على قاعدة «نثر المسامير» على مسار التحقيق العدلي في جريمة انفجار المرفأ لإبطاء حركته وشلّ قدرته على المضي قدماً في قيادة دفة التحقيقات والاستدعاءات والادعاءات في الجريمة، فرض «الثنائي الشيعي» أمس وقتاً مستقطعاً قضائياً إضافياً على عمل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، فأعاد «رفع يده» عن ملف القضية إثر تبلغه من قلم محكمة التمييز المدنية دعوى الرد الجديدة التي تقدم بها ضده النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر أمام المحكمة، «متسلّحين» هذه المرّة بالقرار الصادر عن هيئتها العامة والذي حدد «صلاحية محاكم التمييز المدنية والجزائية النظر في دعاوى رد المحقق العدلي»، بعدما كان رئيس محكمة التمييز المدنية القاضي ناجي عيد قد نظر في دعوى مماثلة من خليل وزعيتر وردّها «لعدم الاختصاص».
وعلى هذا المنوال، سيبقى مسلسل «تكبيل» البيطار يستأنف فصوله القضائية طالما بقي متعذراً «قبعه» من موقعه أو تنحيته عن مساءلة النواب والوزراء والرؤساء، ولن يألو «الثنائي» جهداً لاستنفاد كل الوسائل القانونية وغير القانونية لبلوغ هذه الغاية، ولن يثنيه تالياً انفراط عقد «التسوية» القضائية – التشريعية – الانتخابية مع «التيار الوطني الحر» تحت وطأة الاختلاف على الأولويات وترتيبها في سلة «المقايضة»، فكان وقع سقوطها مدوياً في المجلس الدستوري بعدما حمّلها رئيس «التيار» جبران باسيل أوزاراً كبيرة لم يستطع «حزب الله» مجاراته فيها، فانتفض في وجهه رئاسياً وسياسياً وسارع إلى الرد على عدم تقديم «الحزب» يد العون لـ«التيار» في تطويق مفاعيل الصوت المغترب، عبر شنّ حملة «هدّ مراجل» إعلامية، كما وصفتها مصادر قيادية في 8 آذار، في معرض التقليل من تأثير تصريحات وتسريبات باسيل الأخيرة ضد الثنائي الشيعي، مكتفيةً بالقول: «حزب الله» يتفهّم استياءه… و«تاركو يفشّ خلقه».
وكان تسجيل مصوّر مسرّب لرئيس «التيار الوطني الحر» قد رفع منسوب تراشقه مع «حزب الله» إلى مستويات متقدمة، ملوّحاً بفكّ الارتباط السياسي معه رداً على عدم تمرير الطعن الدستوري بتعديلات قانون الانتخاب، فبدا كلامه أمس الأول أمام «الحرس القديم» موجهاً إلى «الحزب» من دون أن يسميه حين قال: «نهار اللي بدنا نكون فيه مستقويين بغيرنا، عمرنا ما نكون (…) واللي ما بكون معنا ومع قضية الحق تبعنا عمرو ما يكون».
وبينما يواصل البلد انحداره السريع إلى أسفل، اقتصادياً ومالياً وحياتياً تحت وطأة تناحر قوى الأكثرية الحاكمة، تتسع الهوة العربية أكثر فأكثر مع لبنان الرسمي في ظل ما تظهره السلطة من عجز فادح في مكافحة ظاهرة تصدير المخدرات عبر بضائع لبنانية إلى دول الخليج العربي، وجديدها ما كشفته دولة الإمارات العربية المتحدة أمس عن ضبط شرطة دبي «أكثر من مليون قرص من مخدر الكبتاغون في شحنة ليمون». ونشرت الشرطة فيديو يُظهر أكياساً تحوي المخدرات في حبات ليمون بلاستيكية «مخلوطة بفاكهة ليمون حقيقي»، كما قال البيان عن الشحنة المضبوطة، مكتفياً بالإشارة إلى أنها «قادمة من إحدى الدول العربية»، غير أنّ صور العملية المنشورة بيّنت عبارة «صُنع في لبنان» على الصناديق المحجوزة، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية «أ ف ب».
وإلى الفساد المالي والاقتصادي، برز خلال الساعات الأخيرة التسجيل المصوّر الذي تم تداوله للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والذي يضع فيه الإصبع على السبب الرئيسي الذي أدى إلى الانهيار المالي في لبنان، وقال في التسجيل لأحد لقاءاته التي عقدها في بيروت: «على قدر فهمي فإنّ ما حدث في لبنان هو أنه شيء يشبه عملية احتيال… وبالطبع إلى جانب الفساد، وربما أشكال أخرى للسرقة، إنهار النظام المالي».
وعلى هذه الصورة، أوصلت سياسات «الاحتيال» على اللبنانيين ونهب مقدرات عيشهم، إلى المشهد المهين الذي بدا فيه أعضاء السلكين العسكري والأمني أمام المصارف وهم يتهافتون و»يتدافشون» كتفاً إلى كتف مع المواطنين أمس لسحب مرتباتهم بالدولار وفق تسعيرة «صيرفة» بموجب التعميم الذي كان قد أصدره المصرف المركزي رقم 161… الأمر الذي اضطر «المركزي» إلى إستلحاق هذا التعميم بتعميم آخر وسيط يمدّد العمل به إلى نهاية كانون الثاني من العام 2022 في محاولة للجم «الهجمة» على المصارف للاستفادة من فارق السعر بين دولارات «صيرفة» ودولارات «السوق السوداء».
وهذا الإجراء «الهجين»، وفق ما يرى خبراء ماليون، هو التطبيق الفعلي لمعادلة «رابح رابح» بين «المركزي» من جهة والسلطة السياسية من جهة ثانية. فالأول يصغر الفجوة النقدية مع المصارف، بمعنى آخر يقلل خسائره، فيما تمتص المنظومة نقمة موظفي القطاع العام بزودة على الرواتب تتراوح بين 20 و30 في المئة تدفعها من أموال المودعين، بدلاً من تحملها في الموازنة العاجزة.
وعلى هذا المنوال سيحول معظم العملة الصعبة من التوظيفات الإلزامية، أي من أموال المودعين، بمبلغ يتراوح بين 70 مليون دولار خلال شهري كانون الأول والثاني لتغطية الزيادة على رواتب موظفي الدولة. ذلك أن هناك 420 ألف موظف عام بين فاعل ومتقاعد بمتوسط راتب 80 دولاراً شهرياً (مليون و800 ألف ليرة). أما أذا استمر مفعول هذا التعميم طيلة العام القادم، وهذا ما ليس مستبعداً نتيجة عجز الدولة على رفع الرواتب أو إعطاء المساعدة الاجتماعية، فان الكلفة الاجمالية ستتجاوز نصف مليار دولار.
وبحسب الخبراء، فإنّ زيادة رواتب القطاع العام ستدفع حتماً من أموال المودعين مرة جديدة، وعليه يصبح هذا التدبير «دعماً مقنّعاً» لهذه الرواتب، واضعةً ذلك في خانة «البرطيل» السياسي لموظفي الدولة عشية الانتخابات، حيث ستحاول السلطة من خلاله استمالتهم عبر مختلف الأساليب الملتوية التي تتجنب الإصلاح والتقشّف وتخفيض الهدر في دوائر الدولة.