بدا واضحا في الساعات الأخيرة ان الوساطة الأميركية خاضت سباقا لاهثا وساخنا مع الوقت للحؤول دون تفاقم ملامح التصعيد والمحاذير التي أحاطت بالاتفاق الذي وضعه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والعمل بأقصى وتيرة استثنائية لاعادة انتزاع موافقة كل من البلدين على صيغة متطورة للاتفاق سيتسلمها كل منهما في الساعات المقبلة .وتحدثت أوساط لبنانية رسمية معنية بالاتصالات الجارية بين الجانب اللبناني وهوكشتاين فان المعطيات حيال الصيغة النهائية للاتفاق تبدو إيجابية يعززها ان إسرائيل التي بدأت تجارب ضخ الغاز من البر الى البحر في حقل كاريش اتضح انها تجنبت ان يشكل ذلك ذريعة لعملية محتملة ضد كاريش قد يقدم عليها “حزب الله” فابلغت لبنان عبر الاميركيين مسبقا بموعد بدء تجربة الضخ التجريبي.
واما التطور الأبرز في هذا السياق فتمثل في اصدار مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية مساء امس البيان الآتي:
“تلقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد الظهر اتصالا هاتفيا من الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين اطلعه خلاله على نتائج الجولات الأخيرة للاتصالات مع الجانب اللبناني من جهة ، والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى، والتي تم خلالها درس الملاحظات المقدمة من الطرفين. وأوضح السيد هوكشتاين ان جولات النقاشﹸختمت وتم تحديد الملاحظات التي سيرسلها هوكشتاين خلال الساعات القليلة المقبلة في نسخة تتضمن الصيغة النهائية للاقتراح المتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وشكر السيد هوكشتاين الرئيس عون وفريق عمله على الإدارة الحكيمة لملف المفاوضات والطريقة التي تم فيها التعاطي مع النقاط التي كانت موضع بحث، ما سهّل استكمال التفاوض من خلال عمل مرهق في الايام الماضية.
وسيدرس الجانب اللبناني الصيغة النهائية بشكل دقيق تمهيدا لاتخاذ القرار المناسب.
وكان الرئيس عون التقى قبل اتصال هوكشتاين بنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي وضعه في تفاصيل المناقشات التي دارت خلال الأيام الثلاثة الماضية بينه و بين الوسيط الأميركي”.
في غضون ذلك بدأت شركة “إينرجيان” للطاقة ومقرها لندن إجراء اختبار للأنابيب بين الأراضي الاسرائيلية وحقل كاريش البحري للغاز في شرق البحر المتوسط والذي يشهد نزاعاً بين لبنان وإسرائيل. وقالت الشركة إنه “بعد الحصول على موافقة من وزارة الطاقة الإسرائيلية لبدء إجراء اختبارات معينة، بدأ تدفق الغاز من الشاطئ” إلى منصة تفريغ تخزين الإنتاج العائم في كاريش. وبحسب إينرجيان التي منحت رخصة تشغيل الحقل فإن الاختبارات التي تستغرق أسابيع عدة بمثابة “خطوة مهمة” نحو استخراج الغاز من حقل كاريش.
من جانبه، قال مصدر لبناني مطلع على المفاوضات أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أبلغ السلطات اللبنانية بأن ما يجري هو “اختبار عكسي” . وأكد المصدر أن “المفاوضات لا تزال مستمرة” إذ يجري هوكشتاين لقاءات مستمرة مع الطرفين.
وتزامن ذلك مع كشف صحيفة “هآرتس” أن “هناك تقديرات داخل إسرائيل تفيد بأن إحتمالات الحرب أمام “حزب الله” منخفضة، خصوصا مع عدم التوصل لإتفاق مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، حتى الآن”، موضحةً أنه “رغم وجود هذه التقديرات داخل البلاد، فإن الجيش الإسرائيلي يجري إستعدادته لأي سيناريو محتمل، خاصة سيناريو تأجيل توقيع إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان”.ولفتت إلى أن “هذه التقديرات قد خرجت من إجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون الأمنية والعسكرية “الكابينيت” يوم الخميس الماضي، حيث ناقش آخر تطورات ملف الاتفاق مع لبنان، عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين”، مؤكدةً أن “التقديرات الإسرائيلية تعني أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، لا يبغي الحرب أمام إسرائيل، أو لا يهدف إلى الحرب أمام الجيش الإسرائيلي، خاصة وأنه ما تزال هناك فرصة لإتمام الإتفاق بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي”.
