات التسوية والمقايضة التي أبرمها عشية التأليف مع الرئيس نجيب ميقاتي بين “الحصة الوزارية” و”الثقة البرلمانية”.
وإذا كان قطوع التكليف والتأليف والثقة مرّ هيّنا يسيراً على ميقاتي، فإنّ التحديات التي بدأ باكراً يواجهها على المستوى السيادي لا تقل وزناً وأهميةً عن تلك التي تنتظره على المستويات المالية والاقتصادية والمعيشية، إذ بدت حكومته في الأيام الأولى من عمرها محاصرة بين كمّاشة صراع نفطي محتدم على أنقاض السيادة اللبنانية، حتى بدأت تتخبط باكراً في مستنقع يتجاذبها بين ضفتين متناقضتين براً وبحراً، لتجد نفسها أمام معادلة “إيران من أمامك وإسرائيل من ورائك”، فكانت النتيجة مزيداً من التضعضع في موقف الحكومة الوليدة، سواءً من خلال ما عكسته تصريحات رئيسها عن “الحزن” لانتهاك الصهاريج الإيرانية السيادة الوطنية، ومسارعة مصادره أمس إلى دحض أي شبهة تحوم حول ضلوع حكومته في طلب استقدام النفط الإيراني، أو عبر الاعتراض “الاستعراضي” لدى الأمم المتحدة على أعمال تنقيب إسرائيلية في منطقة بحرية، كانت قد أكدت حكومة ميقاتي نفسه في العام 2011 أنها منطقة غير متنازع عليها بموجب المرسوم 6433 الذي أرسلته حينها إلى الأمم المتحدة، وحددت من خلاله حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
وتوضح مصادر مواكبة للملف أنّ هذا المرسوم كان قد التزم إحداثيات الخط 23 في خرائط الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية بينما أعمال الحفر التي أعلنت شركة Halliburton عزمها المباشرة بها، بالاستناد إلى العقد الموقع بينها وبين السلطات الإسرائيلية إنما تقع “إلى الجنوب من هذا الخط، ما يعني أنّ لبنان لا يملك حق الاعتراض عليها طالما أنه لم يعدل مرسوم حدوده البحرية إلى مستوى إحداثيات الخط 29 وإيداعه في سجلات الأمم المتحدة”، مذكرةً بأنّ “حفلة المزايدات والمناكفات التي دارت بين أركان السلطة إثر إبرام اتفاق الاطار مع الأميركيين حيال المفاوضات الحدودية، ساهمت في تضييع حقوق لبنان في ثرواته النفطية، ومنحت الغطاء للأعمال الإسرائيلية خارج نطاق الخط 23، لا سيما وأنّ تعديل المرسوم الساري لا يزال محتجزاً في أدراج قصر بعبدا وينتظر توقيع رئيس الجمهورية عليه لإرساله إلى الأمم المتحدة تأكيداً على إحداثيات الخط 29 لحدود لبنان الجنوبية، بشكل يجعل عندها المنطقة التي يجري التنقيب الإسرائيلي فيها منطقة متنازع عليها عملياً وليس نظرياً”.
في الغضون، وفي أول تعليق رسمي من الخارجية الأميركية على مسألة استقدام “حزب الله” النفط الإيراني إلى لبنان، نبهت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية جيرالدين غريفيث إلى أنّ “استيراد النفط من ايران والنشاطات المشابهة تعرض لبنان للخطر”، مذكرةً بأنّ “الإدارة الاميركية فرضت عقوبات جديدة على “حزب الله” لمنعه من استغلال الموارد اللبنانية وتأمين تمويله، وهي ملتزمة بتضييق الخناق على الحزب”، مقابل تأكيدها على أنّ “الادارة الاميركية سعت لايجاد حلول مستدامة لحل ازمة الطاقة في لبنان (عبر استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية)، أما استيراد المحروقات من دولة خاضعة للعقوبات (إيران) فلا يصبّ في مصلحة لبنان”.
وإذ تركت للشعب اللبناني “أن يحكم على حكومته الجديدة” ولفتت إلى أنّ ما يهم واشنطن هو أن تكون “حكومة قادرة على القيام بدورها وتنفيذ الاصلاحات، وإنهاء ما يعاني منه لبنان من أزمة طاقة وغيرها نتيجة سنوات من الفساد وسوء إدارة الموارد”، برز على المستوى الداخلي رسم البطريرك الماروني بشارة الراعي خريطة طريق إنقاذية تفنّد المهمات المنشودة من حكومة “معاً للإنقاذ”، بدءاً من إجراء الإصلاحات واستنهاض الاقتصاد وتأمين الدعم التعليمي للمواطنين وحل أزمتي المحروقات والكهرباء، مروراً بانتشال البلد من “سياسة المحاور إلى رحاب الحياد واللامركزية الموسعة، ودعم القضاء لإنجاز تحقيقات تفجير 4 آب”، وصولاً إلى تحديد الراعي عناوين سيادية تتربع على رأس أولويات الحكومة، ويتقدمها “التصدي للعمليات المتواصلة لضرب هيبة الشرعية وكرامة الدولة ككل والمس بنظامها الديموقراطي الليبرالي”، مشدداً في هذا المجال على أهمية “حياد لبنان وعدم انحيازه، وتصحيح الممارسات المنافية للدستور واتفاق الطائف، والطريقة التي تمّ فيها إدخال صهاريج المحروقات بالأمس القريب، وإعاقة التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت والتشكيك الممنهج بقاضي التحقيق، كأن المطلوب إيقاف التحقيق في أكبر جريمة”.