بَدا من المشهد السياسي أمس ان لا شيء يبشّر بالخير لا على مستوى التأليف الحكومي حيث بدأت قطيعة على الاقل بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، ولا على مستوى الاستحقاق الرئاسي الذي بدأت مهلة إنجازه الدستورية وقبل ايام ولم يُدع المجلس النيابي الى جلسة لانتخاب الرئيس العتيد وإنما دعاه رئيسه نبيه بري الى جلسة تشريعية الاسبوع المقبل لثلاثة ايام متتالية خصّصت لمناقشة موازنة الدولة لسنة 2022. اما على مستوى ترسيم الحدود البحرية فلا مؤشرات تدل الى توقيع اتفاق قريب حيث سيزور الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين لبنان اليوم لساعات فقط، وقد استبَقَته شركة “اينرجين باور” بالاعلان انها قررت تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان واسرائيل، فيما تتردد معلومات عن استعدادات عسكرية وحالات استنفار هنا وهناك على خلفية المهلة التي كان قد حددها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للجانب الاميركي واسرائيل للإقرار بحدود لبنان البحرية وحقوقه النفطية والغازية واعطائه الضمانات اللازمة للتنقيب عنها واستخراجها، ملوّحاً بمعادلة “كاريش وما بعد كاريش وما بعد بعد كاريش”.
يزور الوسيط الاميركي هوكشتاين لبنان اليوم آتياً من اسرائيل، وستدوم زيارته ساعات فقط قبل أن يعود إلى تل ابيب التي كان قد وصل اليها امس، وكان قد أُعلن انه وصل الى اسرائيل عصر امس وانّ لقاءاته ستشمل رئيس الحكومة يائير لابيد ووزيرة الطاقة كارين الحرار قبل توجّهه الى بيروت اليوم.
وقبل ساعات قليلة على وصوله الى المنطقة اعلنت الشركة المشغّلة لسفينة “إينرجين باور” عن تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش المتنازع عليه بين إسرائيل ولبنان.
وتعليقاً على هذه الخطوة كشفت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انه الى جانب هذا الاعلان المبدئي والمنطقي الذي يترجم مخاوف الشركات الكبرى من العمل في مناطق مُتنازع عليها، فقد سادت البلبلة في بعض الاوساط السياسية في بيروت حول حركة هوكشتاين التي سبقت زيارته بيروت اليوم بعدما تم تثبيت الموعد وطلبت السفارة الاميركية مواعيد محددة له فحددت الساعة الثانية عشرة ظهراً في قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ان يلتقي بعده الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، وربما سيكون له لقاء مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.
وعشيّة الزيارة لم تشأ المصادر الدخول في اي سيناريو من السيناريوهات المتداولة حول ما يمكن ان يحمله في اعتبار انّ حضوره اليوم سيُنهي مسلسل الشائعات والروايات، ولا سيما منها تلك التي نسجت قبل اعلان الشركة المشغلة لسفينة “اينرجين باور” في كاريش، والتي حسمت السيناريو المتعلق بعدم وجود اي جواب اسرائيلي واضح على الطرح اللبناني الاخير طالما انّ العمل سيتوقف في الحقل، وهو ما يؤدي ايضا الى نزع فتيل اي عمل عسكري يمكن “حزب الله” ان يقوم به تجاه المنطقة، الأمر الذي سيترك الباب مفتوحا امام سيناريوهات اخرى تقول بتمديد البحث في عملية الترسيم في القريب العاجل على ان ينتظر الجميع الجديد الذي يمكن ان يحمله معه اليوم.
ووفق معلومات الصحافة الإسرائيلية، ان هوكشتاين التقى في اثينا شركة التنقيب عن النفط القبرصية ـ اليونانية “إنرجين باور” ومسؤولين اسرائيليين كبارا في أثينا. وتبع ذلك اعلان “انرجين” أمس تأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش” المتنازع عليه بين إسرائيل ولبنان. فماذا يعني تأجيل التنقيب في كاريش؟
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، نقلاً عن مسؤولين كبار في إسرائيل، ان الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود مع لبنان آموس هوكشتاين وصل إلى إسرائيل امس “في محاولة لدفع توقيع اتفاق في الأسابيع المقبلة”. وأوضحت الصحيفة أنه “من المفترض أن يقدم هوكشتاين خلال الزيارة “اقتراح وساطة” بين الجانبين. وبحسب التقديرات فإن هذا حل وسط بين العرض اللبناني والعرض الإسرائيلي”. وأشارت إلى أنه “على رغم من أن هذه زيارة مهمة، إلا أنه ليس من المؤكد أنه سيتم توقيع اتفاقية في الأيام المقبلة، ويمكن أن تستمر المفاوضات لبعض الوقت”. وذكرت أن هوكشتاين كان قد زار فرنسا، “حيث التقى بالرئيس إيمانويل ماكرون وشركة الطاقة الفرنسية “توتال” التي من المفترض أن تقوم بالتنقيب في الحقل المتنازع عليه، والتي سيتم تقاسم أرباحها بين الجانبين”.
