جنوباً، تنكبّ “اليونيفيل” على ترقيع فتق “المسيّرات” الذي خرق أجواء الاستقرار الهش على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، فعملت نهاية الأسبوع على تفعيل قنوات الاتصال بين طرفي الجبهة لإعادة تبريد الأرضية الحدودية وخفض منسوب التوتر على طول “الخط الأزرق”، بينما استفاق الإسرائيليون من “سكرة” الغارة الاستطلاعية التي شنها “حزب الله” في أجوائهم، ليتوعدوا من “منتدى الأمن” في ميونيخ، الدولة اللبنانية بأنها “ستتحمل المسؤولية” عن أفعال “الحزب” إذا استلزم الأمر “الهجوم بقوة لإلحاق ضرر كبير به”، وفق تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، مع تذكيره في هذا المجال بـ”قدرات” المقاتلات الإسرائيلية و”أزيز محركاتها عن قُرب“!
وعلى هامش المنتدى نفسه، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يجهد لإعادة تعويم الجانب الرسمي من المشهد اللبناني، فعقد سلسلة لقاءات شملت، فضلاً عن المسؤولين الألمان، وزراء الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والمصري سامح شكري، والإيراني أمير عبداللهيان ووفداً من الكونغرس الأميركي، على أن يعود بعدها للغطس في مستنقع “المناكفات والنكد” الذي ينتظره في بيروت، على حد تعبير مصادر مواكبة للتحديات المرتقبة هذا الأسبوع.
وأوضحت المصادر أنّ “الهدوء الذي شهدته الساحة الداخلية نهاية الأسبوع الفائت على مستوى المطاردة القضائية العونية لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، لا يعني أن توافقاً حصل بين الرئاستين الأولى والثالثة إزاء القضية، إنما كان هدوءاً أقرب إلى “حبس أنفاس” بانتظار ما ستعكسه أجواء اللقاء المرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي إثر عودته من ميونيخ، فإذا تبيّن أنّ الأول عازم على مواصلة عملية الضغط والتصعيد، فإنّ الثاني سيكون واضحاً وحاسماً في تظهير موقفه الرافض لإقحام حكومته في زواريب تصفية الحسابات السياسية والانتخابية، وسيؤكد “من الآخر” أنه ليس في وارد المضيّ قدماً في مجاراة النزعة العونية الإقصائية، لا تجاه سلامة ولا تجاه عثمان“.
وإذ سيكون سيناريو عدم تبليغ وزير الداخلية رسمياً، المدير العام للأمن الداخلي، بالموعد الذي حدده القاضي نقولا منصور لجلسة استجوابه في 24 الجاري، كفيلاً بنسف هذا الموعد، فإنّ المصادر نفسها كشفت في ما يتصل بقضية سلامة أنّ “رئيس الحكومة اتصل بمدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات طالباً منه عدم الادعاء على حاكم المصرف المركزي بعدما سرت معطيات تفيد بأنّ عويدات بصدد الادعاء عليه (غداً) الثلاثاء أو (بعد غد) الأربعاء”، مشيرةً إلى أنّ “ميقاتي أخذ على عاتقه كذلك إجراء سلسلة اتصالات داخلية ودولية لتطويق الهجمة العونية على حاكم المصرف المركزي، محذراً من تداعياتها الخطرة على الحكومة بشكل خاص وعلى البلد بشكل عام، ونبّه بهذا المعنى إلى أنّ “تطيير” سلامة من دون اتفاق مسبق على بديل مقبول داخلياً ودولياً من شأنه أن “يطيّر” الدولار وينسف كل خطط التفاوض مع صندوق النقد، وصولاً إلى إمكانية “تطيير” الانتخابات النيابية نتيجة تفلّت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على الأرض“.
أما على المستوى الدولي، فالمعطيات المتواترة من الأروقة الديبلوماسية تشي بأنّ “الأوروبيين لن يجازفوا بتغطية استبدال سلامة إذا تبيّن لهم أنّ هذه الخطوة ستزعزع الاستحقاق الانتخابي، في حين أنّ الأميركيين لا يزالون يربطون تنحي حاكم المركزي بإيجاد اسم بديل يتمتع بالمواصفات المطلوبة دولياً، بعيداً عن حسابات الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية الضيقة، لا سيما وأنّ المسؤولين عن الملف اللبناني في الإدارة الأميركية ينظرون من هذه الزاوية إلى الخلفيات السياسية للإجراءات القضائية التي تتخذها القاضية غادة عون بحق سلامة، ولا يركنون إلى أي ادعاء أو استدعاء صادر عن القضاء اللبناني لأنه بنظرهم جزء لا يتجزأ من تركيبة النظام اللبناني الفاسد، ولذلك فهم ينتظرون صدور أي إدانة قضائية أوروبية بحق سلامة للبناء عليها واتخاذ الموقف المناسب حياله“.
وكان الملف اللبناني، بمختلف تشعباته السياسية والاقتصادية والأمنية قد حضر السبت على هامش مؤتمر ميونيخ في محادثات وزيري الخارجية الفرنسية والأميركية جان إيف لودريان وأنطوني بلينكن، الذي أكد في تغريدة له أنّ التداول بأوضاع لبنان أتى في سياق متصل بالنقاش الذي دار حول “إيران ومنطقة الساحل” المتوسط، في وقت عُلم أنّ وزير الخارجية الفرنسي يعتزم “قريباً” القيام بزيارة إلى بيروت لإعادة ضبط عقارب الساعة اللبنانية على توقيت المطالب الدولية بوجوب الإصلاح وضمان إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر في 15 أيار… وهو ما أعاد التأكيد عليه الموقف السعودي من خلال تأكيد وزير الخارجية فيصل بن فرحان على كون “الإصلاح في لبنان أولوية، وعلى القادة هناك النظر بجدية في كيفية حكم بلادهم ونحتاج لرؤية قيادة جماعية في لبنان تتخذ قرارات توافقية وتنهض بمسؤولياتها“.
أما على المستوى الداخلي اللبناني، فسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى طمأنة المجتمعين العربي والدولي من القاهرة إلى أنّ الانتخابات النيابية حاصلة في أيار والرئاسية في تشرين الأول، ملمحاً إلى أنّ عملية الإنقاذ في لبنان مستحيلة قبل نهاية “جائحة” العهد العوني، حسبما قرأ مراقبون في تعبيره لجريدة “الأهرام” عن وجود “كورونا سياسية في لبنان أدت إلى شيء لم يكن أحد ينتظره”، وربطه المباشر بين وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية وبين حصول “تغيير في المنهجية” السياسية السائدة راهناً في البلد.