رسائل الراعي
وسط هذا المناخ تزايدت الشكوك في امكان حصول تطور جديد في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الخميس المقبل نظرا الى استمرار المعطيات الانتخابية السابقة على حالها فضلا عن مقاطعة نواب تكتل لبنان القوي الجلسة لتزامنها وذكرى 13 تشرين الأول . اما العامل المتغير المتوقع في الجلسة اذا انعقدت وتامن نصابها فهو في اتجاه تكتل النواب التغييريين الى تسمية مرشح جديد لهم في الساعات المقبلة من بين ثلاثة مرشحين هم زياد بارود وناصيف حتي وصلاح حنين بدلا من مرشحهم في الجلسة السابقة سليم اده.
وفي سياق المواقف البارزة من الاستحقاق الرئاسي اتسمت عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس بأهمية كبيرة اذ تضمنت رسائل تحمل دلالات قوية حيال موقف بكركي في شتى الاتجاهات بما يعكس استشعار البطريرك ان الأمور متجهة في سياقات سلبية ولا سيما لجهة انتقاده اللافت لـ”مبادرات اجنبية صديقة” . ومما جاء في العظة ” الشعب ينتظر الخروج من أزماته المتراكمة واستعادة دوره تجاه ذاته ومحيطه، لكنه لا ينظر بارتياح إلى شعار التغيير، إذ يخشى تمويهه بين حدين: تغيير أسماء من دون تغيير شوائب النظام، وتغيير النظام التاريخي والديمقراطي من دون إسقاط نظام الأمر الواقع. فلا بد من إيجاد الحلول الصحيحة لخير لبنان وشعبه. وانتظر الشعب وينتظر الى أن تصوب المبادرات الأجنبية إلى جوهر الأزمات في لبنان. ولكن يبدو أنها غضت النظر ربما عمدا عن هذا الجوهر، فباءت تلك المبادرات بالفشل. وفيما يقدر شعب لبنان مبادرات الدول الصديقة، يهمه أن تصب هذه المبادرات في خلق مشروع حل لبناني متكامل يحسن علاقات اللبنانيين ببعضهم البعض، لا أن تحسن علاقات هذه الدول الأجنبية ببعض المكونات اللبنانية على حساب أخرى، ولا أن تحسن علاقاتها بدول إقليمية على حساب لبنان. الحل المنشود يقوم على وحدة الولاء للبنان، وعلى السيادة والاستقلال؛ وعلى الحياد واللامركزية الموسعة، ونظام الاقتصاد الحر؛ وعلى الانفتاح على المحيط العربي والإقليمي والعالمي، وعلى تطوير الحياة الدستورية انطلاقا من اتفاق الطائف بتنفيذه روحا ونصا”. واعتبر أنه “آن الأوان لكي ينكشف المرشح لرئاسة الجمهورية الفارض نفسه بشخصيته وخبرته وصلابته ووضوح رؤيته الإنقاذية وقدرته على تنفيذها”. وقال: “إذا انتخب مثل هذا الرئيس نال للحال ثقة الشعب والأسرة الدولية والعربية. الشعب ونحن لا نريد رئيس تسويات. البطريركية المارونية من جهتها لا توزع تأييدها للمرشحين، خلافا لما يروج البعض، إنما تدعم الرئيس الناجح بعد انتخابه، وبعد تبنيه الجدي والفعلي بنود الحل اللبناني برعاية دولية. نحن لم نشعر بأي إحراج مع جميع الذين أموا الصرح ويؤمونه مستطلعين رأينا. كما لم نشعر بأي إحراج في إجراء مناقشة صريحة مع هؤلاء جميعا. ما نصارحهم به هو سلوك الخط المستقيم حتى البلوغ إلى الإجماع على شخص الرئيس المميز بكل أبعاده. نعني الرئيس الذي يعبر عن إرادة المجتمع اللبناني لا رئيسا يستأنس بالولاء للخارج. لم يعد لبنان يتحمل أنصاف الحلول وأنصاف الصداقات وأنصاف الرؤساء وأنصاف الحكومات ولا أنصاف الولاءات”.