يودع اللبنانيون العام الجديد وعشية «الميلاد» بمشهد جديد من «طوابير الذل»،ليس على محطات الوقود او الافران هذه المرة،وانما على ابواب المصارف، بعدما تحول راتبهم الشهري الى مصدر «للاهانة»، فاصطف موظفو القطاع العام والخاص، والعسكريون، وتعاركوا، وتشاجروا، للحصول على بضعة دولارات تجاوزت المئة في احسن الاحوال، بعدما سمح تعميم مصرف لبنان بمنحها بالدولار «الفريش»، فتحول الراتب المفترض قبضه «بكرامة الى «رشوة» تحقق ربحا زهيدا في «السوق السوداء»، في حل ترقيعي جديد «يهدئ» من انهيار العملة الوطنية مؤقتا بانتظار ارتفاع قياسي متوقع في ظل غياب استراتيجية حكومية انقاذية تمثل خارطة طريق واضحة للخروج من «النفق».
فدخول البلاد في «شلل» الاعياد لم يغير الكثير من الوقائع السياسية والاقتصادية، «فالشلل» عنوان المرحلة السابقة، «والفشل» مرشح للاستمرار في المرحلة اللاحقة في ظل سوء ادارة الازمة من قبل مسؤولين فشلوا في اتمام «صفقة» «المقايضة» السياسية- القضائية، وبحسب مصادر وزراية بارزة، عادت التسويات الى «المربع الاول» في ظل جمود مرشح للاستمرار مع مطلع العام الجديد.
حسابات الربح والخسارة
وفيما دخلت اسرائيل على خط التهويل بالحرب للضغط على حزب الله ولبنان للقبول بتنازلات جديدة تروج لها واشنطن في ملف «الترسيم»، دخلت كافة الاطراف المحلية مرحلة اجراء حسابات الربح والخسارة في الاستحقاق الانتخابي المفترض في ايار المقبل، وازداد المشهد السياسي تعقيدا لدى الكثير من الاطراف، فاذا كان «الثنائي الشيعي» انهى الاتفاق على تفاصيل خوض الانتخابات بابقاء القديم على قدمه في «الحصص» لا الاسماء، واذا كان الحزب التقدمي الاشتراكي قد حسم خياراته التحالفية، وكذلك القوات اللبنانية، فان تيارالمستقبل يعيش ازمة وجودية في ظل مرحلة «التيه» التي يمر بها رئيسه سعد الحريري، وفيما بدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جردة حسابات سياسية وانتخابية لبلورة صورة المرحلة المقبلة انتخابيا،
علمت «الديار» ان رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة وصل الى الامارات تزامنا مع زيارة النائب وائل ابوفاعور حيث التقيا الرئيس الحريري في سياق بلورة موقفه من الاستحقاق الانتخابي، وعلم ان بلورة لموقفه سترى النور قريبا؟
ورطة «التيار» مع حزب الله؟
اما ثاني المأزومين، بحسب اوساط نيابية مطلعة، يبقى التيار الوطني الحر الذي يجري مراجعة جدية لكافة خياراته بعدما تلقى «صفعة» سياسية في المجلس الدستوري، ولعل المعضلة الاكثر صعوبة تبقى كيفية التعامل مع حزب الله الحليف الوحيد المتبقي لديه، واذا كانت بعض التصريحات والتسريبات «الغاضبة» تشير الى «استياء» «وسقف عالي» في المواقف المرتقبة بعد الاعياد، ومنها تسريب كلام لباسيل يقول فيه «نحن اقوياء بذاتنا، واذا كنا سنكون اقوياء بغيرنا عمرنا ما نكون، واللي ما بدو يكون مع قضايانا «عمروا» ما يكون»،الا ان الوقائع تفرض على «التيار» التواضع لان الخسائر ستكون اكبر من الارباح في الاستحقاقين الرئاسي والنيابي، اذا اتخذ رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل المزيد من القرارات الخاطئة، في ظل «لوم» واضح من قبل حليفه على خيارات عديدة لم تكن موفقة وكان آخرها استخدام تحقيقات المرفأ في «النكد» السياسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ضغوط غير واقعية
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى ان خطوط التواصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر «غير مقطوعة» وان كانت في اقل مستوياتها، ومن المرتقب تفعيلها في الايام القليلة المقبلة في ظل توجه لدى الحزب لفتح باب النقاش حيال كل «المطبات» التي واجهتها العلاقة..ووفقا للمعلومات، فان ثمة ضغوطا يمارسها «تيار» داخل «البرتقالي» على باسيل لاتخاذ «خطوة» الى الوراء تبدو ضرورية لارضاء «الجمهور» الغاضب من تعامل «الحليف»، لكن الارقام «تربك» حسابات باسيل حيث تجمع كافة الاحصائيات على ان خسارة «التيار» النيابية ستتجاوز السبع نواب في حال لم يتحالف مع الحزب في عدد من الدوائر ابرزها بعبدا،وزحلة، وبعلبك، وجزين، وحتى تلك المناطق ذات الاقلية الشيعية التي تبدو ضرورية لتامين الحواصل.ولهذا تبدو فكرة الترويج لخوض «التيار» الانتخابات وحيدا لتكرار «تسونامي» انتخابات 2005غير واقعي وخطوة انتحارية لان «الزمن» تغير، وشعبية التيار الوطني الحر تدهورت، وقانون الانتخابات ايضا.
