إنها نتيجة التآمر والتقاعس والمُتجارة بحقوق الشعب اللبناني الذي مارسته السلطة السياسية في ملف الغاز في البحر. فبنفس الطريقة التي عالجت فيها الملفات الإقتصادية والإنمائية، سجّلت السلطة السياسية أسوأ أداء لها على الإطلاق في ملف الغاز حيث إستفاد العدّو الإسرائيلي من هذا البزار السياسي وأرسل سفينة اينرجيان باور الى حقل كاريش شمال الخط 29 في وقت تخاذل لبنان عن إقرار تعديل المرسوم ٦٤٣٣ الذي يُثبّت حقّه، وإرساله إلى الأمم المُتحدة وذلك بهدف منع العدو الغاصب من العبث بثروتنا النفطية! عدّم إقرار هذا المرسوم هو أكبر فضيحة على سجل هذه الطبقة.الإنقسام الداخلي حول هذا الملف كبير، من أعلى مرجعية في الدولة اللبنانية أي رئاسة الجمهورية (الذي يؤيّد خط الترسيم 23) إلى الوفد اللبناني في المفاوضات غير المباشرة (الذي يؤيّد خط الترسيم 29) مرورًا بالرئاسات الأخرى والوزراء والمستشارين. وهذا الإنقسام هو ما يلعب عليه العدو الصهيوني لقضم حقوق لبنان في هذه المنطقة.
أكثر ما هو مُلفت في هذا الملف، أن الموفد الأميركي عندما يزور العدو الإسرائيلي، يعمد إلى زيارة مسؤول واحد سواء كان رئيس حكومة العدو أن وزير دفاعه… أما عندما يزور لبنان، فهو يقوم بزيارة الرؤساء الثلاث ووزير الطاقة ووزير الدفاع وقائد الجيش والمستشارين ووو… وبالتالي يستطيع الموفد الأميركي الحصول على تراجعات من هنا وهناك مُعتمدًا بالدرجة الأولى على الإنقسامات الداخلية.
وصول الباخرة اينرجيان باور الى كاريش (شمال الخط 29) تأتي بعد مضي أكثر من شهر على شبّك إسرائيل لمنصة الإستخراج العائمة بالبنية التحتية الموصولة بحقول الغاز، وبالتالي فإن وصول هذه الباخرة يعني أننا على بعد أشهر وربما أسابيع من بدء إستخراج الغاز من حقّلٍ مُشترك بين لبنان وبين العدو الإسرائيلي. من هذا المُنطلق، فإن عدم تعديل المرسوم ٦٤٣٣ يسحب من لبنان أي حجّة لوقف العلمية نظرًا إلى أن الإعتراض يكون على منطقة مُتنازع عليها! فإذا لم يكن هناك من تعديل مرسوم وإرساله إلى الأمم المُتحدة في أسرع وقت، فإن لبنان لم يعد يمتلك أي خيار إلا خيار الرد الميداني على هذا التعدّي.
لا نعلم إذا ما كان هذا الحدث سيُسرّع إقرار مرسوم تعديل المرسوم ٦٤٣٣، إلا أن الأكيد أن عدم إقراره يعني أننا ذاهبون إلى الأسوأ – وعنيت بذلك المواجهة العسكرية مع العدو. فما هي السيناريوهات المطروحة؟
السيناريو الأوّل هو سيناريو «النعامة» أي أن تقوم الحكومة بتجاهل ما يحدث وبالتالي فقدان لبنان لحقوقه في هذه المنطقة والتي تفوق مئات مليارات الدولارات. وهذا الأمر إن حصل يكون عار على لبنان!
السيناريو الثاني ينصّ على أن تقوم السلطات اللبنانية بتعديل المرسوم ٦٤٣٣ وإرساله إلى الأمم المُتحدة وإخطار الشركة اليونانية أن المنطقة التي تتواجد فيها الباخرة هي منطقة مُـتنازع عليها. وبالتالي يكون لبنان إٍستنفد الوسائل الديبلوماسية لحماية حقوقه. فإذا إنصاع الإسرائيلي لهذا الأمر نكون تفادينا مُشكلة كبيرة على أن تُستأنف المفاوضات غير المباشرة، وإلا سنذهب إلى السيناريو الثالث.
السيناريو الثالث ينص على ردّ من قبل الجيش اللبناني والمُقاومة على قرصنة العدو الإسرائيلي من خلال عمليات عسكرية قد تطال بالدرجة الأولى الباخرة اينرجيان باور أو المنشأت الموجودة في هذه المنطقة أو مناطق أخرى تراها المقاومة مناسبة. العدو الإسرائيلي المُستعدّ لهذا السيناريو قام بمناورات حية في شمال فلسطين المُحتلة كما ومناورات مُشتركة مع قبرص، إلا أن ما يجهله هذا العدو هو القدرة الصاروخية للمقاومة التي ستلتحم مع المقاومة في غزة لمفاجئة جيش العدو بما لم يتوقّعه! على هذا الصعيد قالت القناة 12 العبرية أن «إسرائيل» لديها مخاوف جدية من قيام حزب الله أو الجيش اللبناني باستهداف منصة إنتاج الغاز اليونانية.
