كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: “برسم القاضي الأول فخامة رئيس الجمهورية”، وضعت القاضية غادة عون خطواتها القضائية، لتدحض بعبارتها هذه كل بيانات قصر بعبدا التي تنأى بالرئاسة الأولى عن مسار ادعاءاتها وملاحقاتها، ولتضرب بعرض الحائط مبدأ فصل السلطات بعدما نصّبت رأس السلطة التنفيذية على رأس السلطة القضائية، فاختصرت عون في بيانها مساءً المسافات وعكست من دون قصد حقيقة الصورة في مرآة قراراتها القضائية التي جنّدتها صراحةً في خدمة العهد العوني.
وتحت هذا العنوان، قُرئت خطوة الادعاء العوني أمس على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتهمة منع دورية أمن الدولة من تنفيذ مذكرة إحضار حاكم المصرف المركزي رياض سلامة مخفوراً من منزله أمس الأول، وهو ما كان قد نفته مديرية أمن الدولة نفسها فضلاً عن وزير الداخلية ومديرية الأمن الداخلي… لكنّ أوساط سياسية رأت في مسار النهج المتصاعد في تسليط “مطرقة” القضاء وتسخيرها في “معارك تصفية الحسابات العونية، قضائياً ومالياً واقتصادياً وأمنياً، خطة ممنهجة خطيرة يرمي من خلالها العهد في آخر أيامه إلى هدم الهيكل فوق رؤوس الجميع، ليضع يده بيد “حزب الله” في سبيل تحقيق هدف تفكيك بنية الدولة وتقويض مؤسساتها الشرعية، كثمن لترسيخ الانصهار بين الجانبين في الاستحقاقات النيابية والرئاسية المقبلة“.
ولفتت المصادر إلى أنّ مشهدية الأمس كانت بالغة الدلالة في تظهير هذه الخلاصة “بين التركيز العوني على مطاردة قوى الشرعية ومحاولة إيقاع الصدام بين أجهزة الدولة، وبين مجاهرة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بالتطور النوعي لسلاح الحزب خارج إطار الدولة وتعزيز ترسانته الصاروخية ذات “الرؤوس الذكية” وصولاً إلى إعلانه الاكتفاء الذاتي في تصنيع المسيّرات الحربية لدرجة إبداء الاستعداد للاتجار بها وعرضها للبيع على الراغبين بتقديم طلبات الشراء”، مشيرةً إلى أنّ “التكامل كان واضحاً بين الصورتين، فمن جهة يتولى فريق العهد مهمة “هدّ” ما تبقى من أعمدة المؤسسات الشرعية، ليواصل من جهة موازية “حزب الله” عملية ترسيخ “أعمدة” مشروعه فوق أنقاض الدولة المتداعية“.
وعلى الضفة المقابلة، فجّر الادعاء العوني على المدير العام لقوى الأمن الداخلي غضباً سنياً عارماً، أحرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ودفعه إلى التأكيد لرئيسة كتلة “المستقبل” النيابية بهية الحريري على أنه عازم على “متابعة الموضوع شخصياً مع وزير العدل ومدعي عام التمييز لوقف هذا التمادي بالاعتداء على مؤسسات الدولة وهيبتها وكرامات القيمين عليها”، مشدداً في هذا الإطار على أنه يرفض “تصرفات القاضية عون” وادعاءها على اللواء عثمان بوصفه “محض افتراء”. أما “تيار المستقبل” فصب جام غضبه على رئيس الجمهورية، متهماً إياه بأنه “يفتح لحساب تياره عدلية خاصة تقف على رأسها غادة عون”، ومتوعداً “الرؤوس المدبرة في أروقة قصر بعبدا لإغراق البلاد في مزيد من الفوضى”، بأنّ محاولة النيل من المدير العام للأمن الداخلي “لن تمرّ”، علماً أنّ النائبة الحريري نبهت في اتصالها مع رئيس الحكومة إلى أنّ “الاستمرار في هذه التجاوزات سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه”، مستغربةً “السكوت المريب” عن ارتكابات القاضية عون “ومخالفاتها باسم القانون تنفيذاً لمآرب سياسية ونزوات شخصية”، وشددت على أنّ كتلة “المستقبل” لن تسكت عن هذه التجاوزات و”ستتابع القضية ضمن مختلف الأطر وصولاً إلى طلب جلسة مناقشة نيابية عامة لمساءلة وزير العدل عن الارتكابات التي تقوم بها القاضية عون“.
وتزامناً، أعرب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن استغرابه لإصرار “فريق العهد على فتح مواجهات يميناً ويساراً بهدف التغطية على فشله وإيصاله البلد إلى الانهيار والإفلاس والكارثة والعزلة، وآخر معاركه الادعاء على المدير العام لقوى الامن الداخلي في محاولة لإخضاع هذه المؤسسة لأنها ترفض تنفيذ رغبات شخصية، كما ترفض ان تتحول أداة لتصفية الحسابات السلطوية”، لافتاً الانتباه في بيان إلى أنه “في الوقت الذي يقوم فيه البلد حالياً على المؤسستين الأساسيتين المتمثلتين بالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والتي بالأمس القريب سجِّل لها اكتشاف عدد كبير من شبكات التجسس، وفي الوقت الذي يجب أن يكون همّ العهد التخلّص من السلاح غير الشرعي، نراه يرتدّ في اتجاه ضرب السلاح الشرعي، كما كان قد فعل بالأمس حليفه السيد حسن نصرالله الذي شن هجوماً مماثلاً على الجيش اللبناني”، وندد جعجع حيال ذلك بما يبديه تحالف العهد – “حزب الله” من إصرار واضح على “محاولة تدمير ما تبقى من مؤسسات في الجمهورية بعد تدميره البلد وإيصاله إلى جهنّم“.
أما على جبهة بعبدا، فرأى المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية أنّ “تيار المستقبل” يشن حملة “أكاذيب وأضاليل وإدعاءات لها خلفيات ثأرية تهدف الى إضفاء طابع تحريضي على مقام رئاسة الجمهورية وشخص الرئيس”، مؤكداً في المقابل أنّ عون لن يتراجع عن تحقيق أهدافه “مهما اشتدت الضغوط وتعددت البيانات الكاذبة والادعاءات السافرة من اي جهة أتت“.