حزب الله متمسك بموقفه
وفي هذا السياق، جددت كتلة الوفاء للمقاومة التمسك بموقف الحزب من الازمة، واكدت إن الاحتكام إلى الدستور والابتعاد عن المزايدات السياسيّة يعالجان حكماً التباين القائم حيال محاكمة الوزراء والرؤساء سواء في قضيّة انفجار مرفأ بيروت أو أي قضيّة أخرى، وقالت إنّ الأزمة القائمة فعلاً هي نتيجة طبيعيّة للخروج عن النص الدستوري والقانوني، وإنّ الحل هو في التزام كلٍ من القضاء والسلطات السياسيّة بممارسة صلاحياتهم الدستوريّة، دون تشاطر لتوسعة صلاحيات أيّ منهما على حساب الصلاحيات الأخرى، طالما أنّ الصلاحيّات لكل منهما واضحة ومحدّدة في الدستور والقوانين.
تعويل على «حكمة» محكمة التمييز!
في هذا الوقت، لا يزال الخلاف السياسي الذي انفجر غداة صدور «لا قرار» المجلس الدستوري، يهيمن على المشهد السياسي في البلاد، ويبدو ان فترة «الشلل» الحكومي طويلة الا اذا خرجت «المعجزة» من محكمة التمييز الاستئنافية التي تنظر في دعوى رئيس الحكومة السابق حسان دياب ضد القاضي طارق البيطار، وثمة تعويل كبير لدى عدة جهات سياسية ومنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اجرى اتصالا مع القاضي سهيل عبود باعتباره رئيس الهيئة العليا لمحكمة التمييز،طالبا منه اجراء اللازم لتنفيس الاحتقان في البلاد من خلال قرار جريء «بكف» يد المحقق العدلي عن ملاحقة النواب والوزراء ورؤوساء الحكومة ما يعيدها الى محكمة الرؤوساء والوزراء، وكذلك سيعفي تكتل «لبنان القوي» من الإحراج السياسي لأنه سيكون قادرا على حضور جلسة مجلس النواب ليس لتأمين النصاب فقط وإنما للتصويت وكتلته النيابية على قرار الفصل، وهذا «ينفس» الاحتقان مع «الثنائي الشيعي».
«الامال» ضعيفة
واذا كانت مصادر سياسية مطلعة لا تعول كثيرا على هذا الاتصال، الا انها تشير الى ان هذا المخرج سيؤدي الى عودة «المياه الى مجاريها» في الحكومة والمجلس النيابي بانتظار الاستحقاق الانتخابي، ودون هذا «المخرج» لا يبدو ان احد ا مستعد لتقديم التنازلات على ابواب الانتخابات.
