هل هو اختبار إضافي لقدرة السلطات اللبنانية على الدخول في مواجهة مع المقاومة، أم هو تمهيد لدور استفزازي إضافي تلعبه قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان إلى جانب العمل الاستخباراتي الذي تقوم به لمصلحة العدو وعواصم الغرب؟
السؤال مردّه التعديل الخطير في نص القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، والذي جدّد مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان لمدة سنة وتضمن تعديلاً لدورها، متجاوزاً المهمات المنوطة بها بموجب القرار 1701، تحديداً في ما يتعلّق بحرية حركتها، وهو ما تسبّب بمعركة سياسية خلال عدوان تموز 2006 مع رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة، لمنع أي محاولة لبسط يد هذه القوات في الجنوب، بلا رقابة أو قواعد.
وكانت مسودة الاقتراح الذي قدمته الولايات المتحدة، بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، قضت بمنح القوات الدولية حرية القيام بعمليات تفتيش ودوريات ضمن منطقة عملها من دون حاجة إلى إذن مسبق من الجيش اللبناني أو مؤازرته. وهو أمر كان محل اعتراض دائم من جانب لبنان الذي كان يستعين عادة بموسكو وبكين لمنع تمريره. لكن التمديد الأخير مع التعديل مر من دون اعتراض روسيا والصين، ما كشف عن مشكلة في إدارة الملف من قبل الحكومة اللبنانية.
الجهات الرسمية المسؤولية تقاذفت المسؤولية عن الأمر. ففيما نفى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي علمه بما حصل وأكد أنه لم يتواصل مع سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة أمل مدللي، أكّدت وزارة الخارجية أنها أبلغت مدللي بالرفض التلقائي للتعديلات. لكن يبدو أن جهداً لم يكتمل من قبل بعثة لبنان في نيويورك ما أدى إلى هذا الخطأ. وقد تمت مراجعة المراسلات بين الإدارة المركزية في بيروت والبعثة في نيويورك للتثبت من التعليمات التي أعطيت إلى مدللي، وخلصت وزارة الخارجية أمس إلى قرار بأنه في كل مرة تجري مناقشة ملف من هذا النوع، سيتم إرسال مندوب خاص من الخارجية لتولي الأمر وعدم تركه لمندوب لبنان بمعزل عن هويته أو كفاءته.
في هذا الإطار، وفي معرِض ردّها على معلومات صحافية، عن طلب لبنان «شطب مرجعية القرارين 1559 و1680 في متن قرار التجديد لليونيفيل»، لفتَت وزارة الخارجية في بيان لها إلى أن «القرار الذي صدَر عن مجلس الأمن والذي تمّ بموجبه التجديد لليونيفيل يتضمّن لغة لا تتوافق مع ما وردَ في اتفاق الإطار الذي وقعه لبنان مع الأمم المتحدة، وقد اعترض لبنان على إدخال هذه اللغة». كان لافتاً أن البيان أتى بعد أسبوع من قرار التمديد في مجلس الأمن، فأين كان لبنان الرسمي حين جرى التصويت؟
الملف بقي محط رصد الأوساط السياسية منعاً لحصول اشتباك سياسي بشأنه، خصوصاً أن مفاعيله الميدانية ستزيد التوتر في الجنوب، ما دفع وزير الخارجية عبدلله بو حبيب إلى استدعاء رئيس بعثة اليونيفيل للتشديد على «أهمية استمرار التعاون والتنسيق الدائم مع الجيش اللبناني». وفي اللقاء أمس، قالت مصادر إن وزير الخارجية أبلغ رئيس البعثة أرولدو لاثارو أن «القرار مر من دون موافقة لبنان عليه وهذا أمر لا يمكن أن يمر ببساطة لأنه يمكن أن يؤدي إلى توترات وإلى مخاطر تصيب لبنان ويمكن أن تصيب القوات الدولية نفسها»، مشيرة إلى أنه حصل من لاثارو على «التزام بعدم تغيير قواعد العمل، وبما أنه لا يمكن إعادة تعديل القرار حالياً يجب الانتظار إلى العام المقبل. لكن ميدانياً يمكن لقوات اليونيفيل أن تستكمل مهامها بالطريقة نفسها وبالتنسيق مع الجيش اللبناني».
القضية أثارت بلبلة سياسية كبيرة في لبنان شملت حزب الله الذي أبدى اعتراضه على الأداء وطلب من الحكومة والجهات المعنية معالجة الأمر سريعاً. وجرت بعيداً من الأضواء اتصالات لتحديد الجهة المسؤولة عن هذا التقصير. وبينما جرى اتهام رئيس الحكومة بأنه أبلِغ من قبل مدللي بالتعديل ولم يعترض، علمت «الأخبار» أنه نفى نفياً قاطعاً لمن تواصل معه هذا الأمر، وأكد أن مدللي راسلت وزارة الخارجية قبل حوالي عشرة أيام من قرار التمديد وأبلغت المعنيين أن هناك توجهاً لإجراء تعديلات، مُطالبة بالتواصل مع السفراء. ووفق مصادر مطلعة فإن «الوزارة ردت قبل يوم من تجديد التمديد وأبلغت مدللي عدم قبول لبنان بأي تعديل»، مشيرة إلى أن «هذا التعديل ليس جديداً، فكل عام كانت تعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى تمريره وكان الاعتراض الروسي والصيني يمنع ذلك، لكن الغريب أن الدولتين لم تعترضا هذه المرة»!
بما أن ما حصل قد حصل، ولا يمكن تغييره على الورق يبقى الرهان على التعاون الميداني وعدم تجاوز «اليونيفيل» لخطوطها الحمراء. فعلى رغم أن قرار التجديد لمدة سنة، الذي قدمته فرنسا وصدر عن مجلس الأمن الدولي، أضاء على مسألة حرية الحركة للقوات الدولية على كامل الخط الأزرق وعدم إلزامية مواكبتها من الجيش اللبناني، قالت مصادر بارزة أن «حزب الله كانت له رسالة لليونيفيل بضرورة الالتزام بالقواعد المعمول بها، لأن أي تجاوز ستكون له مفاعيل خطيرة». ورأت المصادر أن «الكرة الآن في ملعب قوات الطوارئ الدولية التي عليها أن تتصرف بعقلانية، منعاً لأي حوادث صدام مع الجنوبيين، سبق أن وقعت في أعوام ماضية»، مؤكدة أن «على الجميع أن يدرك حساسية هذا الموضوع وألا تتحول القوة الدولية في الجنوب إلى جهة تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي بحجة توسيع مهمتها لأن ذلك قد يؤدي إلى تطيير القرار 1701 برمته».