العلاقات الرئاسية والتأليف
وعلى جبهة التأليف الحكومي والعلاقات الرئاسية فرضت المواقف التي أدلى بها الرئيس ميشال عون لـ”الجمهورية” وَقعها السياسي، خصوصا لجهة تحذيره من “انهم اذا أصرّوا على أن يزركوني قبل 31 تشرين الأول” فإنّ علامات استفهام تحوط بالقرار الذي سيتخذه عندها.
وفيما تعددت التفسيرات والاجتهادات لما يقصده عون من تحذيره، استبعدت اوساط سياسية عبر “الجمهورية” احتمال بقائه في قصر بعبدا ما لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية او تشكيل حكومة جديدة قبل انتهاء ولايته الرئاسية، مشيرة الى انّ خياراته المضادة يفترض ان تكون خارج دائرة هذا الاحتمال الذي ينطوي على مجازفة سياسية محفوفة بالمخاطر لأنه لن يجد داخليا وخارجيا من يدعم بقاءه في القصر بعد 31 تشرين الأول المقبل.
ورجّحت الاوساط ايّاها “ان تكون لدى عون خيارات تصعيدية من نوع آخر”، لافتة إلى أنه سيستعيد حريته السياسية عقب انتهاء العهد وسيتحرر من قيود الرئاسة، الأمر الذي من شأنه ان يوسّع هامش الحركة لديه.
وأبدت هذه الاوساط خشيتها من الدخول في مرحلة جديدة من النفق المظلم اذا لم يتم انتخاب الرئيس او بالحد الادنى تشكيل حكومة جديدة قبل وقوع الفراغ.
وضمن سياق متصل، أشارت الاوساط الى “انّ ما يزيد من قتامة الظلام في النفق هو ان غالبية القوى السياسية تبدو متقاطعة عند تمييع التجاوب مع مطالب صندوق النقد الدولي والتهرب من إقرار القوانين الإصلاحية وفق معايير الصندوق، ما ينعكس سلباً على فرصة التعجيل ببدء رحلة الصعود من قعر الهاوية عبر حبل الثقة الدولية”.
لعب “على المكشوف”
وكان لافتاً ما نشره امس موقع “لبنان 24” القريب من ميقاتي من ان عون “قرّر، على ما يبدو، أن يلعب في آخر أيامه الرئاسية “على المكشوف”، تمهيدًا لعودته “المظفرّة” إلى مواقف ما قبل الرئاسة”.
واعتبر الموقع انّ ما قاله عون لـ”الجمهورية” انما “يفسّر ما لم يشأ أن يفصح عنه الرئيس نبيه بري عندما وصف لقاء بعبدا الخامس مع الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي بأنه كان “الأسوأ”. وتوقف الموقع عند قول عون “إذا أصرّوا على ان “يزركوني”، فإنّ هناك علامة استفهام تحيط بخطوتي التالية وبالقرار الذي سأتخذه عندها”. وسأل الموقع عن هذه الخطوة، متسائلاً “هل تكون بإعادة عقارب الساعات عشرات السنين إلى الوراء، وهي التي يقول عنها اللبنانيون “تنذكَر وما تنعاد”؟ وهل سيقدم على مخالفة الدستور بخطوة غير دستورية ومخالفة لما نصّ عليه “الطائف”، الذي يريد باسيل تغييره تحت مسمّى “تطويره”؟ هل سيُسقط تكليف الرئيس المكّلف، أم سيسمّي رئيسًا “رديفًا”، وقد أصبح هذا الإجراء شائعًا هذه الأيام؟”.
ونقل الموقع عن “المحيطين بالرئيس ميقاتي” تأكيدهم “أنه المستفيد الأول من أن يكون للبنان رئيس جديد بعد 31 تشرين الأول المقبل، وأن من مصلحته ألا يقع الفراغ، وألا تتسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، لأنّ “التركة” ثقيلة، وأن المسؤولية كبيرة جدًّا، خصوصًا أن “التيار الوطني الحر” سيلجأ إلى كل الأساليب المتاحة لتعطيل عمل “حكومة الصلاحيات الرئاسية”. فالرئيس ميقاتي هو المستفيد الأول من تشكيل حكومة أصيلة أولًا، ومن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ثانيًا، وعدم وقوع البلاد في الفراغ ثالثًا، وفق التراتبية الزمنية. وهو ابعد ما يكون عمّا قاله “فخامة الرئيس” من أنه يعبث بالتوازنات، ومن أنه يسعى إلى وضع يده على البلد من خلال حكومة تصريف الأعمال”.
