فيما البلاد تتهاوى فيها آخر احتمالات التعافي أو بالأقل آخر فرص وقف الانهيار، فإن فريقاً سياسياً يتمثل بالتيار الوطني الحر بشكل مباشر، ومعه من يجاريه في المصالح، يستمر في محاولات مكشوفة لتمرير مصالحه ولو على أنقاض البلاد برمّتها، وجديد هذه المحاولات النيرونية السعي لتطيير الإنتخابات مع تيقّنه أن الخسارة ستكون قاسية عليه. وقد وضع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أمس موقفا واضحاً في مواجهة هذا الفريق الذي استباح كل شيء، مشيرا إلى أنه “يبدو أن سد بسري عاد وأن سلعاتا باقية، وأن اصلاح قطاع الكهرباء ممنوع، وعرض الأردن اختفى، واستقلال القضاء تبخر، وتحقيق المرفأ معطل، وخطة صندوق النقد بالمقلوب، والترسيم مزاجي. وفوق كل هذا يريدون سرقة مفوض الحكومة لدى الاعمار لعقد صفقاتهم بكل حرية“.
وقد بدت محاولات التيار الوطني الحر لتطيير الانتخابات أمس عارية من أي غطاء عبر طرح الوزير المحسوب على هذا الفريق تأجيل الانتخابات، في اشارة تدل بوضوح إلى نية مبيتة لتطيير الاستحقاق عبر تقديم موعده حتى نهاية الصيف. وقد كانت مداولات الاجتماع الأول للجنة الوزارية المكلفة دراسة “الميغا سنتر” الذي عقد أمس قد أظهرت بحسب مصادر اللجنة لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن العقدة التي توصل إليها المجتمعون هي “قانونية بامتياز، وتتعلق بكيفية إنشاء مركز “الميغاسنتر” لأن قرار وزير الداخلية لا يكفي وحده لإنشائه، فالأمر يحتاج الى موافقة مجلس النواب، وربما ايضا لتشريعات قانونية قد لا يمكن أن تتحقق في الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات في 15 أيار المقبل، ما يعني استحالة تنفيذها في هذا الوقت“.
وفي مقابل المساعي لتطيير الاستحقاق، استغربت مصادر نيابية تمسك بعض القوى السياسية بـ”الميغاسنتر” من بوابة “حق يراد به باطل”. وكشفت المصادر عبر “الأنباء” الالكترونية أن الغاية من التلويح بتأجيل الانتخابات إلى أيلول المقبل بذريعة “الميغاسنتر” تهدف إلى أمرين: “إما تطيير الانتخابات بالمطلق، وإما إجراؤها في أيلول، وكذلك تعذر تشكيل حكومة جديدة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، ما يؤدي الى عدم انتخاب رئيس للجمهورية بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين أول 2022 بسبب عدم وجود حكومة. فيدخل لبنان في الفراغ الرئاسي، وربما يجد الرئيس عون هذا الأمر سببا لبقائه في بعبدا ودخول البلد في ازمة سياسية جديدة“.
في هذا السياق اعتبر عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله في حديث مع “الأنباء” الالكترونية ان “هناك استحالة تقنية حالياً لتطبيق “الميغاسنتر” لأن الوقت لا يسمح بتنفيذها، لما يتطلب ذلك من إجراءات وتحديد المراكز وتأهيلها، وتأمين الأجهزة اللوجستية والداتا الخاصة بها، وإعادة فرز الأسماء الصادرة عبر لوائح الشطب بين الراغبين بالاقتراع بواسطة الميغاسنتر والمقترعين في قراهم وبلداتهم، لأن تكرار ورود الأسماء يعد تزويرا“.
على خط آخر ومع تفاقم أزمة المحروقات، والهلع الذي يعيشه اللبنانيون منذ اندلاع الحرب الاوكرانية نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية، وقرار وزير الاقتصاد بوقف التصدير لبعض المنتجات إلى الخارج، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور أنيس أبو دياب في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “الدول عادة تحاول أن ترسم سياستها الخارجية لتفادي الأزمات التي قد تحصل، ومنها المحافظة على أمنها الغذائي على المدى المتوسط لمواجهة أي أزمة مستجدة، لكن الدولة اللبنانية للأسف تأتي متأخرة لمواجهة الأزمات. وكأنه ينقص لبنان مصائب جديدة بعد التي حصلت في السنوات الثلاث الماضية”، مشيرا إلى أن “الحرب الروسية الأوكرانية، بما تشكله كل من روسيا واوكرانيا من مصدر للسلع الأساسية والاستراتيجية تزيد الأزمة تعقيدا في لبنان، خاصة لجهة السلع الاستراتيجية كالمحروقات والقمح والزيوت. أضف الى ذلك ارتفاع أسعار النفط بعدما وصل سعر البرميل الى 118 دولارا، وحاجة لبنان الى السكر بنسبة 60 في المئة، والزيوت 120 في المئة، واحتياط القمح الذي أصبح شبه متهاو بسبب انفجار المرفأ، والتذبذب الحاصل في اسعار النفط لعدم وجود احتياطي، كل ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبسبب الشح في الدولار سيزداد الأمر تعقيداً“.
أبو دياب رأى في “الخطوة التي اتخذت من قبل وزارة الاقتصاد لوقف تصدير بعض المنتجات الزراعية لا تقدم ولا تؤخر”، معتبرا أنها “ربما تلجم ارتفاع اسعار البنزين والمازوت وغيرها التي تطال كافة السلع”، وقال إن “وزارة الاقتصاد والحكومة تأخروا عن اتخاذ قرارات احتياطية لاستيراد سلع استراتيجية من غير أوكرانيا وروسيا، لأن الازمة بدأت تظهر منذ كانون أول 2021 لكن غياب المؤسسات وشح الدولار انعكس سلبا على لبنان. لذلك نحن في ورطة، وما يحاول قوله وزير الاقتصاد بأن لا داعي للهلع إنما على العكس من ذلك يجب أن نهلع ليكون لدينا فعلا الترشيد في الاستهلاك بالقمح والطحين والمحروقات. لأننا لا نعرف متى تنتهي الازمة فعليا. إذ لا بوادر حل، ولا قدرة للحكومة ووزارة الاقتصاد على مراقبة التجار، الذين بشكل او بآخر زادوا من تعقيد الأزمة“.