بحبس الأنفاس، يقف أركان السلطة “على إجر ونص” بانتظار عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت حاملاً معه الجواب الإسرائيلي النهائي على الطرح اللبناني لاستئناف مفاوضات الترسيم في الناقورة، سيّما وأنه غادر أمس تل أبيب إلى واشنطن تمهيداً لإعداد الجانب الإسرائيلي ردّه الرسمي ليعود به هوكشتاين إلى الجانب اللبناني أواخر آب الجاري. واسترعى الانتباه مساءً ما نقلته التقارير الإعلامية الإسرائيلية عن تدارس مجلس الوزراء الإسرائيلي في جلسته التي عقدت أمس للتباحث في ملف الترسيم البحري مع لبنان احتمال “تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش”، في محاولة لسحب فتيل التصعيد على الجبهة الحدودية مع لبنان، وذلك بالتوازي مع الاستعداد لكل الفرضيات والسيناريوات العسكرية المحتملة في ضوء تشديد الأمين العام لـ”حزب الله” في إطلالاته الأخيرة على كون دائرة التهديد لم تعد محصورة بحقل كاريش فقط، إنما باتت تشمل كافة حقول ومنصات النفط والغاز على امتداد الشواطئ والسواحل الإسرائيلية.
وفي خضمّ تزاحم المنعطفات المصيرية التي يمرّ بها البلد وأبناؤه، وجد كل من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل متسعاً من الوقت لتقاذف المسؤوليات العقيمة عن مسبّبات عدم التأليف وحرمان اللبنانيين من أبسط حقوقهم في الكهرباء والماء والإصلاح والعدالة، فاندلع سجال “هابط” بين الجانبين استخدمت فيه عبارات دون المستوى وأمثلة شعبية “تحت الزنار” بلغت حدّ وضع المكتب الإعلامي لميقاتي مضامين بيان المجلس السياسي لـ”التيار الوطني” ضمن خانة “شيلي اللي فيكي وحطيه فييّ” في إشارة إلى القول الشعبي الذي يًستخدم عادةً في معرض الردّ على ما تسوقه “المومس” من اتهامات بحق الآخرين!
وكان باسيل قد شنّ هجمة متجددة على ميقاتي عبر مجلس تياره السياسي، فحمّله “مسؤولية الاستخفاف بالدستور” وارتكاب “جريمة بحق اللبنانيين” من خلال “التعطيل المتعمّد لعملية التشكيل”، فضلاً عن تحميله “جزءاً كبيراً من مسؤولية انقطاع الكهرباء لأنه عرقل تنفيذ الخطة ويرفض اليوم أي حل أو هبة” من زاوية التلميح إلى رفضه الاستحصال على الفيول الإيراني لمعامل الكهرباء، ليخلص في مضبطة الاتهامات التي سطّرها بحق الرئيس المكّلف إلى اعتبار “مواقفه تدعو إلى الريبة فهو لا يسمح لوزارة الطاقة بتوفير الحلول لأزمة الكهرباء ولا يقوم بما يتوجّب عليه لتفعيل عمل القضاء في جريمة المرفأ ويعرقل كل خطوة من شأنها الحدّ من ضرر إستمرار حاكم البنك المركزي، وفوق هذا كله يمتنع عن التشكيل الجدّي للحكومة”.
على الأثر، سارع المكتب الإعلامي لميقاتي إلى إصدار ردّ عنيف على بيان باسيل مع التصويب على “حاشية رئيس الجمهورية” التي دخلت على خط عرقلة التأليف، فوصف اتهامات “التيار الوطني” له بأنها “قمة الفجور السياسي وقمة الوقاحة”، واستخفافاً بالوقائع من جانب “تيار قلب الحقائق” المحاضر “بالعفاف السياسي”، وصولاً إلى التشديد على أنّ هذا “الفجور السياسي ونسج البيانات” لن يفلح في “التعمية على مسؤولية “التيار الوطني الحر” ورئيسه تحديداً في ما وصل اليه العهد وهو على مشارف الانتهاء”، وختم: “فليخجل من يوعز بنشر هكذا بيانات ويتوهم أنّ هذه الخزعبلات تنطلي على اللبنانيين، وليقم بترميم زجاج بيته المتصّدع من الداخل قبل الخارج”.
وأمام ما وصلت إليه الدولة من ترهل وانحطاط في الأداء وتخاذل في تحمل المسؤوليات الوطنية، أطلق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع نفير الاستحقاق الرئاسي أمس باعتباره “إما سيشكل المدماك الأول باتجاه مسيرة الانقاذ المطلوبة وإما “على الدنيا السلام” للسنوات الـ6 المقبلة، وسوف يستمر هذا “الجهنم” الذي نعيش فيه، لا بل سننتقل من سيّئ الى أسوأ لا سيما مع انتهاء المدخرات”.
وانطلاقاً من أنّ “الوقت حان لطرح الأمور على حقيقتها إذ لا يمكننا الإستمرار بالتسويف واطلاق الشعارات الرنانة الفارغة”، دعا جعجع إثر اجتماع تكتل “الجمهورية القوية” إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية “يستطيع المواجهة ومعالجة الأزمة”، مشدداً على وجوب “بذل كل الجهود ليشكل استحقاق الرئاسة بداية عملية الانقاذ وإلا سنواجه وضعا صعبا جداً”، وناشد في هذا السياق كافة كتل وأحزاب ونواب المعارضة إلى تشكيل “لجنة تنسيق” تضم ممثلين عن كل الأطراف “وتعمل خارج الأضواء للتوافق على المواصفات المطلوبة للرئيس الجديد من أجل النجاح في انقاذ البلد، ومن لا يبدي تجاوباً يكون خائناً للقضية ولناخبيه”، مع التأكيد على ضرورة قطع الطريق أمام وصول رئيس جمهورية جديد من قوى 8 آذار، أو حتى “رئيس وسطي” على اعتبار أنه يستحيل “الجمع بين السيادة واللاسيادة، أو بين الإصلاح والفساد”.
وفي ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي أيضاً، سرت معطيات أولية خلال الساعات الأخيرة عن التداول في كواليس عدد من النواب التغييريين بفكرة ترشيحهم النائب ميشال الدويهي لتولي سدة الرئاسة الأولى، ونقلت أوساط مطلعة لـ”نداء الوطن” أنّ هذه الفكرة لم تخرج بعد عن نطاق المداولات غير النهائية بشأن الموقف المرتقب الذي يعتزم النواب التغييريون اتخاذه حيال الاستحقاق الرئاسي، مع الإبقاء في الوقت عينه على كافة الخيارات مطروحة على طاولة النقاش للخروج باسم مرشح رئاسي يتمتع بالمواصفات التغييرية والإصلاحية المنشودة التي تؤهله إدارة المرحلة الإنقاذية المقبلة في البلد.