كف يد البيطار مجددا
وفي هذا السياق، علّق المحقق العدلي طارق البيطار تحقيقه في انفجار مرفأ بيروت امس، بعد تبلغه دعوى تقدم بها وزيران سابقان يطلبان نقل القضية إلى قاض آخر، وفق ما أفاد مصدر قضائي، في خطوة هي الرابعة منذ بدء التحقيق في الكارثة، ويأتي تعليق التحقيق مجدداً بعد أسبوعين فقط على استئنافه إثر رد القضاء دعاوى عدة ضد البيطار. ووفقا لمصدر قضائي «بعدما تبلغ دعوى تطالب بتنحيته عن القضية تقدم بها النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، أمام محكمة التمييز المدنية، اضطر بيطار إلى رفع يده عن الملفّ ووقف كلّ التحقيقات والإجراءات بانتظار أن تبتّ المحكمة بأساس هذه الدعوى بقبولها أو رفضها..».
بري لن يبادر «للتهدئة»
وفي هذا السياق، لا تبدو المؤشرات مريحة في ظل استمرار «الكباش» السياسي المفتوح بين بعبدا وعين التينة، واذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري مستعد للدعوة الى جلسة مناقشة للحكومة بناء على طلب نواب تكتل»لبنان القوي»، اذا سمح وقت الدورة العادية التي تنتهي خلال 15 يوما، او اذا فتح رئيس الجمهورية دورة اسثنائية، لعلمه المسبق ان احدا غير مستعد للتضحية بالحكومة، وقد بدأ اتصالاته مع الرئيس نجيب ميقاتي لاستيعاب الموقف بعدما بلغه انه مستاء من هذه الخطوة كونها تطاله شخصيا فيما يعرف الجميع انه ليس سبب الازمة، وبحسب زوار بري فانه لا يبدو في وارد «التهدئة» مع الرئيس ميشال عون وتياره السياسي، الا اذا بادروا الى «التهدئة» بوقف «اللعب» بالقضاء، وهويظن ان تكتل لبنان القوي «يناور» واذا كان جديا في طلب جلسة نيابية ليعلن موافقته على الدورة الاستثنائية، ويقول بري صراحة ان العهد يمر في اضعف مراحله وعليه «التواضع» في علاقاته السياسية ولن امنح عون اكثر «مما يستحق»، ولن تكون له «اليد العليا» في التعيينات الادارية في مرحلة «افول» العهد.!
بري ميقاتي ورفض اقالة عويدات؟
واذا كان ما سبق احد اسباب عدم نجاح التسوية الاخيرة، فان ما اتفق على رفضه بري وميقاتي هو اقالة مدعي عام التمييز غسان عويدات الذي ارادها الرئيس عون لملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتهمة تبييض الأموال وصولاً إلى إقالته، خصوصاً ان عويدات رفض ملاحقته لانه لا يملك وثائق ومستندات تجيز له اتهامه!
تهويل مرتبط «بالترسيم»
في هذا الوقت، توقفت اوساط دبلوماسية امام اعلان جيش العدو الاسرائيلي أنه سيستخدم قوة ضاربة من الصعب تصورها في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع حزب الله، ولفتت الى ان هذا التهويل مرتبط حصرا بعملية ترسيم الحدود البحرية المفترض ان تتحرك مجددا الشهر المقبل مع عودة «الوسيط» الاميركي اموس هوكشتاين الى المنطقة.
فقد نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية عن القائد الجديد لسلاح الجو تومير بار زعمه أن الجيش الإسرائيلي سيستخدم قوة هائلة من الصعب تصورها في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع حزب الله، وذلك بفضل معرفته الجيدة بتلك «المنظمة»، ونظرا لعدد مواقعها العسكرية فضلا عن قدراته المتطورة في مجال السايبر. وزعم ايضا أن إسرائيل تريد حسم المعركة في فترة وجيزة وبعدد قليل من الضحايا.
واشنطن تريد «تنازلات» جديدة؟
ووفقا لتلك الاوساط، تضغط واشنطن للحصول على تنازلات لبنانية جديدة بعدما تخلى لبنان على الخط 29 مجانا، حيث تطمع اسرائيل التي بدات التنقيب في حقل «تامار» تتجه الى البدء بالتنقيب في الحقول الواقعة في شمال حقل «كاريش»، اي في المنطقة المتنازع عليها مع الجانب اللبناني، بعدما وصلتها اعتراضات من الشركة الاميركية التي فازت بالعرض، وتدعي اسرائيل بموافقة اميركية بان هذا الحفر لا يتجاوز الحدود المختلف عليها، على الرغم من ان الخرائط تشير الى عكس ذلك، لكن الاميركيين يضغطون من خلال هذه «الورقة» للحصول على المزيد من التنازلات اللبنانية.
