على صفيح مشتعل بنيران الشعبوية والدجل الإصلاحي على أعتاب الاستحقاق الانتخابي، تحط بعثة جديدة من خبراء صندوق النقد الدولي في بيروت قبل نهاية الشهر الجاري لتستأنف عملية تدوير الزوايا مع المافيا اللبنانية الحاكمة ومفاوضة السلطة على سبل تحرير مواطنيها من خلال تجديد حثها على صياغة برنامج عمل مع الصندوق “يمكن أن يتصدى للتحديات المالية والاقتصادية الشديدة التي يواجهها لبنان”، حسبما شدد المتحدث باسم صندوق النقد جيري رايس أمس، مؤكداً الحاجة إلى “عمل مكثف في الفترة المقبلة لأن تحديات لبنان عميقة ومعقدة وستتطلب وقتاً والتزاماً“.
وعلى “الصفيح الشعبوي” نفسه، يواصل العهد وتياره إضرام النار في هشيم القطاع المصرفي وفق “خارطة طريق منهجية” ترمي إلى تسعير “جهنم” المالية والنقدية تحت أقدام الناس والمودعين، كما رأت مصادر سياسية في معرض تقييمها لتزخيم حملة الادعاءات العونية على المصارف “لدفعها إلى إقفال أبوابها وإشعال فتيل الفوضى في البلاد توصلاً إلى إحداث انفجار اجتماعي ينسف أرضية الاستقرار اللازمة لإجراء الاستحقاق الانتخابي”، معتبرةً أنّ ما يجري راهناً في هذا الإطار يمكن وضعه ضمن خانة “حرب إلغاء انتخابية” يشنها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لفرض “أمر واقع فوضوي في البلاد يحقق هدفه في الإطاحة بموعد الاستحقاق النيابي في 15 أيار والدفع باتجاه تأجيله وربطه بالاستحقاق الرئاسي ضمن سلة تسووية واحدة“.
وكانت النائبة العامة الاستئنافية القاضية غادة عون قد استكملت بالأمس تصعيدها التصاعدي في مواجهة أصحاب المصارف ورؤساء مجالس إداراتها، فضمّت رئيس مجلس إدارة بنك “الاعتماد المصرفي” إلى باقة مذكرات “منع السفر وتجميد الأصول ومنع التصرف بالأسهم والعقارات والحصص والسيارات والشركات التجارية التابعة” للمصرف، أسوةً بالمذكرات المماثلة التي كانت قد سطرتها بحق كل من “بنك بيروت”، و”سوسييتيه جنرال”، و”ميد بنك”، و”عوده”، و”لبنان والمهجر”، فضلاً عن شل عمل “فرنسبنك” بموجب قرار رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني ختم فروعه وصناديقه بالشمع الأحمر تحصيلاً لوديعة أحد المواطنين المصريين لديه.
وتوازياً، وجهت عون أمس “ضربة قاضية” لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة تمثلت بتوقيف شقيقه رجا إثر استجوابه وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه بتهمة الإثراء غير المشروع على خلفية إخبار مقدم من الدائرة القانونية في مجموعة تطلق على نفسها اسم “رواد العدالة” ضد الأخوين سلامة ومواطنة أوكرانية بجرم تبييض أموال والإثراء غير المشروع وتبديد المال العام في القضية التي كانت قد أثارتها تحقيقات استقصائية في الصحف الفرنسية وتطرقت إلى توقيع “عقد سمسرة” مع شركة يملكها رجا سلامة تقاضى بموجبها عمولات على بيع الأوراق المالية من مصرف لبنان بالإضافة إلى تسجيل عقارات في فرنسا قاربت قيمتها 12 مليون دولار. ومساءً جددت عون استدعاء حاكم المصرف المركزي للتحقيق معه يوم الاثنين المقبل في الإخبار عينه، وذلك بعدما أكدت لقناة “الجديد” عزمها على استدعائه وفي حال عدم مثوله هذه المرة أيضاً “منشوف شو منعمل معه“.
وفي خضم البلبلة المصرفية والمالية التي ساهمت في “انتعاش” سعر صرف الدولار في السوق السوداء ليلاً، تداعت جمعية المصارف أمس إلى اجتماع للتداول في الخطوات التصعيدية التي يمكن أن تلجأ إلى اتخاذها في مواجهة الهجمة القضائية عليها، وفي مقدمها خطوة “الإضراب العام” على كامل الأراضي اللبنانية. غير أنّ مصادر مواكبة للاجتماع كشفت عن انقسام في الآراء بين أعضاء الجمعية إزاء هذه الخطوة، وسط تأييد فريق للإضراب وتحميل الحكومة المسؤولية الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي ستنتج عنه، مقابل تخوّف فريق آخر من اللجوء إلى إقفال المصارف خشية إحداث “انفجار شعبي واجتماعي لن يكون من السهل تدارك تداعياته السلبية والكارثية في البلد“.
وعلى صعيد آخر متصل بالوضع اللبناني، برز أمس إعراب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا في الإحاطة الدورية التي قدمتها أمام مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 1701، عن القلق جراء “استمرار التدهور الاجتماعي والاقتصادي ومعاناة الشعب اللبناني وتآكل القطاع العام” بالتزامن مع انعدام وجود “رؤية اقتصادية ومالية عادلة وذات مصداقية، وإدارة مالية سليمة، وإصلاحات ملموسة لقطاع الكهرباء، واتفاقية مع صندوق النقد الدولي، وسلطة قضائية مستقلة، فضلا عن الحوكمة الرشيدة وتدابير لمكافحة الفساد”، على أنّ قلق المسؤولة الأممية امتد ليشمل في جانب آخر من التقرير تحذيراً صريحاً من “هشاشة الهدوء النسبي بين لبنان وإسرائيل”، فحثّت أعضاء مجلس الأمن الدولي على مواصلة تقديم الدعم للجيش اللبناني وكافة المؤسسات الأمنية الشرعية في لبنان، مشيرة في هذا المجال إلى تأثيرات الأزمة الاقتصادية على هذه المؤسسات وإلى “الدور الذي تلعبه في توفير الأمن والاستقرار خلال الفترة الانتخابية المقبلة“.