مصدر مُطّلع يقول أن ما حصل من مناورات عسكرية من قبل جيش العدو قبل إستقدام السفينة، قد يكون فخّ لإدخال المقاومة في صراع عسكري مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإن المُقاومة واعية إلى هذا الأمر وستختار الزمان والمكان المناسبين للرد على هذا التعدي.
على كل الأحوال لا شيء يوحي حتى الآن، بأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ستُستأنف قريبًا، بل أن المُعطيات توحي بمزيد من التخبّط الداخلي وهو ما يزيد من حظوظ السيناريو الثالث.
من جهته تواصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد من المعنيين للبحث في التطورات على أثر الأنباء التي وردت عن دخول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه في المنطقة المتنازع عليها في الحدود البحرية الجنوبية. وطلب من قيادة الجيش «تزويده بالمعطيات الدقيقة والرسمية ليبنى على الشيء مقتضاه»، لافتاً إلى أنّ» المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لا تزال مستمرة، وبالتالي فإن أي عمل أو نشاط في المنطقة المتنازع عليها يشكّل إستفزازاً وعملاً عدائياً».
رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال في بيان البارحة «إن محاولات العدو الاسرائيلي افتعال أزمة جديدة، من خلال التعدي على ثروة لبنان المائية، وفرض أمر واقع في منطقة متنازع عليها ويتمسك لبنان بحقوقه فيها، أمر في منتهى الخطورة، ومن شأنه احداث توترات لا أحد يمكنه التكهّن بتداعياتها». مُضيفًا «من هذا المنطلق فاننا نحذر من تداعيات اي خطوة ناقصة، قبل استكمال مهمة الوسيط الاميركي، التي بات استئنافها أكثر من ضرورة ملحة. وندعو الامم المتحدة وجميع المعنيين الى تدارك الوضع والزام العدو الاسرائيلي بوقف استفزازاته». وختم قائلا» الحل بعودة التفاوض على قاعدة عدم التنازل عن حقوق لبنان الكاملة في ثرواته ومياهه».
أما الرئيس السابق للوفد التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن بسام ياسين، فأشار في تصريح صحافي إلى أنه «في حال رست السفينة شمال أو جنوب حقل كاريش فإن ذلك يعتبر اعتداء كون الحقل مشتركاً، وتالياً لا يحق لأيّ من الطرفين اللبناني أو الإسرائيلي أن يستخرج منه الغاز».
من جهته قال مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن لبنان يعتبر في المبدأ أن خط 29 هو خط التفاوض. وكل ما هو داخل الخط 29 يُصبح مناطق متنازع عليها، ولا يحق للعدو إستخراج النفط أو التصرف بأي شيء شمال هذا الخط. وبالتالي سيُصبح المساس بالثروة النفطية اللبنانية أو غيرها، بمثابة تعد على السيادة اللبنانية وحقوق لبنان.
أمّا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، فقد شدّد في بيان على ضرورة استفادة لبنان من ثرواته البحرية من النفط والغاز. حيث قال «إذا كانت الشرعية الدولية المقاس المرجعي للحدود البحرية اللبنانية، فالشرعية الدولية بخصوص المنطقة البحرية اللبنانية تبدأ من الخط 29 (خط الهدنة) وليس من الخط 23 (الخط الأزرق)، وإذا كان المقاس القوة فالدولة والمقاومة مدعوة لحماية المنطقة البحرية اللبنانية وعشرات مليارات الدولارات من الطاقة اللبنانية التي تقع بحقل كاريش، ولن نقبل أن تتنعم تل أبيب بالنفط والغاز اللبنانيين فيما لبنان عاجز عن تأمين امداداته من النفط والغاز وسط أسوأ أزمة بتاريخه، والإحتلال الإسرائيلي لحقل كاريش يشبه الاحتلال الإسرائيلي للعاصمة بيروت، وكل الشعب اللبناني وقواه الوطنية حاضرة لأن تكون جزءا من هذه المعركة الوطنية الفاصلة».
على صعيد أخر، قامت مغاوير الجيش البارحة بتنفيذ مداهمات في حي الشراونة بحثاً عن المطلوب “ابو سلة” ومطلقي النار على الجيش اللبناني وذلك على إثر إستشهاد جندي لبناني وإصابة 5 آخرين، خلال اشتباك مع مطلوبين بمنطقة الشراونة في مدينة بعلبك خلال عملية دهم التي نفذتها قوة من الجيش في الشراونة، والتي أسفرت عن توقيف عدد من المطلوبين. وأدّى إستخدام أسلحة متوسطة العيار (من نوع أر بي جي) من قبل المطلوبين في محلّة تل الأبيض في حي الشراونة إلى استخدام الجيش اللبناني طوافة “غازيل» الهجومية في المداهمات في حي الشراونة لتأمين غطاء جوي للعناصر المداهمة.
إلى هذا ، أشارت معلومات صحفية إلى أن الجيش يتحرك وفق المعلومات الامنية، وقد يكون توقيت مداهمة “ابو سلة” مرتبط بالقدرة اللوجستية على إعتقال المطلوبين مُنتقدة بشدّة التشكيك بعملية الجيش في الشراونة والبقاع والذي من «شأنه ان يعقد الموقف، وان يمنح للقتلة والعصابات فرصة الهروب وتبرير الاعمال القذرة».