تهديدات «فارغة»
ووفقا لتلك الاوساط، تتخوف اسرائيل من موقف تصعيدي من قبل حزب الله، اذا ما اتخذت اجراءات احادية، ولهذا يتم التصعيد الممنهج من قبل المسؤولين العسكريين الاسرائيليين، وآخرهم قائد سلاح الجو، للايحاء بان الاسرائيليين مستعدين للذهاب بعيدا في اي تحرك لمنعهم من التنقيب.!
وفي هذا السياق، تشير اوساط مطلعة على موقف الحزب، ان كل هذه التهديدات تبقى كلاما فارغا، وهي لن تثني المقاومة عن الدفاع عن ثروات لبنان الغازية، في حال تجاوزت اسرائيل مطالب الحكومة اللبنانية وقامت بالتصرف آحاديا في هذ الملف الحساس جدا.
عودة «طوابير الذل»
وفي مشهد اعاد الى الاذهان «طوابير الذل» وقف المواطنون لساعات طويلة امام المصارف في عدد من المناطق حيث شهدت زحمة كبيرة وكذلك «صدامات» نتيجة إقبال العسكريين والموظفين الذين يملكون حسابات بالليرة اللبنانية، على سحب رواتبهم بالدولار الأميركي على سعر منصة صيرفة وفقاً لتعميم حاكم مصرف لبنان 161 الصادر في 16 كانون الأوّل، والذي ينصّ على دفع المصارف لعملائها السحوبات النقدية التي يحقّ لهم سحبها سواء بالليرة أو بالدولار، وفق الحدود المعتمدة لدى كلّ مصرف، على أن تكون بـ «الفريش دولار» وفق سعر الصرف المعتمد على منصّة صيرفة والوارد في اليوم السابق للسحب. وقد سبب التعميم إرباكاً لدى العاملين في المصارف بسبب تهافت المواطنين للاستفادة منه قبل انتهاء مفعوله ضمن المهلة التي حدّدها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في نهاية الشهر الجاري من هذا العام، وفيما اصدر مصرف لبنان تعديلا يمدد العمل بالعميم فان بعض المصارف أبلغ عملاءه أنه لا يقدّم هذه الخدمة؟!.
المصارف غاضبة!
وفي موقف لافت،عبرت الجمعية العمومية للمصارف عن «غضبها» خلال اجتماع استثنائي امس عقد لتداول ببعض مشاريع القوانين والتوجهات العامة لمعالجة الأزمة الاقتصادية للبلد. وخلال الاجتماع توقف المجتمعون عند النمط الذي أصبح سائداً والذي يهدف إلى إثقال المصارف بالتزامات قانونية ونظامية لا طاقة لها على تحملها. واكدت «الجمعية» انه لا يجوز الاستمرار باستنزاف المصارف لأغراض آنية دون تحديد المسؤوليات ومعالجتها بشكل عادل وفي إطار خطة تعافي مدروسة بحيث تكون تضحيات المصارف محدّدة وفعّالة وليست هدراً إضافياً لأموال المودعين ولمقدرات البلد. وحذرت «الجمعية» على المدى المتوسط من إقفال القطاع المصرفي، ونبهت إلى خطورة التشريع جزائياً بمفعول رجعي وفقاً لعدد من المشاريع المطروحة وهي مخالفة للدستور والتي من شأنها إذا أُقرّت حمل المصارف المراسلة الأجنبية إلى وقف التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني وحمل الموديعين أيضاً إلى وقف الإيداعات بما فيها الأموال الجديدة لدى المصارف اللبنانية.
لا رفع دعم عن الطحين!
وفي سياق متصل بالازمة المعيشية، وبعد ساعات من البلبلة، اعلن تجمع المطاحن معاودة تسليم الطحين المدعوم كالعادة وبصورة يومية بعدما وافق مصرف لبنان على فواتير استيراد القمح التي كانت متوقفة لديه بعد جهود وزارة الاقتصاد. وكان نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف اعلن عن «وجود أزمة رغيف في البلاد»، عازياً السبب إلى «تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات اللازمة لتجار القمح»، ووفقا لاوساط وزارية لا رفع عن الدعم عن القمح اقله في الاشهر الاولى من مطلع العام المقبل.