الموازنة
من جهة ثانية، أحيل مشروع موازنة الدولة للعام ٢٠٢٢ بأرقامه المعدلة الى الهيئة العامة، حيث سيُصار الى مناقشتها على مشرحة المجلس النيابي على مدى ثلاثة ايام دعا اليها رئيس المجلس بدءا من الاربعاء المقبل. وتوقعت مصادر نيابية “ان تتحوّل هذه الجلسات الى عراضات من دون المساس بمسودة المشروع ليس لأنه مُنزل وانما لأنه الممكن والجميع يعرف هذا الامر”.
وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية”: “نحن نناقش موازنة ملحقة وليس مسبقة وهذا هو الارتكاب الاهم، اذ يفترض ان تكون وزارة المال قد أحالت حالياً مشروع موازنة سنة ٢٠٢٣ الى مجلس الوزراء لمناقشتها، ثم احالتها الى المجلس النيابي لإقرارها قبل نهاية العام وما نقوم به اليوم تخبّط ما بعده تخبّط كالعادة في سياساتنا المالية”.
وعن ارقام الموازنة قالت المصادر “إنها ارقام دفترية محتسبة على سعر ٢٠ الف ليرة للدولار للرسوم و١٢ الف ليرة للدولار الجمركي. ولم تخف المصادر تخوفها من “حالة الاهتراء التي تستفحل بالمؤسسات العامة والرسمية والتي يمكن ان تطيح بكل شيء حتى بإجراءات الترقيع”. وقالت: “المهم الآن عند اقرار الموازنة ان يقبل بها صندوق النقد الدولي على شكلها والا ستكون موازنة “دكانة عالورق” لأنّ شرط الصندوق الاساس هو توحيد سعر الصرف ونحن بعيدون عن هذا الاجراء بُعد سفر”.
مواقف
وفي جديد المواقف السياسية امس كررت كتلة “الوفاء للمقاومة”، بعد اجتماعها امس برئاسة رئيسها النائب محمد رعد، “موقفها الداعي إلى وجوب مواصلة المساعي والجهود لتشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات تستجيب لمتطلبات الرعاية والإدارة للبلاد ولاستقرارها المطلوب على أكثر من صعيد في هذه الفترة الدقيقة والحرجة”. وحمّلت “الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني مسؤوليّة المراوغة والتسويف في الاستجابة لحقوق لبنان السياديّة الكاملة وخصوصاً بالنسبة لحدوده البحريّة ولثرواته الوطنيّة”. وجدّدت “حرصها على الموقف الوطني الموحَّد؛ المتمسّك بحقوق لبنان في بحره ونفطه وغازه”، وأشادت بـ”موقف المقاومة الحازم وبجهوزيتها الفاعلة”. ودعت اللبنانيين جميعاً إلى “تحمّل مسؤولياتهم في هذه القضيّة التي يتقرّر في ضوئها مستقبل لبنان وتطوره وأوضاعه الاقتصاديّة ودوره الإقليمي”. واكدت اهتمامها بـ”توجّه لجنة الإعلام والاتصالات إلى الشروع في اتخاذ الإجراءات القانونيّة: البرلمانيّة والقضائيّة المختصّة، لمحاسبة المسؤولين عن جريمة الهدر في المال العام ضمن قطاع الاتصالات والتي أكد ثبوتها تقرير ديوان المحاسبة الأخير وقدّر أنّ الكلفة تصل إلى ستة مليارات دولار”.
كتلة “تجدد”
وقالت كتلة “تجدد”، في بيان لها امس، “ان الرأي العام اللبناني لم يفاجأ باتفاق منظومة تحالف السلاح والفساد على تجويف وتعطيل التحقيق بجريمة تفجير مرفأ بيروت، عبر تمرير قرار غير قانوني، بتعيين قاض رديف للمحقق العدلي طارق البيطار”. واعتبرت “ان هذا القرار تم تمريره بالتكافل والتضامن بين رأس المنظومة وحاميها، وبقية أطرافها، وبخضوع مُستغرب ومرفوض من مجلس القضاء الأعلى”، واعتبرت أن “لا خلاف حقيقياً بين أطراف المنظومة، إلا على المحاصصة في تشكيل الحكومة واقتسام الإدارة، فيما هم متفقون على التواطؤ على العدالة، لطمس الحقيقة وتجويف التحقيق ومنع المحاسبة، في أكبر وأخطر جريمة يتعرض لها لبنان وعاصمته”. واعلنت انه “بعد هذا التواطؤ السياسي المفضوح والوقح على العدالة بالتعاون مع بعض أركانها بكل أسف، بات من المحتّم اللجوء الى طلب التحقيق الدولي في تفجير مرفأ بيروت”، معلنة انها “ستكون في مقدم القوى البرلمانية المطالبة بالتحقيق الدولي”، داعية الى “صياغة تعاون نيابي يؤدي الى تحقيق هذا الهدف”.