كتبت صحيفة “الشرق الأوسط” تقول: أفرزت نتائج الانتخابات النيابية في لبنان واقعاً جديداً تلزم فيه التكتلات النيابية الكبيرة على عقد تحالفات مع شخصيات مستقلة وقوى تغييرية لتتمكن من تمرير أي قانون، أو أي من الاستحقاقات الأخرى، كانتخاب رئيس للجمهورية أو تأليف حكومة حيث فقدت معظم الأحزاب الكبيرة القدرة السابقة على اتخاذ القرارات، وباتت ملزمة بحشد أصوات النواب، نائباً بنائب، بدلاً من الطريقة السابقة التي كانت قائمة على تفاهمات بين رؤساء الكتل أو زعماء التيارات والأحزاب.
وسجلت النتائج إضافة في عدد نواب كتلة «القوات اللبنانية» بنسبة 25 في المائة، حيث ارتفعت من 15 نائباً إلى عشرين، كما ارتفعت كتلة «الحزب التقدمي الاشتراكي» نائباً واحداً، وارتفعت كتلة «حزب الله» نائبين… أما المتراجعون، فهم كتلة «التيار الوطني الحر» بستة نواب، و«حركة أمل» بنائبين، و«المردة» بنائب، و«المستقلون السنة» بنائبين، وسط تراجع كبير في صفوف حلفاء دمشق في لبنان. وبعدما كان «حزب الله» وحلفاؤه يملكون أغلبية نيابية (النصف زائد واحد)، باتوا يملكون اليوم 59 نائباً، حسب ما تؤكد «الدولية للمعلومات».
وأفضت نتائج الانتخابات إلى خريطة جديدة في البرلمان، تتضمن خمسة تكتلات نيابية يُصطلح على تسميتها «بلوكات»، تمتلك نحو ثمانين نائباً من دون الحلفاء، وهي تكتلات منقسمة سياسيا على عناوين اقتصادية واستراتيجية، في إشارة إلى تكتل «التيار الوطني الحر» الذي أوصل 18 نائباً من دون الحلفاء، و«القوات اللبنانية» التي أوصلت 20 نائباً من دون الحلفاء، و«حزب الله» الذي أوصل 13 نائباً إضافة إلى 3 شخصيات حليفة (أي سنيين ومستقل) على قائمته، وحركة أمل التي أوصلت 15 نائباً، و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي أوصل 9 نواب إلى الندوة البرلمانية.
وتختلف تلك «البلوكات» الكبيرة على عناوين سياسية واستراتيجية واقتصادية، رغم أنها تلتقي إلى حد بعيد في بعض الملفات، وتتضارب في ملفات أخرى. ففي حين يختلف «التيار» و«حركة أمل» على معظم العناوين، يلتقي «حزب الله» مع «التيار» على عناوين كثيرة، رغم التباين في ملفات أخرى. وبينما يختلف الحزب مع «التقدمي الاشتراكي» على الكثير من العناوين، وربما لا يلتقيان إلا على موضوع رفض زيادة الضرائب، يلتقي «الاشتراكي» مع «أمل» على عناوين كثيرة ضمن انسجام إلى حد بعيد، تعززه العلاقة المتينة بين زعيمي الحزبين، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التقدمي» وليد جنبلاط.
وتنقسم الروابط بين «البلوكات» الكبيرة إلى علاقات ثنائية متينة بين أقطابها، وعلاقات أقل متانة بين حلفاء الحلفاء. فعلى صعيد العلاقات المتينة، تبرز علاقة «أمل» و«الاشتراكي»، وعلاقة «حزب الله» و«أمل»، و«حزب الله» و«التيار»، و«الاشتراكي» مع «القوات»… وتتضاءل لتتوقف على عناوين محددة ومحصورة بين «التيار» و«القوات» اللذين توافقا على قانون الانتخاب مثلاً في المجلس السابق والتحقيقات في مرفأ بيروت ورفض إقرار قانون العفو العام… أما «الاشتراكي» فتقاطع مع «التيار» في ملف المرفأ، وهي نقطة تنافر بين جنبلاط وبري.
غير أن تلك التكتلات النيابية الكبيرة غير المنسجمة، ليس بمقدورها اتخاذ أي قرار، أو تزكية أي مرشح للحكومة أو للرئاسة، من دون توافقات فيما بينها، أو توافقات مع تكتلات أخرى أفرزتها الانتخابات، بالنظر إلى أن النتائج أوصلت كتلتين من المستقلين والتغييريين تصلان إلى 25 نائباً، فضلاً عن أعضاء سابقين في «تيار المستقبل» يبلغ عددهم 6 نواب، وأعضاء كتلة «الكتائب» البالغة 5 نواب، وحزب «الطاشناق» بكتلة تضم 3 نواب، و«المردة» بنائبين، و«حركة الاستقلال» بنائبين بعدما كانت نائباً واحداً في السابق.
ولا يلتقي هؤلاء، بدورهم، على مختلف العناوين التي تبرز بداية في الاختلاف على تسمية الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب مرة أخرى، كما يختلفون حول سلاح «حزب الله»، وعلى بيع أملاك الدولة وخصخصة القطاعات المنتجة. وتنسحب بدورها على تسمية رئيس جديد للحكومة، وعلى خطة عمل الحكومة وبيانها الوزاري، فضلاً عن القوانين المتصلة بتفاصيل الإصلاح المالي والاقتصادي، ومن ضمنها قانون تنظيم السحوبات المالية والودائع المصرفية وتقييد التحويلات المعروف باسم «الكابيتال كونترول».
ويؤيد بعض المستقلين ووجوه «المجتمع المدني» طرح مسألة سلاح «حزب الله» ضمن استراتيجية دفاعية تجري مناقشتها على طاولة حوار وطني موسعة، ومن ضمنهم حلفاء سنة وشيعة ومسيحيون، لكن أغلبيتهم في الوقت نفسه تختلف معه على مقارباته الاقتصادية وتحركاته المتصلة بالملفات المعيشية.
وحافظ «حزب الاتحاد» على تمثيله النيابي بنائب واحد، فيما دخل حزب «الوطنيين الأحرار» إلى الندوة البرلمانية مرة جديدة بنائب واحد بعد خسارته انتخابات 2018. كذلك «الجماعة الإسلامية» التي أوصلت نائباً واحداً، فيما ارتفع تمثيل «جمعية المشاريع» من نائب إلى اثنين، أحدهما في بيروت والثاني في طرابلس.